الغرب المنافق وتعدّيه على المقدسات.. متى يتأدّب؟
بيروت-لبنان-04-02-2023
د. عدنان منصور*
هو الغرب بدوله الاستعمارية التي بغت، واستبدّت، وقهرت، ونهبت، واستعبدت وقتلت.
هي الدول التي مارست التطهير العرقي ضدّ الشعوب، وطبّقت عليها أقذر أساليب الرق والعبودية، والإذلال.
هي الدول التي شنّت الحروب، وأبادت مدناً وقرى بأكملها، وهدمتها على رؤوس المدنيين.
هي الدول التي ارتكبت المجازر الوحشية، واضطهدت شعوباً، وقسّمت أوطاناً ودولاً، وأجّجت العصيان والفوضى، والفتن فيها، وحرّضت على الاقتتال الديني، والطائفي، والقومي، والعرقي.
هي الدول التي فرضت على شعوب مقهورة، أبشع الممارسات اللا إنسانية بحقها، وكتمت أنفاسها، وسرقت خيراتها وثرواتها.
هي الدول المشبعة بالعنصرية والكراهية، والحقد، التي أطاحت بحقوق وكرامات الشعوب.
هو الغرب الذي لا يرى إلا نفسه، بدوله الاستعمارية السابقة، والمهيمنة حالياً، وإنْ تغيّرت الوجوه والأقنعة والرايات والشعارات المزيفة التي يطلّ بها على العالم، مدّعياً حرصه الشديد على حقوق الشعوب، وحرياتها، وتوفير فرص التقدّم والتنمية لها!
هو الغرب بدوله الاستكبارية المستغلة، التي قبضت على رقاب الشعوب، وأبادت الملايين من البشر، في فلسطين، والهند، وإندونيسيا، والجزائر والكونغو، واليمن الجنوبي، مروراً بفيتنام، وأفغانستان ويوغوسلافيا، والعراق، والصومال، وصولاً الى شعوب أميركا اللاتينية، واللائحة تطول…
هو الغرب الذي لا يتوقف عن تشدّقه بالحرية، وحرصه على الديمقراطية وحقوق الإنسان، فيما هو العنصري الوقح، المنافق فكراً، وأخلاقاً، وسلوكاً وأداء، وممارسة.
هو الغرب الذي يختبئ خلف حرية الرأي والتعبير، يسمح لحثالة قبيحة من العنصريين بالتطاول على الأديان والمقدسات، أياً كانت هذه الأديان والمقدسات، وفي ما بعد يدافع عن تلك الحثالة ويحميها بذريعة حرية الرأي والتعبير!
هي دول الغرب المهيمنة تثور بكلّ وقاحة، وتنتفض إذا ما انتقد مسؤول، أو كاتب، أو باحث، أو مفكر ما، في هذا العالم، سياسات «إسرائيل» العدوانية، ومماىساتها العنصرية، وجرائمها الوحشية، لتتحرك على الفور للدفاع عنها، وإبداء غيرتها عليها، ومن ثم تقوم بتصنيف هؤلاء على أنهم معادون للسامية!
أيّ غرب هذا الذي حاكم الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي بعد نشر كتابه” الأساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية”، حيث حكمت عليه محكمة فرنسية بالسجن سنة مع وقف التنفيذ، وغرّمته بـ 120 ألف فرنك فرنسي (50 ألف دولار) متهمة إياه بالعنصرية، وإنكار جرائم ضدّ الإنسانية، وهو القائل: “اليهودية أحترمها، أما الصهيونية فأحاربها”؟
ففي أيّ خانة وضع القضاء الفرنسي حرية التعبير والرأي الحر، والبحث الموضوعي الدقيق والموثق لروجيه غارودي؟!
غارودي “أساء” إلى “إسرائيل”، والى اليهود في العالم، فكان لا بدّ من محاكمته، ومحاكمة أيّ شخص يجرؤ وينتقد ويشكك في ما نشر عن الهولوكوست من مبالغات وتشويه للحقائق، حتى وإنْ كان انتقاده وبحثه يخضع للمعايير التاريخية والعلمية والموضوعية، بتجرّد وحيادية. لكن أن يسيء عنصريون، حاقدون، مشبعون بالكراهية، في فرنسا وهولندا والسويد وألمانيا والدانمارك وغيرها، إلى مليار وستمائة مليون مسلم، وإلى نبيّهم، وكتابهم الكريم مرات ومرات، وإلى مقدساتهم ورموزهم الدينية، ولا يتورّعون عن إحراق كتابهم الكريم علناً بصورة مقززة مستفزة، تبيّن مدى الكراهية والحقد الأعمى الدفين في نفوس هؤلاء، فهذا السلوك بنظر دول النفاق الغربي، عادي جداً، يدخل في إطار حرية الرأي والتعبير!
