أخبار العالمأمريكاأوروبابحوث ودراسات

العلاقات الاوروبية الامريكية وقضية حلف الشمال الاطلسي

اعداد: صبرين العجرودي قسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية

مراجعة: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية

تونس 08-09-2021

الاتحاد الاوروبي هو من أهم الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة الامريكية، لكن في الفترة التي تولى فيها ترامب الحكم شهدت هذه العلاقات العديد من الازمات والتوتر، حيث لم يأخذ ترامب بالاعتبار المصالح الاوروبية في العديد من القضايا، على غرار الاتفاق النووي، اتفاقية باريس للمناخ، الازمة الليبية… وقد كانت مسألة حلف الشمال الاطلسي من بين القضايا الرئيسية التي اختلف من أجلها الطرفين، لكن مع فوز جوبايدن اتجهت الطموحات الاوروبية نحو تحسين العلاقات وحل أزمة الناتو والرجوع بالعلاقات بمنهجها التقليدي والمصلحي.

فكيف أثرت قضية حلف الشمال الاطلسي على العلاقات بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي ؟

السياسية الخارجية لترامب

تتلخّص عقيدة ترامب في حجم المصالح التي يمكن أن تحققها الولايات المتحدة الامريكية من علاقاتها الخارجية بعقلية رجل الأعمال الطمّاع، تتمثّل المبادئ النجاح في هذه السياسة في :

مبدأ ” أمريكا أولا ” (America First):

تسير السياسات الخارجية لترامب وفقا للقاعدة التي تقول أنه ليس هنالك مصالح لها أهمية أمام المصالح الامريكية، حتى اذا تعلّق الامر بالحلفاء، لذلك فإن أي قرار خارجي مهما كانت أهدافه أو القضايا المتعلّقة به فإن دافعه ومحرّكه الاساسي هي المصلحة الامريكية، وبناءً على ذلك فإن الولايات المتحدة الامريكية لن تحمل أي ثقل دولة أو مسؤولية الدّفاع عنها  مهما كانت أوضاعها أو الظروف التي تفرض ذلك، دون أن تخدم بالدّرجة الاولى الاهداف والمصالح الامريكية.

مبدأ العزلة (Isolationist)  :

نشأ هذا المفهوم مع مونرو (Monroe) خامس رئيس للولايات المتحدة الامريكية الناشئة، ويشير مفهوم العزلة في ذلك الوقت الى السياسية الامريكية التي تأسست لهدفين رئيسين، الهدف الأوّل هو الحد من مزيد تغول وانتشار الاستعمار الاوروبي في مناطق اخرى من العالم بتوظيف مستعمراته  ومنعها  من التدخل في الشأن الداخلي لأمريكا، والهدف الثاني عدم تحمّل الاخيرة أي عبئ متعلّق بالقضايا الاوروبية.

ولا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة لترامب، فقد اعتمد على سياسة العزلة حتى لا تنشغل بلاده بالأوضاع الخارجية مقابل اهمال المصلحة الخاصة، لذلك يطغو على خطابه مفاهيم تعظّم من شأن الدولة القومية متجنّبا الاشارة الى كل رموز العالمية ” Globalism” والوحدة.

التدخل العسكري الاحادي(Militaristic and unilateral interventionist):

بالنسبة لسياسة ترامب، ليست هناك ضرورة للتدخل الانساني في أي شأن داخلي لأي بلاد ما لم تكن تلك الاوضاع بأي شكل من الاشكال مرتبطة بالمصلحة الامريكية وخاصة بما يعبر عنه الامريكان المساس بالأمن القومي الأمريكي، وعندما يقتضي الامر عكس ذلك، فإن التدخل الامريكي سيكون عسكريا دون الاعتماد على أي طرف خارجي.

الحد من الهجرة (anti-immigrant):

يعتبر ترامب من المعارضين للهجرة والتنقل الى بلاده وبشدّة، فقد أعلن في عديد المناسبات أنه سيعمل على التقليص من اعداد الهجرة، كما أنه سيقوم على على تعديل القوانين المشجّعة على تنامي وتيرة الهجرة الى الولايات المتحدة الامريكية، منها قانون تسليم الجنسية. كما أعلن أنه سيمنع هجرة المسلمين تجنبا الى أي حركة ارهابية قد تمس من الأمن القومي الأمريكي.

