الصين .. الأرض الطيبة
بكين – 18-02-2020
“المرءُ يستشرفُ المستقبل بماضيه”..هكذا تقول الروائية الأمريكية بيرل باك، التي ترعرعت في الصين، وكتبت عنها روايتها الجميلة “الأرض الطيبة”، التي يستشف منها كيف تستشرف الصين مستقبلها بماضيها الذي علّم العالم، آلاف السنين قبل الميلاد، تربية القز ونسيج الحرير، وزراعة الأرز، وصناعة الورق، والسفن، والبارود، وصب الحديد، وأول آلات رصد وقياس الزلازل، والخزف (ويُسّمى صيني في لغات عالمية عدة، بينها العربية)، وعلوم الرياضيات والهندسة والفلك، والطب الصينى التقليدي الذي ساهم في الحملة ضد الوباء الجديد، حيث شفي في الأسبوع الماضي 18 مصابًا غادروا المستشفى في مدينة ووهان التي اندلع فيها الوباء.
وأروع ما أبدعته الصين الحكمة-عقيدتها الأساسية عبر العصور- ويقول عنها كونفوشيوس، أشهر الحكماء الصينيين: “نيل الحكمة أولًا بالتأمل، وهي أرقاها، وثانيًا بالتقليد، وهي أسهلها، وثالثًا بالتجربة، وهى أكثرها مرارة”.
ومن حسن حظ العالم حدوث وباء الأنفلونزا الجديدة في أكثر بلدان العالم حكمة وانضباطًا، وقدرة على مواجهة الكوارث، أي الصين التي تقول حكمتها: “أعظم أمجادنا ليس في أن لا نقع قطُّ بل أن ننهض كلّما وقعنا”.
وعلى خلاف المألوف، لم تهرع الصين لطلب المعونة من منظمة الصحة العالمية -التي انتظرت نحو أسبوعين بعد زيارة رئيسها بكين، والتقائه بالزعيم الصيني- الإذن لخبرائها بالدخول. التهويل بشأن الفيروس الجديد يجهل حقيقة أن 2 في المائة فقط من المصابين به يموتون بسببه، ومعظمهم متقدمون في السن، أو صحتهم واهنة.
وتقتل الأنفلونزا العادية 60 ضعفًا لما يقتله من الضحايا، وقد توفى بالأنفلونزا العادية في الولايات المتحدة منذ أكتوبر الماضى نحو عشرة آلاف شخص. وما إن تلتفت إلى الصين حتى تتفاجأ برقم قياسي خارق جديد تحطمه، ليس فقط في العلوم والتكنولوجيا والتعليم العالي، بل في والإقتصاد أيضًا، وآخرها في الشركات المليارية الشركات الناشئة برأسمال قدره مليار دولار، وقد بلغ عددها في الصين 206 مقابل 203 في الولايات المتحدة.
وتُساعدنا حكمة كونفوشيوس أيضًا في فهم أنفسنا والصين: “أينما تذهب اذهب بقلبك كله”.
وعندما نذهب بقلبنا كله إلى الصين، نرى كيف أنشأت خلال بضعة أيام فقط مستشفى يضم ألف سرير، لعلاج ضحايا الفيروس، وأعقبه في بضعة أيام إنشاء مستشفى متخصص كامل التجهيز بشبكات المياه والكهرباء، والإنترنت للنزلاء، وللعاملين بالمستشفى الذي زُرعت في باحاته الأشجار.
وفي “الأرض الطيبة”، وهي أول رواية كتبتها روائية أمريكية نالت عنها نوبل عام 1932، نعرف مصادر ثراء الصين التي لم تستعمر ولم تنهب ثروات أي بلد عبر تاريخها الطويل..”إذا كانت عندي حفنة من الفضة، فذلك لأني أعمل، وزوجتي تعمل، ونحن لا نفعل ما يفعله البعض، ننكّب على موائد القمار، أو إطلاق الشائعات على عتبات لا تُغسل قط، تاركين الأعشاب تنمو في الحقول، وأطفالنا نصف جوعى”.
محمد عارف – البوابة