إننا نتحدّى أيّ مسؤول غربي وهو في سدة الحكم، أن يجرؤ وينتقد “إسرائيل” علناً ويدينها على ممارستها العدوانية الاستيطاني والعنصرية، وانتهاكاتها بشكل فاضح للقوانين الدولية ذات الصلة، وارتكابها المجازر ضدّ الإنسانية، والعبث بحقوق الإنسان الفلسطيني، وهي تنتزع أرضه، وتهدم بيته، وتفرض عليه الحصار المتواصل، وتزجّه في المعتقلات سنوات وسنوات. لكن أن ينتقد أحدهم كيان الاحتلال العنصري فهو أمر مرفوض من قبل “هؤلاء الحريصين” على حرية الرأي، مما يدفعهم الى إدانة كلّ من ينتقد«إسرائيل” من قريب أو بعيد، أو يعاديها.
أما إهانة مليار وستمائة مليون إنسان، في عقيدتهم، ومقدساتهم، فهذا لا يهمّ ولا يستدعي أيّ ردّ فعل، طالما أنّ الإهانة والتطاول على الأديان والأنبياء والكتب المقدسة يحميه ويحصّنه مفهوم “حرية الرأي الاستنسابي” التي يحرص عليها الغرب!
لقد ثارت الدول المنافقة في الغرب، من أجل حجاب امرأة في إيران. أقامت الدنيا ولم تقعدها..”غيرتها” الشديدة “أبكتها” على حقوق الإنسان في إيران، فيما هي لم تفعل فعلها في وقف أكبر مجزرة بشرية في رواندا حيث قتل 800 ألف ضحية خلال أربعة أشهر عام 1994، نتيجة حرب عرقية بين أقلية التوتسي وأكثرية الهوتو المسيحيتين، إذ لم تتحرك إلا بعد خرابها.
هو نفسه الغرب الذي شاهد المجازر التي ارتكبتها ميانمار بحق شعب الروهينغا المسلم عام 2017، بعد أن قام جيش السلطة بعمليات تطهير عرقي واسعة النطاق، نتج عنها إبادة عشرات الألاف من الضحايا، ولجوء أكثر من مليون شخص مرغمين إلى بنغلادش، بعد نهب بيوتهم وإحراقه!
إلى متى سيستمرّ الغرب في كراهيته وعنصريته، وحقده الدفين، وهو يستفز شعوب العالم، ويسيء إلى قيمها، وعقيدتها، وثقافتها، ومعتقداتها الروحانية، ورموزها الدينية؟! أليس الغرب بسياساته الاستفزازية، وحمايته “لحرية الرأي” على قياسه الخاص، مسؤول عن ردود الفعل التي قد يلجأ إليها كلّ من يشعر بالإهانة، والاعتداء العنصري الصارخ على دينه ومقدساته وأنبيائه؟
أمام ظاهرة انتشار هذه الحملات المتطرفة نتساءل: بناء على أيّ منطق وصدقية بعد اليوم، يدعو الغرب في شعاراته وأدبياته شعوب العالم إلى التسامح،وهو الذي بنفاقه يحمي ويدافع عن المحرّضين على الكراهية والعنصرية والتطرف؟
بعد اليوم لن نلوم أيّ إنسان يشعر بالإهانة، والتطاول المباشر على دينه، ونبيّه وكتابه المقدس، على ردّ فعل يصدر عنه، أياً كان حجم هذا الردّ وتبعاته، لأنّ المسؤولية المباشرة تقع على عاتق الدول التي تشجع بسكوتها وصمتها المخزي، وتغضّ نظرها عن المحرّضين العنصريين الذين يتعاطون مع شعوب العالم بروح مشبعة بالعداء، والاستفزاز والتطرف
- وزير الخارجية والمغتربين اللبناني الأسبق