طريق الحرير

الناتو في مواجهة الصين

كتب المفكر الفرنسي، تييري ميسان،في شبكة فولتير بتاريخ 11 ديسمبر 2019 عقد حلف شمال الأطلسي مؤخراً قمة في لندن بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيسه.
لم تنقل وسائل الإعلام الغربية سوى التصريحات الرعدية للرئيسين، الفرنسي إيمانويل ماكرون والتركي رجب طيب أردوغان، وبدرجة أقل التصريحات التهكمية لرئيسي الوزراء الكندي، جوليان ترودو، والبريطاني بوريس جونسون.
أما الأشياء المهمة، فكانت في مكان آخر: في إعلان الحلف للمرة الأولى في بيانه النهائي عن “التحدي الصيني” الذي يجب عليه ” مواجهته”.

لقد سبق لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون أن أطلقت في وقت مبكر من عام 2011 نداءً بالتحرك في “محور آسيا” ودعت الولايات المتحدة إلى مغادرة أوروبا والشرق الأوسط الموسع، للإنتشار في الشرق الأقصى.
وقد شرح توم دونيلون مستشار الأمن القومي الخطة في مارس 2013 أمام جمعية آسيا، والتي تتضمن حزمة دبلوماسية ومالية، ومشروع اتفاق شراكة عبر المحيط الهادئ.
لكن سرعان ماتدخل البنتاغون لتعديل المسار، مؤكداً على ضرورة عدم التخلي عن جزء من العالم من أجل جزء آخر، بل بالأحرى التمدد انطلاقاً من جزء إلى جزء آخر من العالم.
كان هذا هو مفهوم “إعادة التوازن”، وهو الوحيد المتوافق مع استمرار مفهوم “الحرب بلا نهاية” في الشرق الأوسط الموسع. ولأن البنتاغون لم يتمكن من إقناع الإدارة بخطته هذه، فإنه أنهى فجأة النقاش وعلل تراجعه بالإشارة إلى أنه كان من المستحيل من وجهة نظر مالية الحفاظ على ثلاث جبهات في آن واحد.
بيد أنه عمد في السنوات التي تلت ذلك إلى الحصول على كميات هائلة من الأسلحة ونصبها في الشرق الأقصى.

وفي العام الماضي تحديداً قام وزير الدفاع جيم ماتيس بتغيير اسم القيادة الأمريكية للمحيط الهادئ، مضيفاً عليها المحيط الهندي ثم ذهب وزير الدفاع الجديد مارك إسبير، ووزير الخارجية مايك بومبيو والأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إلى سيدني في أوائل أغسطس الماضي لجس نبض القادة الأستراليين الذين رحبوا بهم، بالرغم من الرعب الذي انتابهم من فكرة نصب صواريخ نووية فوق أراضيهم.
كما تم إجراء اتصالات مماثلة، في الوقت نفسه، مع الهند واليابان، لكنها كانت أقل نجاحاً بكثير. فضلاً عن ذلك، قامت الولايات المتحدة بمراجعة سياستها تجاه كل من كوريا الجنوبية، وإندونيسيا، وميانمار، والفلبين، وتايلاند، وفيتنام، بهدف تقريب جيوشها من تلك البلدان.
بيد أن هذه الدول اعتادت منذ سنوات طويلة على العمل منفردة مع مسؤولي البنتاغون، وليس مع بعضها البعض. لاشك في أن الصين تستعد بدورها للمواجهة ، لكن بآجال مختلفة تماماً عن تلك التي وضعها حلف الناتو، فهي لم تنس بعدُ كيف استغلتها الإمبراطوريات المتحالفة – بما في ذلك روسيا القيصرية – في القرن التاسع عشر، وهي تتطلع الآن إلى التحالف مع روسيا الحالية التي تواجه الأعداء أنفسهم. بالإضافة إلى ذلك، تعتزم الصين نقل ساحة المعركة إلى مجال المعلوماتية عبر تدمير أسلحة حلف شمال الأطلسي الموسع بالهجمات الإلكترونية قبل أن يتمكن من استخدامها.

ومن الواضح أنه لا أحد يستطيع إيقاف انتشار قوات حلف الناتو، حتى بعد هزيمته في سوريا، وهو ذاهب، لامحالة نحو التوسع والإنتشار، لفرض “السلام الأمريكي” على العالم.

ومن غير المرجح أن تسعى روسيا والصين إلى الحرب في العقد القادم، لكن من المتوقع أن ينقسم العالم إلى منطقتين تنعدم المبادلات التجارية فيما بينهما، مما سوف يرتب على جميع الدول اختيار المنطقة التي ترغب في الإنضمام إليها.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق