أخبار العالمأمريكا

أمريكا وسياسة الأمر الواقع وتحويل أوراق الضغط لفائدتها

الملف السوري

قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن الإدارة الأمريكية تُجري اتصالات مكثفة مع سوريا ودول أخرى للإفراج عن الصحفي الأمريكي “أوستن تايس”، الذي اختُطف في أوت 2012 أثناء تغطيته الإحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

والغريب ومنذ 11 سنة إستفاقت الادارة الأمريكية أنه لديها صحفي سجين عند النظام السوري، وبدأت فعلا منذ أيام إدارة الرئيس “جو بايدن” محادثاتها المباشرة مع النظام السوري لتحديد مصير الصحفي الأمريكي، على نحو يثير تساؤلات عديدة حول ما إذا كان هناك تحول في الموقف الأمريكي من الحوار مع النظام السوري في وقت أعربت فيه الإدارة الأمريكية علناً عن رفضها التقارب العربي والإقليمي مع الأخير، وخاصة الرفض لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

وفي المقابل عادت سوريا الى العرب وبقي نظام الأسد، وبالتالي البراغماتية الأمريكية تقول يجب إيجاد منطلق وأرضية لعودتها هي كذلك، وها هو ملف الصحافي يطفوا على السطح من جديد.

كما يطرح إعادة إدارة الرئيس “جو بايدن” تجديد المباحثات مع النظام السوري لتحديد مصير الصحفي الأمريكي المفقود “أوستن تايس” والأمريكيين الآخرين الذين اختفوا خلال مرحلة الصراع المسلح، بالتوازي مع رفض الإنخراط في عملية تطبيع مع النظام، جملة من الدلالات، التي يتمثل أبرزها في:

