العلاقات الصينية الإيرانية: علاقات استراتيجية تلخبط أوراق بايدن في المنطقة
اعداد التقرير : أمل طعم الله
مراجعة : الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الامنية والعسكرية
قسم البحوث و الدراسات الدولية بالمركز الدولي للدراسات الاستراتجية الامنية و العسكرية
تمثل كل من الصين و إيران وريثتان لحضارتين قديمين شامختين في العصر الحديث، حقيقة تترجم شكل التعاون بين البلدين و تبرز شعور قيادي البلدين برفعة هويتهما الحضاريتين و مكانتهم في العالم على مر السنون.
بناء على ذلك، فإن نظرة كل من الصين و إيران لهذه العلاقة التي تجمع البلدين تتجه إلى تأكيد و ترسيخ نوع من الإحساس المشترك بالعظمة الثقافية والتاريخية، إضافة إلى شعورهما المترابط بواقعهما كضحيتان للقوى الغربية.
حيث يتبنى كلى البلدين التصور الذي يصف النظام الدولي بأنه غير عادل و يقع تحت سيطرة القوى الإمبريالية.
حيث يسعى كلى النظامين الصيني و الإيراني إلى حماية شرعية أنظمتهم من النموذج الذي شكلته القوى الغربية و القائم على التصور الديمقراطي لأنظمة الحكم.
العلاقات التاريخية بين الدولتين :
بداية كانت العلاقات التي تربط إيران بالصين محدودة خلال نظام الشاه بهلوي قبل ثورة 1979 حيث كانت العلاقات بين طهران و بكين ضيقة، يعود ذلك لطبيعة الضغوط التي مارسها المعسكر الغربي و الممثل في الولايات المتحدة الأمريكية على إيران وذلك غاية الحد وقطع علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع الصين غير ان الشاه سعى قبل فترة الإطاحة به إلى تحسين العلاقات مع الصين و خلق سياسة خارجية أكثر إستقلالية.
في المقابل نجد أن الصين بذلت بدورها جهودا حثيثة لخلق تقارب مع إيران، في أولى خطواتها سعت الحكومة الصينية إلى الإعتراف بالجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد ثلاثة أيام فقط من الإعلان عن تأسيسها، مما سمح لها تدريجيا إلى تحسين علاقتها بإيران ما بعد الثورة و ذلك عبر سياساتها الدبلوماسية إضافة إلى الدعم العسكري عن طريق بيع الأسلحة لإيران خلال الحرب العراقية الإيرانية و هو ما جعلها ممتنة لدعم بكين في السنوات التالية.
عوامل التقارب بين الدولتين
خلال الثمانينات تخلت بكين عن دعمها للشيعة الثورية في ايران و بالتالي لم يعد لها ذلك التهديد الإيديولوجي الكبير على الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي كانت في آن الوقت في صدام مع القوى اليسارية في إيران خلال السنوات الأولى من الثورة 1979.
سياسات إيران الراديكالية ساهمت في عزلها عن بقية العالم بما في ذلك عن المعسكرين الغربي و الشرقي إضافة إلى غالبية العالم العربي موقف تشاطره هذه الأخيرة مع جمهورية الصين الشعبية التي كانت هي الأخرى على خلاف مع واشنطن وموسكو منذ الستينات.
كما مثلت حرب العراق فرصة الصين التي إستغلتها لتأكيد تقاربها و بناء علاقة متينة مع إيران، حيث كانت الصين المزود الأول لإيران بالأسلحة والتكنولوجيات التي أبت بقية الدول تقديمها لها.
مع نهاية الثمانينات عرفت العلاقات الصينية الإيرانية منحى تعاوني عميق شمل عديد المجالات في محاولة للتصدي لسياسة الاحتواء التي إتبعتها الولايات المتحدة للحكومة عزلة إيران وهو ما ساهم بشكل آخر في التقارب بين طهران وبكين.