الحمائية (protectionist):

ليس هنالك ثقة في الاتفاقيات والمعاهدات والتحالفات التجارية الدولية بالنسبة لترامب، فإذا لم تكن لهذه الدول مصالح من وراء الشراكة مع الولايات المتحدة الامريكية فإنها لن تكون طرفا فيها، لذلك فإن ترامب يدقق بكل حذر في كل الاتفاقيات ومدى توجّهها الى المصلحة الامريكية قبل كل الاطراف .

قضية حلف الشمال الاطلسي

بناء على ما تمّ ذكره، لم يرى ترامب في الاتحاد الاوروبي إلاّ ثقلا وتهكّما على الولايات المتحدة الامريكية حسب تعبيره، حيث أقرّ بانعدام الجدوى لحلف الناتو، ما إن تواصلت هذه الدول في استغلال بلاده للدفاع عن نفسها دون توظيف التكاليف المادية الضرورية لذلك، لذلك فقد هدّد ترامب  في 2018 بالخروج من حلف الشمال الاطلسي وسحب قوّاته، وهو الامر الذي أتاح للاتحاد الاوروبي فرصة للتعويل على نفسه في المهمة الدفاعية دون اللجوء لمظلّة الولايات المتحدة الامريكية، لكنّ النزاعات والانقسامات حالت دون ذلك، خاصّة وأنّ هناك دول من شرق أوروبا ولا سيّما  ألمانيا تتجنّب المخاطرة أو الوقوع في أي مأزق قد يضرّ أمنها ومصالحها.

وقال في تغريدة له على تويتر :” لم تنجح فكرة الجيش الاوروبي بشكل جيد في الحرب العالمية الاولى والثانية، لكن أمريكا كانت هناك من أجلكم وستظل كذلك دائما، كل ما نطلبه منكم أن تدفعوا نصيبكم العادل لحلف الناتو، ألمانيا تدفع 1% في حين تدفع أمريكا 4.3% من ناتجها القومي الاكبر لحماية اوروبا، نريد الانصاف. “

وفي خطوة جريئة، أعلن ترامب في شهر يونيو 2020 قراره بتخفيض القوات الامريكية في ألمانيا التي يبلغ عددها 52 ألف عسكري الى 25 ألف عسكري، مشيرا الى أنّ التكلفة العسكرية في ألمانيا قد كلّفت الولايات المتحدة الامريكية كثيرا وأن برلين لم تسدّد مستحقاتها العسكرية التي تقدّر بمليارات الدولارات، كما أن ألمانيا التي تمثل القوة الاقتصادية الكبرى في أوروبا  قد تمادت بالنسبة لترامب في استغلال البلاد تجاريا، وقد أضر ذلك بمصالحها، ولكنه صرّح بأنه لن يسمح باستمرار ذلك في حلف الشمال الاطلسي.

أمل في إصلاح العلاقات

أجمع الخبراء الالمانيين على أنّ العلاقة بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية في فترة حكم ترامب قد بلغت أقصاها من التوتر، نتيجة سياساته ذات الرؤية الضيقة والفوضوية مع حلفائه والتي تسعى لتحقيق مصالح مؤقته على المدى القريب دون الاهتمام بالمصالح  التي يمكن أن تتحقق على المدى البعيد وبطريقة ثابته وصلبة.

 وفيما يخص المرحلة القادمة في العلاقات بين الطرفين في فترة حكم جوبايدن، لم يكن هناك تفاءل كبير بالنسبة للألمانيين لإصلاح العلاقات التي تمّ إفسادها خلال أربعة سنوات كاملة في حكم ترامب، فقد دمّرت قرارات  ترامب بالنسبة لهم الخطط والاستراتيجيات الاوروبية التي اعتمدتها عشرات السنوات في علاقاتها الدولية وخاصة الأوروبية، لذلك من الصعب استدراك كل ما حصل بالسهولة المتوقعة.