  1.  تعزيز شعبية بايدن قبل الانتخابات: مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر 2024، وسعي الرئيس “جو بايدن” للفوز بفترة رئاسية ثانية، والتشكيك حول قدراته على إدارة مهام منصبه مع تقدم عمره ليكون أكبر مرشح في الانتخابات الرئاسية بتاريخ الولايات المتحدة، يحاول الرئيس تعزيز شعبيته المتراجعة بين الناخبين الأمريكيين بالإستثمار في الإفراج عن المعتقلين الأمريكيين في دول معارضة للولايات المتحدة، بعد النجاحات التي حققتها الإدارة في الإفراج عن نجمة كرة السلة بريتني جرينر التي احتجزتها موسكو لمدة 10 أشهر، والإفراج عن سبعة معتقلين أمريكيين في فنزويلا. ويبذل المبعوث الرئاسي لبايدن الخاص لشئون الرهائن روجر كارستنز، منذ إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، جهوداً لإعادة الأمريكيين المحتجزين في الخارج، ولا سيما صحفي “وول ستريت جورنال” إيفان جيرشكوفيتش الذي تحتجزه القوات الأمنية الروسية، وعدد من المعتقلين الأمريكيين في إيران، ولا سيما سياماك نمازي. ويأتي إنخراط الإدارة الأمريكية في مباحثات مع النظام السوري للإفراج عن “أوستن” متسقاً مع الجهود التي إتخذها الرئيس الأمريكي لحماية الأمريكيين في سوريا بعد تعرضهم لهجمات عسكرية من قبل جماعات موالية لإيران، والتي وصلت لإستخدام القوة العسكرية ضدهم أربع مرات في فيفري وشهر جوان 2021، وأوت 2022، ومارس 2023، وكذلك التحركات الأمريكية المكثفة لإجلاء الرعايا الأمريكيين من السودان بعد تأجّج الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع.
  2. الضغط على النظام لإخراج المليشيات: ما زالت واشنطن ترى أن أى تسوية سياسية للأزمة في سوريا لابد أن ترتبط بإخراج القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها والتي قامت إيران بتكوينها وتدريبها للإنخراط في الصراع المسلح إلى جانب النظام السوري، فضلاً عن أنها ما زالت تعارض عدم التقدم في العملية السياسية التي تجرى بمقتضى القرار الأممي رقم 2254، مقابل استمرار الانخراط في مسارات أخرى خلال المرحلة الماضية، مثل مسار الآستانة بين روسيا وتركيا وإيران، والذي توازى مع جهود بذلتها روسيا وإيران من أجل تحسين العلاقات بين تركيا والنظام السوري.
  3. الاعتماد على الاتصالات السابقة: لا يعبر حديث وزير الخارجية بلينكن عن إجراء الإدارة الأمريكية إتصالات مكثفة بشأن الصحفي “أوستن تايس”، نقلاً عن مسئولين في منطقة الشرق الأوسط مطلعين على ملف الإتصالات الأمريكية بالنظام السوري بشأن “أوستن”، أن مفاوضين أمريكيين عقدوا سلسلة من الاجتماعات مع مسئولين أمنيين وسياسيين في الحكومة السورية ولم تنجح المفاوضات. وكشف بيان لوزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، في 14 أوت 2020، في الذكرى الثامنة لفقدان أثر الصحفي الأمريكي، أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سبق أن وجه، في مارس 2020، رسالة شخصية إلى الرئيس السوري بشار الأسد يقترح فيها فتح حوار مباشر مع النظام السوري وذلك للإفراج عن الصحفي المفقود في سوريا.
  4. 4-   تبني سياسة “القنوات الخلفية”: بجانب الانخراط الأمريكي المباشر مع النظام السوري لعودة الأمريكيين المحتجزين، إستخدمت الإدارة قنوات خلفية لإجراء مباحثات مع نظام الأسد، فقد طلبت من رئيس المخابرات اللبنانية اللواء عباس إبراهيم التوسط مع النظام السوري للإفراج عن الصحفي الأمريكي. وقد سافر إبراهيم إلى واشنطن في ماي 2022، والتقى بوزير الخارجية أنتوني بلينكن ومدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز، إلى جانب روجر كارستنز المبعوث الرئاسي الخاص لشئون الرهائن قبل زيارته لسوريا للتوسط لإنهاء اعتقال الصحفي. وقد مارس إبراهيم، في عام 2019، دوراً حاسماً في تحرير السائحين الكندي كريستيان لي باكستر والأمريكي سام جودوين من سجنهما في سوريا.
  5. استمرار التباين بين واشنطن ودمشق: ما زال النظام السوري حريصاً على نفى إعتقال الصحفي الأمريكي، بينما يؤكد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أن الولايات المتحدة تعرف “على وجه اليقين” أن النظام يحتجز “أوستن”، وهو ما يمثل عقبة أمام إستمرار المباحثات المباشرة وغير المباشرة بين الولايات المتحدة والنظام حول مصير المعتقلين الأمريكيين في سوريا، فضلاً عن طرح الأخير مطالب تتعارض مع السياسات الأمريكية المعلنة تجاه سوريا، على غرار تقليص حدة العقوبات الأمريكية والانسحاب الأمريكي من سوريا.

الخلاصة:

يكشف تعدد المحاولات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة للإفراج عن الصحفي الأمريكي، والتصريحات والتحركات الأمريكية الأخرى خلال العامين الماضيين، عن تحول ملحوظ في الموقف الأمريكي تجاه الأزمة السورية.

 فعلى الرغم من المعارضة الأمريكية العلنية لمساعي حلفاء الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، إلا أن هناك موافقة ضمنية أمريكية على تلك الخطوات، وهو ما انعكس في تصريحات مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، في 9 مارس الماضي، والتي قالت فيها: “إن رسالتنا الأساسية هي أنه إذا كنت ستتعامل مع النظام السوري فإحصل على شيء لذلك”، وهو ما يوحي بأن واشنطن باتت تتبنى سياسة مزدوجة للتعاطي مع التطورات التي يشهدها الملف السوري خلال المرحلة الحالية وستعلن التطبيع مع سوريا والنظام السوري في المرحلة القادمة وهي اليوم تعتمد على لخبطة الأوراق والضغط من أجل تحقيق أهداف سياسية في منطقة الشرق الأوسط وخاصة وأن سوريا أصبحت اليوم ضمن المناقشات العالمية وخاصة مع المصالحة العربية وتمّ تجاوز التحذيرات الأمريكية والضغوطات وتعود سوريا الى الجامعة العربية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق