أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

طوفان الأقصى يمزق خريطة نظام شرق أوسطي أسسته أمريكا منذ 50 عاما

إعداد: قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية

تونس 04-11-2023

لن يكون الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر 2023 كما كان قبله! فما فعلته المقاومة الفلسطينية في ذلك اليوم لم يكن مجرد هجوم على دولة استعمارية محتلة هي إسرائيل، وإنما كان ضربة قوية لنظام شرق أوسطي أسسته الولايات المتحدة طيلة العقود الخمسة الماضية، وتحديدا منذ حرب عام 1967 بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.

فقد أدركت واشنطن آنذاك أهمية إعادة رسم خريطة المنطقة انطلاقا من ثلاثة اعتبارات:

1- أولها فك الإرتباط بين المسارين العربي والفلسطيني في الصراع مع إسرائيل عبر إخراج وتحييد القوى المؤثرة فيه مثل مصر وسوريا، وبما يعني تجاوز القضية الفلسطينية.

 2- ثانيها خلق توازن جديد للقوى في المنطقة، تكون لإسرائيل اليد الطولي فيه إستراتيجيا وعسكريا واقتصاديا وتكنولوجيا .

3- ثالثها العمل على إسكات الشعوب العربية، وتحييدها عن الصراع عبر توسيع مخطط التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، ودعم أنظمة الاستبداد التي قد تضمن موت القضية في نفوس الشعوب العربية والإنشغال بمشاكلهم الداخلية وخاصة الأزمات الاقتصادية ووهم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

بيد أن ما حدث في السابع من أكتوبر أعاد رسم هذه المعادلة بشكل جوهري؛ فمن جهة أولى إتضح أن محاولات تجاوز القضية الفلسطينية في مخططات التحييد والتطبيع مع الدول العربية لن تمر دون ثمن كبير لكافة الأطراف، وأنه إذا كان بإمكان إسرائيل والدول العربية أن تطبع علاقاتها، فإن ذلك لن يكون على حساب حقوق الفلسطينيين المشروعة، وأهمها التحرر الوطني من الاحتلال الإسرائيلي.

ومن جهة أخرى، فقد إتضح بشكل كبير أن إسرائيل رغم تفوقها العسكري والتكنولوجي والاقتصادي هي دولة هشة، لم تصمد دفاعاتها وجيشها أمام بضعة مئات من المقاومين الفلسطينيين الذين هاجموها لأول مرة منذ عام 1948، وبطريقة مذلّة ومهينة حسبما جاء على لسان كثير من المعلقين الإسرائيليين؛ وأنها لجأت لطلب المساعدة والنجدة من أميركا بعد ست ساعات فقط من الهجوم عليها، وبالتالي فإن إسرائيل بمفردها لا تصلح أن تكون “رمانة الميزان” في أي توازن للقوى بالمنطقة، وستظل دوما بحاجة لأميركا كي تحميها.

ومن جهة ثالثة، فإن محاولات تحييد الشعوب العربية عن قضية فلسطين فشلت فشلا ذريعا؛ وقد ظنت إسرائيل، وظن معها المطبّعون العرب، أن الشعوب العربية قد نسيت القضية الفلسطينية، سواء بسبب القمع السلطوي أو تحت وطأة ظروفهم المعيشية، ولكن ما جرى في غزة، ولا يزال، كشف أن فلسطين كانت، وستظل، قضية الشعوب العربية، وذلك مهما حاولت أنظمة القمع والبطش إسكات أصواتها؛ أما الأكثر إثارة ودهشة فهو ما نراه ونسمعه من جيل الأطفال والشباب الذين يهتفون الآن لفلسطين، وذلك رغم محاولات تزييف وعيهم وتسفيههم على مدار العقود الماضية.

كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تراهن على إستمرار تلك المعادلة التاريخية، التي كانت دولته قد أرستها قبل عقود، بما يضمن تحقيق مصالح أميركا بالمنطقة؛ وقد زادت على ذلك محاولتها إعادة التموضع بعيدا عن المنطقة، من أجل التركيز على صراعها مع روسيا والصين.

 كان بايدن يراهن شخصيا على تحقيق اختراق سياسي وجيوستراتيجي من خلال التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وكان التحضير يجري على قدم وساق لإعلان التوصل لاتفاق بين البلدين بحلول شهر ديسمبر المقبل، بحيث يستخدمه بايدن باعتباره إنجازا تاريخيا يدشّن به حملته الانتخابية في يناير المقبل؛ ولكن ما جرى في 7 أكتوبر خلط حساباته وأوراقه، ولعل ذلك ما قد يفسر جزئيا موقفه المتطرف من المقاومة، ودعمه الأعمى لإسرائيل.

الآن تخوض إسرائيل، ومن خلفها أميركا، حربا وجودية جنونية مع المقاومة، وذلك بهدف إعادة رسم توازن القوى في المنطقة على ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر؛ وهما يعلمان جيدا أن المعركة الدائرة حاليا هي معركة صفرية، إما أن تفوز بها إسرائيل أو أن تخسرها، وهي معركة سوف تحدد مستقبل المنطقة لعقود قادمة؛ فإذا انتصرت تل أبيب وواشنطن في مواجهة المقاومة الفلسطينية، فإن ذلك يعني بداية انكسار لإيران ومحورها ونفوذها في المنطقة، وذلك لصالح إسرائيل التي لن تتوقف شهيتها عند حدود غزة، بل سوف تفكر بالتوسع شمالاً للتخلص من تهديد حزب الله في لبنان، والفصائل الفلسطينية في سوريا، وربما تصل إلى حدود العراق وإيران واليمن في مرحلة لاحقة، ووقتئذ سوف تخرج من الحرب كقوة إقليمية مهيمنة في المنطقة لن يستطع أحد بعد ذلك الوقوف في وجهها؛ أما إذا انتصرت المقاومة بصمودها وعدم تراجعها، وإفشال مخططات إسرائيل وأميركا في القضاء عليها، فإن هذا يعني ميلاد شرق أوسط جديد، لا تحتل فيه إسرائيل أية مرتبة متفوقة على جيرانها، وستتراجع هيبتها وقوتها أمام شعبها وأمام العالم، وذلك باعتبارها غير قادرة على حماية نفسها وشعبها، الذي قد يفكر بعضه في الرحيل من فلسطين باعتبارها ليست مكانا آمنا له.

لذلك، فإنه من الصعوبة بمكان تخيّل أن تعود المنطقة لما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر الماضي، ذلك أن ما جرى في صبيحة ذلك اليوم كان بمثابة زلزال سياسي وإستراتيجي، أطاح بالعديد من الأمور التي كان يعتبرها البعض مسلمّات لا يمكن الاقتراب منها أو مناقشتها أو مساءلتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق