بايدن يدرك وهن وضعف إسرائيل ولا يريد للمنطقة ان تستفيق على الحقيقة
إعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية 15-04-2024
بعدما استهدفت طهران عمق الكيان الإحتلال الصهيوني بمسيرات انتحارية وصواريخ باليستية ثقيلة اجتازت شبكة الأنظمة الدفاعية سقطت آخر الخطوط الحمر بين إيران وكيان الإحتلال.
وما كان يُنفّذ لعقود مضت، على شكل عمليات أمنية، نُقل ليل 13 أبريل 2024 على الهواء مباشرة وظهر للعالم ضعف وكذب كيان الإحتلال الصهيوني وأنه اكبر كذبة عرفها العالم المعاصر.
ومن سوء حظ الرئيس الأميركي أن “العدو” الذي عمل أسلافه على عزله وتجريده من عوامل قوته، وجه ضربة تاريخية لحليفه الأول في الشرق الأوسط وتركه “مكبّلاً” في موقف “الدفاع عن النفس” لا الهجوم كما اعتاد بل أظهر وهنه وكشف عورته وانه بروبغندا لا اكثر وأنه “كلب حراسة ضعيف جدا”.
وعلى الرغم من الجهد الأميركي الغربي العربي لصد الهجوم الإيراني، إلا ان الحقيقة الثابتة تبقى في تعليق جو بايدن الأول، بعدم إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل بالرد تجنباً لحرب إقليمية واسعة، وهو المقبل على إنتخابات قريبة وهو كذلك المدرك أن الحرب الموسعة في الشرق الأوسط ستطرد أمريكا وحلفائها وخاصة ستطرد كلب حراستها وستبتلعه الرمال المتحركة في الشرق الأوسط ولن تنفعه وقتها “قادة المنطقة” المطبعين العملاء… فكل شيء سينهار ووقتها سيخسر بايدن وأمريكا أكبر “كذبة” له.
كان لإعلان حرس الثورة الإيراني عن إصابة صواريخه قاعدة عسكرية إسرائيلية استُخدمت لقصف القنصلية، قبل تأكيد جيش الاحتلال ذلك، وطأة إضافية ثقيلة على أطراف المشهد المتلبّد في أجواء البيت الأبيض والحكومة الإسرائيلية فمن كان يتصوّر ان تصل الصواريخ الإيرانية الى قاعدة عسكرية إسرائلية بهذه الدقّة والحرفية بالرغم من الدفاعات الأمريكية والبريطانية والفرنسية وحتى العربية، لكن السؤال الذي يطرح اليوم:
هل ستنقشع غمامة الخوف لقادة المنطقة من “البعبع” الصهيوني وصانعيه امريكا والغرب الإستعماري المهيمن.
يقف بايدن أمام معضلة مركبة
الردع الذي سعى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لترميمه بغزو غزة، جرّ الأحداث إلى نقطة متقدمة من الغليان في الداخل والخارج وانتهت كذبة الكيان الصهيوني “الضحية” بل أصبح كيان احتلال غاصب مجرم “إرهابي” وأصبحت إسرائيل دولة مارقة للقانون الدولي وتقتل الاطفال وتبيد شعبا بأكمله.
ولو أن مصلحة نتنياهو وحكومته المتطرفة تكمن في تصدير أزمته إلى الخارج، وتحويل الحديث من غزو رفح إلى طهران، إلا ان الانتقال إلى دائرة من الردود والردود المضادة بين الجانبين قد يؤدي إلى حرب واسعة لن تكون القواعد الأميركية في المنطقة ببعيدة عنها قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية وهنا يقف بايدن وإدارته في مأزق كبير بل سيكتب نهايته وهو كما تبين التقارير أنه شبه منتهي وترامب يتحضر للفوز، وبمجرد هزيمته في الإنتخابات الرئاسية ينتظره السجن فالكثير من القضايا بإنتظاره.
مع تأكيد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأن “لم نر وضعاً خطيراً مثل الوضع الذي نواجهه الآن في جميع أنحاء المنطقة منذ عام 1973 على الأقل” فهذا يؤكد أن الرد الإستراتجي الإيراني خطير جدا ووقعه لم يكن في حسابات بايدن ولا بلينكن ولا نتنياهو وحكومته المتطرفة.
بعد يوم من الرد الإيراني على الإستهداف الإسرائيلي للقنصلية، تواصل إدارة بايدن حث إسرائيل سراً وعلانية على عدم التسرع في انتقام غير مضمون النتائج والتبعات خاصة بالنسبة اليه ولمستقبل حزبه “الدموي” في أمريكا وفي العالم وخاصة مستقبل “كيان الإحتلال” في منطقة الشرق الأوسط.