ترجم التقارب الصيني الإيراني من خلال إقامة شراكة بين البلدين و هو ما يعد تحديا إسثنائيا و صريحا للمصالح و الأهداف الأمريكية من خلال تقارب قوتين تلعبان أدوار حاسمة و حاسسة على الساحة الإقليمية و الدولية.
وقد نتج عن هذا التقارب تعاونا تعددت أوجه و تنوعت على أصعدة عدة.
مجالات التعاون الصيني الإيراني
على الصعيد السياسي :
بالنسبة للنظام الإيراني لا دولة في العالم تضاهي أهمية و ثقل جمهورية الصين الشعبية الذي من شأنه ضمان بقائه وتوفير الحماية له من الضغوط الدولية و الاقليمية المسلطة عليه و خاصة من عدوها اللدود الولايات المتحدة الامريكية.
فعلى الرغم من سعي إيران إلى أن تنأى بنفسها بعيد عن كل سقف قد يؤول بها إلى التحكم الأجنبي إلا أنها أصبحت تعتمد وبشدة على الصين إقتصاديا ودبلوماسيا وحتى عسكريا.
كما تشكل إيران المعزولة والمنخرطة في صراع مع أمريكا فرصة ثمينة للصين لمد نفوذها في الشرق الأوسط في محاولة للحد من النفوذ الأمريكي العسكري في الخليج الفارسي بحيث يصعب عليها التحرك محوري تجاه المحيط الهادي.
على الصعيد الإقتصادي :
تعد الصين أكبر شريك إقتصادي لإيران، أولا من حيث التعاون الطاقي، حيث يمثل مجال الطاقة ركيزة الشراكة الاقتصادية بين إيران والصين حيث توفر موارد إيران الوفيرة من النفط والغاز الطبيعي إحتياجات الصين المتزايدة من الطاقة.
على مدى السنوات أصبحت الصين أكبر شريك للنفط الإيراني و أكبر الشركاء الاقتصاديين. حيث سجل معرض إيران للنفط لسنة 2011 حضور ما يقارب ال 166 شركة صينية في المعرض وهو ما شكل أكبر نسبة من المشاركين.
كما تساهم إيران في تطوير البنية التحتية في إيران، حيث إستثمر الصينيون في تشيد وإنشاء وتطوير البنية التحتية الإيرانية عن طريق تشيد السدود ومد الجسور والسكك الحديدية والأنفاق في جميع أنحاء إيران.
وكمثال على ذلك وقعت شركة sinohydro corp أتفاقا مع إيران لتأكيد أطول سد في العالم وذلك في إقليم لكريستيانو الواقع غرب إيران وهو ما يساعدها على توسيع إنتاجية مواردها من الطاقة وتمكنها من مزيد بيع منتجاتها الطاقية في كبرى الأسواق الدولية.
وتحدى إيران بشبكة قطارات مميزة تسعى الصين إلى تعزيزها من خلال تشييد سكة حديدية من شأنها الربط بين مقاطعة شينجيانغ وطاجيكستان وأفغانستان في إطار مشروع الصين “طريق الحرير و الحزام”.
ومن أبرز الانجازات الصينية في مجال لبنية التحتية في إيران نذكر خط الميترو الذي تم تشييده بين 2000 و 2006 والذي مثل نموذجا رائعا لمساهمة الصين في تطوير البنية التحتية بإيران.
على الصعيد العسكري :
تعود نظرة الصين لإيران والنهج الذي تتعامل به معها إلى تصورها بأن الولايات المتحدة تعد منافسا جيوسياسي وعسكري ولابد للصين كقوة صاعدة من بناء حلفاء يسندونها و حزام سياسي و عسكري لمجابهة العداوة التي تكنها لها أمريكا.
وقد دعمت الصين جهود إيران لتحديث معناتها وعتادها العسكري حيث كانت المزود الرئيسي للمعدات العسكرية أثناء صراعها مع العراق الذي دام ثماني سنوات.