خلال فترة الانتخابات في الولايات المتحدة الامريكية، راقب الاتحاد الاوروبي الاوضاع بكل حذر، فرغم التفكك التي شهدته العلاقات في الاربعة سنوات، إلا أنّ بعض البلدان الاوروبية كانت متخوّفة من توجّهات جوبايدن الديمقراطي، خاصّة وأنها كانت على انسجام تام مع ايديولوجية ترامب الجمهوري، لكن ذلك لم يكن حاجزا أمام تطلّعاتهم في استعادة الثقة وإعادة متانة التحالف بين الطرفين بعد فوز جوبايدن، و في هذا الصّدد قالت ” فون دير لايين ” (Ursula Von DER Leyen) رئيسة المفوضية الاوروبية  ” الولايات المتحدة تعود وأوروبا مستعدة لاستئناف التواصل مع شريك قديم موثوق لإعطاء حياة جديدة لتحالفنا الثمين”، وينطبق ذلك على حلف الشمال الاطلسي الذي مرّ بتغيرات صعبة خلال فترة حكم ترامب، إذ يأمل الاتحاد الاوروبي تحسين العلاقات داخله عن طريق التشاور والنقاش حتى تتحقّق المصالح المشتركة بعيدة الامد.

خلاف حول أولوية المصالح

اعتبر جوبايدن أنّ الحماية العسكرية لأوروبا هي ” التزام مقدس ” (Sacred obligation)  ولا يمكن التنازل عنه لأي سبب من الاسباب، ومن هنا نتبيّن السياسة المختلفة تماما عن نظيره السابق دونالد ترامب، وأضاف أنّ حلف الشمال الاطلسي مهم جدّا خاصّة مع التحركات الصينية والروسية المهدّدة لأمن البلدان التي تحميها، كما قال ينس ستولتنبرج (Jens stoltenberg) الامين العام لحلف الشمال الاطلسي ” الصين تقترب منا، نراهم في الفضاء الالكتروني، نرى الصين في إفريقيا، ولكننا أيضا نرى الصين تستثمر بكثافة في بنيتنا التحتية الحيوية … نحتاج للرد كحلف “، لكن مع العلاقات العميقة للاتحاد الاوروبي مع الصين، ستكون آليات العمل ضدّ الصين ليست شاملة، وستشمل بعض الجوانب.

وتثير هذه النقطة خلافا بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي، حيث أن جوبايدن يركّز الاهتمام  أكثر على مواجهة الصين ويحثّ الدول الاعضاء في حلف الشمال الاطلسي في ” قمة لمّ شمل” التي انعقدت في بروكسيل من أجل تطويع كلّ الجهود والاستراتيجيات لمنافسة الصين خاصّة في ظلّ تعاونها العسكري والسياسي مع روسيا الذي يثير العديد من المخاوف، في حين أن كل ما يشغل اوروبا هو مسألة الدفاع وهي لا ترى أنه في مصلحتها تركيز الحلف الاطلسي على الصين مقابل التضحية  بأمنها.

وترى أوروبا أن وضعها غير مفهوم، فهي لم تُشفى من سياسات ترامب وتتطلّع الى مستقبل علاقات أفضل بكثير مع الولايات المتحدة الامريكية في ظلّ حكم جوبايدن الذي لا تختلف نواياه عنها في بناء ما هدمه ترامب، لكن نقاط التركيز تبدو مختلفة باختلاف المصالح بين الطرفين، وفي نفس السياق أشار الامين العام لحلف الشمال الاطلسي بأنّ الاهتمام بالعدو الصيني لا يسحب الانظار عن روسيا، لكن يجب الاخذ بعين الاعتبار لقوى الصين المتنامية، وبالتالي فإن أمريكا ستشهد نفقاتها العسكرية ارتفاعا ولن تكون مطالبة بمزيد تحمّل تكاليف الدفاع عن اوروبا.

وما يمكن استنتاجه في هذا الاطار أنّ موقف جوبايدن لا يختلف عن ترامب حيث لا ينوي التنازل عن النفقات العسكرية للاتحاد الاوروبي، لكنّ سياسته الناعمة مختلفة تماما عن سياسة ترامب الهجومية، لكنّها محافظة على نفس مبدأ ” أمريكا أولا “.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق