السعودية تصنع التغيير في العالم العربي
شيماء الراجحي -متربّصة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس
تونس -3-7-2023
في ظل تعدد الأقطاب العالمية وتغيّر موازين القوى ،أدركت غالبية الدول ضرورة مراجعة سياساتها وتنويع حلفائها حسب مصالحها الخاصة التي تعزز تموقعها الجغراسياسي في الساحة العالمية،حيث سعت العديد من الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية إلى إعادة النظر في سياساتها الخارجية وفق متطلبات التحولات العالمية الجديدة وما تقتضيه مصالحها الوطنية والإقليمية.
لكن هذا الأمر سرعان ما تحول إلى ما يمكن تسميته بالعدوى الايجابية، حيث يجب الوقوف على أهم نقاط هذا التحول لبحث أهم المتغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية للملكة العربية السعودية ومن وراءها ما يمكن أن يحصل مستقبلا سيما في ظل انهيار البنى الكلاسيكية.
- فما محتوى هذه التحولات في العالم العربي؟
- وما موقف الولايات المتحدة من قرار المملكة العربية السعودية بتخفيض إنتاج النفط ؟
- وأي منحى ستتجه إليه العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية ؟
- حقبة جديدة في المنطقة العربية
شهد العالم العربي عدة تحولات سياسية سبقتها أحداث دامية أدت في وقت ما إلى انهيارات كبرى، إلا أن ذلك لم يدم طويلا حيث يشهد العالم العربي تحولا جوهريا في سياساته الخارجية، ولعل المثال الأبرز اليوم هو التوجه السعودي نحو ترك الخلافات الثانوية جانبا وبحث سياسات تتعلق أساسا بالمصالح المشتركة على الاحترام المتبادل، وهو ما تجلى أساسا في عودة العلاقات السعودية الإيرانية وتواجد جمهورية سوريا العربية في القمة الأخيرة.
ما تأثير هذا الاتفاق في العالم العربي ؟
- مصالحة ديبلوماسية مع إيران:
لقد أثبت الاتفاق الصادر من المملكة العربية السعودية وإيران إرادة السعودية في إقامة التغيير في العالم العربي، فعودة العلاقات الدبلوماسية-بوساطة صينية في العاشر من مارس الماضي-سيؤدي إلى فتح عهد جديد في العلاقات الإقليمية من خلال التوجه نحو التطبيق الفعلي لحل العديد من الازمات بالمنطقة،خاصة وأن هذا الاتفاق ينص على”احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”، مع الحرص على تفعيل إتفاقيتي “التعاون الأمني” الموقَّعة بينهما عام 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب “ الموقَّعة عام 1998.
إضافة إلى الترتيب لفتح سفارتي الرياض و طهران بعد قطيعة دامت ثمان سنوات سببها اعتداء محتجين على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران بعد إعدام المملكة رجل الدين “نمر النمر” .
أوضح هذا الإتفاق توجهات السعودية نحو سياسة خارجية جديدة تنعكس ايجابيا على الاوضاع في الساحة العربية وفتح الباب أمام حقبة جديدة متسمة بالهدوء” نوعاما”بل ربما السلم في المنطقة ككل،من خلال التوصل إلى حلول في البلدان التي تعيش اضطرابات داخلية، وهو ما عبّرت عنه العديد من الأطراف في اليمن معتبرة ذلك فرصة غير مسبوقة لإحلال السلام للشعب اليمني على حد تصريح عضو مجلس القيادة الرئاسي في اليمن عبد الله العليمي، وإعرابه عن أمل كبير من وراء هذه الخطوة،حيث صرح “يكون الاتفاق السعودي الإيراني مقدمة لوقف تدخلات إيران، ودافعا لوقف الحرب والوصول لاتفاق سلام دائم وشامل”، وفق وكالة الأنباء الرسمية “سبأ”.
هذا الاتفاق ، يمثل سياسيا حدثا فارقا في العلاقات السعودية الإيرانية وهو -استراتيجيا – فرصة لفظ النزاعات العربية و إقامة مبادرات سلام مع إعادة اصطفاف أعضاء الجامعة العربية وتعزيز العلاقات الدولية وإتباع سياسة خارجية جديدة ذات معايير إقليمية ودولية جدية هادفة إلى إحلال الأمن في المنطقة.
وقد سعى الطرفين في هذا الصدد إلى إقامة”تحالف بحري “في إقليم الشرق المتوسط ، وهوتحالف يشمل كل من السعودية وإيران و الإمارات والبحرين وقطر و العراق ، مفاده تشكيل قوة بحرية مشتركة لتحقيق السلم والأمن في المنطقة … ما أكد عليه قائد القوات البحرية الإيرانية، “الأدميرال شهرام إيراني “: “اليوم وصلت دول المنطقة إلى نقطة تقول إنه إذا أريد الحفاظ على الأمن في المنطقة فيجب أن يتم ذلك من خلال التآزر والتعاون المتبادل”.وهو تحالف قيد التبلور إقليمياً ودوليا .
- خطاب بن سلمان الجامع :
لعل أبرز ما يمكن ذكره في قمة 32 هو خطاب بن سلمان الجامع الذي ينص على ضرورة توحيد صفوف العرب ، من خلال الترحيب بالرئيس السوري في القمة وتأكيد قوله :”يسرنا اليوم حضور الرئيس بشار الأسد لهذه القمة، وصدور قرار جامعة الدول العربية بشأن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية”.حضور رحب به الجميع بعد غياب سوريا عن الساحة العربية لفترة دامت 12سنة .