لم تبع الصين لإيران أسلحة صغيرة فحسب بل مدت إيران بالصواريخ البالستية التكتيكية وصواريخ سليك وورم أثناء النقل البحري الكويتي عام 1987 سببا عظيما للتويتر بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية، في نهاية الأمر وافقت الصين على إيقاف بيع هذه الصواريخ لإيران.
في مقابل ذلك وبدلا عن بيع الأسلحة لإيران مباشرة، لعبت الصين دورا أساسيا في إطلاق القطاع الصناعي العسكري الوطني لإيران ومساعدتها عن طريق تقديم جهود حثيثة لتحديث عتادها العسكري.
وكمثال على هذا الدعم تبرز التكنولوجيات والتصميمات الصينية في سلسلة الصواريخ الإيرانية مثل صواريخ “عقاب” و “نازعات” القصيرات المدى وصولا إلى صواريخ شهاب3 طويل المدى.
كما طورت إيران صواريخ كروز المضادة للسفن الخاصة بها، لدرجة كون صاروخ النصر الإيراني يطابق إلى حد كبير الصاروخ الصيني c-704.
وبناء على بعض التقارير ساعدت الصين إيران على بناء مصنع لتصنيع صواريخ النصر في 2010.
و تتراوح صفقات الأسلحة بين كلى البلدين من 4 مليارات دولار أمريكي إلى 10 مليارات دولار.
وقد استمر تبادل الأسلحة والخبرات الفنية والتكنولوجيات رغم العقوبات الدولية.
البرنامج النووي الإيراني و علاقته بالصين :
قدمت الصين الدعم في تطوير برنامج إيران النووي حيث زودت الصين إيران بين 1985 و 1996 بمختلف أنواع التكنولوجيات والآليات الدقيقة وساعدتها في الحصول على عديد المساعدات التكنولوجية الأخرى إضافة إلى مساعدتها في البحث والتنقيب عن اليورانيوم وقدمت العون لها لإتقان إستخدام الليزر لإخصاب اليورانيوم.
وقد لعب المهندسون الصينيون على وجه الخصوص دورا مهما في تدريب المهندسين النوويين الإيرانيين وتأسيس مركز أصفهان للأبحاث النووية الذي لعب دورا مركزيا في تطوير البرنامج النووي الإيراني.
الأهمية الاستراتجية لهذه العلاقات الإيرانية الصينية في مواجهة أمريكا :
تمثل إيران تحديا جديا لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط وما تمثله من تهديد لحلفائها في المنطقة لتكتمل الصورة بدخول الصين إلى الواجهة والتقاءها مع إيران.
إن معارضة الهيمنة التوسعية الأمريكية تعد ركن إيديولوجي من أركان الجمهورية الإسلامية الإيرانية والموقف والسياسة الصينية والآن نفسه.
و ينعكس هذا الموقف في بروباجندا النظام الإيراني وسياسته الخارجية من خلال الدعم العلني لحزب الله بلبنان وحركة حماس في قطاع غزة والعديد من المجموعات المتمردة في العراق وأفغانستان.
وقد إستطاعت طهران النجاح بترسيخ صورتها كقوة إقليمية خاصة في العراق والشام إلا أنه يبقى نجاحا محدودا حيث لازال التواجد الأمريكي طاغيا في المنطقة.
حيث يمثل التواجد العسكري الأمريكي في الخليج الفارسي الذي تراه طهران مجالا شرعيا لنفوذها مصدر قلق لها، وتأمل عن طريق توطيد علاقاتها مع الصين إلى قلب الموازين في المستقبل لصالحها.
خلافا لإيران فإن الصين تربطها علاقات ومصالح إقتصادية بإيران وهو ما يجعل علاقتها بها أقل حدة عن تلك التي تجمع بين أمريكا وإيران.