فالبنسبة للتقارير السرية الأمريكية ان العالم العربي في الشرق الأوسط غير مضمون ويمكن أن تنقلب مواقفه بسرعة وخاصة وأن بيكين وموسكو ينتظرون الفرصة للإنقضاض وبالتالي ستكون العواقب وخيمة جدا على كيان الإحتلال وأمريكا والغرب.
وبحسب مسؤول أميركي كبير تحدث لاكسيوس ان “التقييم الأميركي هو أن إيران سترد على أي ضربة إسرائيلية كبيرة وعلنية على الأراضي الإيرانية بجولة جديدة من الهجمات الصاروخية والطائرات دون طيار… إن ذلك سيؤدي على الأرجح إلى تصعيد إقليمي”.
وأكد المسؤول أن “هناك أيضاً خطراً من أن الجهود المبذولة للدفاع عن إسرائيل ضد المزيد من الهجمات الإيرانية لن تكون ناجحة مثل الدفاع المنسق يوم الأحد”.
بحسب وسائل الاعلام الإسرائيلية، فإن طهران أطلقت أكثر من 170 طائرة مسيرة مفخخة، ونحو 120 صاروخاً باليستياً ونحو 30 صاروخ كروز.
في حين اضطرت الولايات المتحدة إلى قيادة تحالف دفاعي جوي لصد الهجمات، يتألف من نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي والطائرات الحربية الأميركية والبريطانية والأردنية.
وتطرح صحيفة “وول ستريت جورنال” إشكالية في هذا الصدد، بمناقشة إمكانية تكرار هذا الأداء في كل مرة تتعرض بها إسرائيل لهجوم إيراني وهذا طبعا غير مضمون العواقب وكل الحسابات تقول أن هذا التنسيق سيسقط.
وقالت صحيفة وول ستريت جورنال “هل بوسع إسرائيل ومؤيديها تكرار هذا الأداء في ظل ظروف حرب شاملة؟
مازال سؤالا مفتوحاً وكذلك قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها دون مساعدة خارجية”.
مضيفةً “عندما تدرس إسرائيل ردها، يجب عليها أيضًا أن تزن مصالح شركائها العرب، مثل الأردن والسعودية والإمارات”.
كل هذه الإشكاليات تصب في المكتب البيضاوي أولاً المرتبك بين الحزم والليونة.
اذ ان بايدن الذي تعهد بالدفاع عن الكيان بمختلف الطرق، سيكون بمواجهة الكونغرس في كل مرة يطلب تمويلاً لتزويد إسرائيل بالأسلحة على غرار المرة الأخيرة بداية شهر أبريل الجاري. والحال نفسه، لو فاز الرئيس السابق دونالد ترامب بولاية جديدة، ما يعطي هذه المعضلة طابعاً استراتيجياً أميركياً، لا أزمة مرحلية مع الإدارة الحالية.
من ناحية أخرى، فإن التطبيع الإسرائيلي السعودي الذي تم تأجيله لمصلحة مشتركة بين ولي العهد ونتنياهو لتجنب منحه كإنجاز لبايدن في ولايته، هو بجانب من جوانبه يقع ضمن استراتيجية المملكة “المستحدثة” لتكون على “مسافة واحدة” من مختلف الدول.
الخلاصة
التكتيك الإيراني، بهذه العملية المهنية المدروسة أرادت جس نبض ومعرفة القدرات الدفاعية الصهيونية وحلفائها وهذا بحسب مسؤولين وخبراء أمريكيين سقطة كبيرة لهم فهم قد أعطوا لإيران أسرارهم الدفاعية وأنتهت هيمنتهم الردعية.
ويمكن القول أن إسرائيل قد فشلت في إيقاع إيران سياسيا وإعلاميا في فخّها وفشلت في إستدراجها لمستنقع توسيع الحرب على عدة مستويات في الشرق الأوسط، فنتنياهو كان يتصور أن إيران ستضرب المدانيين وستكون العملية عشوئية وقد نسيت أن أقوى ما في إيران عبر السنين والتجارب الماضية هو “صبرها الإستراتجي” وكذلك ردودها “الإستراتجية”.
وبالتالي كان نتنياهو يلعب على توسيع الحرب و إسترجع القليل من التعاطف العالمي اليه إذ به يجد نفسها مدان والضربات قد شملت مواقع عسكرية وبالتالي كسبت إيران الرهان وتركت الحرج الكبير على إدارة بايدن.
وبالتالي، فإن اعتماد الكيان على المظلة الأميركية في حشد الدول للدفاع عنه، ان نجح هذه المرة، إلا ان اعتماده كنهج دائم، دونه الكثير من المحاذير، تبدأ بمصالح تلك الدول التي لا تود معاداة ايران اولاً، ولا تنتهي بانكشاف الضعف الأميركي الإسرائيلي بالسيطرة على هجوم من دولة واحدة، وهم على علم به قبل أسابيع، عند الإعلان عن نية الرد بعد استهداف القنصلية.