هي سياسة تدرجت إليها السعودية سماها المحللون ب سياسة “صفر مشاكل“لإنهاء التوترات الإقليمية القائمة وتعزيز العلاقات العربية والمكاسب السعودية الاستراتيجية، كما فعلت مع إيران وسوريا .
فقد أدركت السعودية أن الاضطرابات الإقليمية لن تساهم في زعامتها الإقليمية وبالتالي ،لجأت إلى الصلح لتلبية مصالحها .
من هذا المنطلق ، يتبين مدى حرص المملكة العربية السعودية على قيادة قاطرة منطقة الشرق الأوسط نحو عالم جديد .
- تعزيز العلاقات مع الصين :
من الواضح أن المملكة السعودية العربية لم تقتصر على إقامة علاقات في الشرق الأوسط فحسب،بل توسعت علاقاتها مع العديد من الدول العربية والغربية ودول أسيا، واستطاعت أن تأصل للعلاقات شراكة قوية وإستراتيجية مع “التنين الصيني ” و “الدب الروسي ” .
ففي ظل توافق إستراتيجيات التنمية السعودية الصينية ،عززت المملكة العربية السعودية علاقتها مع الصين من خلال إقامة شراكة استراتيجية سميت ب مبادرة ” الحزام الاقتصادي وطريق الحرير” المنسجمة مع رؤية المملكة 2030 . وقد أدت هذه الشراكة إلى تحسين التعاون بين البلدين في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والأمن،خاصة وأنها فرصة مزدوجة القيمة لكل من الصين والسعودية .
في هذا الصدد، لعبت الصين دورا هاما في تحقيق الرؤية من خلال مشاركتها الفعالة في إقامة فرص متعددة و مشاريع ضخمة، هي مشاركة تجاوزت النطاق الإقتصادي لتتدخّل في علاقات دول شرق الأوسط بل و تتوصل إلى حل صراع كان مصدر توترات إقليمية.
فقد كانت الوسيط لحل النزاع بين المملكة العربية وإيران، وهو ما أثبت مدى نفوذها في المنطقة .
“البترويوان” بدل “البيترودولار” :
أدى هذا التقارب بين الرئيس الصيني و الملك السعودي إلى إمكانية استبدال الدولار باليان في التعامل بين البلدين،فالمملكة بصدد دراسة هذا القرار مؤكدة إنفتاحها على كل قرار يخدم مصلحتها كدولة ذات شأن عال وقرار صارم .
هو ما صرح به وزير المالية السعودي محمد الجدعان :”لا أعتقد أننا نتجاهل أو نستبعد أي نقاش من شأنه أن يساعد في تحسين التجارة في جميع أنحاء العالم” . و شدد قوله في مقابلة تليفزيون”بلومبيرغ”أنه : “لا توجد مشاكل في مناقشة كيفية تسوية ترتيباتنا التجارية، سواء كانت بالدولار الأمريكي، أو اليورو، أو الريال السعودي”.وهو ما يعكس جدية استعداد الرياض في تسوية تعاملها بعملة غير الدولار ،مما سيدعم مكانة الصين نحو تدويل عملتها و الحد من النفوذ الأمريكي .
هكذا ،إن إمكانية الاعتماد على عملات غير الدولار متوقف عند المملكة ،كونها ذات قرار حاسم وذات حراك إقتصادي مهم يمكن له تغيير موازين القوى وهو ما تخشاه أمريكا .
إرادة الانضمام للبريكس :
في إطار التعاون الدولي المستقبلي ،حرصت المملكة على إقامة تحالفات اقتصادية عديدة من خلال تقربها من مجموعة “البريكس ” المكونة من البرازيل ،روسيا ،الهند ،الصين وجنوب إفريقيا و إهتمامها للانضمام فيها،فضلاً على أنها أضحت “شريك حوار” في منظمة شنغهاي للتعاون ، سيما وأن البريكس تسعى إلى توسيع دائرة تحالفاتها و تمديد إشعاعها في العالم .
بالتالي إن انضمام السعودية هو أمر مرحب به من قبل الأعضاء لما تملكه من نفوذ إقتصادي وموقع إستراتيجي يدفع إلى تعزيز روابط الشراكة بين الأعضاء .
- السعودية تتزعم أوبك بليس وتخفض إنتاج النفط للمرة الثانية:
بعد تجمع أعضاء أوبك+ في الخامس من أكتوبر 2022 ،تم إصدار قرار تخفيض الإنتاج اليومي للنفط، حوالي مليوني برميل يوميا. هو قرار شاركت فيه 9دول قادتها السعودية باتفاق مع وروسيا، الإمارات، سلطنة عمان، العراق ، الكويت ، الغابون، كازاخستان، والجزائر بهدف تحقيق التوازن و الاستقرار في سوق النفط العالمي وضمان مصالح أعضائه .
وقد أعلن أعضاء أوبك+ تمديد خفض الإنتاج لنهاية عام ب2024سبب المخاوف من تدهور الاقتصاد العالمي .
هو إجراء إحترازي لجأت إليه دول الأوبك+ ،لكنه أيضا رسالة صريحة وواضحة أن عهد الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط قد ولى.عهد انتهت فيه سياسة “الأمن مقابل الغذاء ” وحلول سياسة “الند بالند ” في ظل إرادة السعودية زعامة المنطقة والاندراج ضمن نظام “تعددية الأقطاب “.
- موقف الولايات المتحدة الأمريكية:
أثار قرار أوبك بلس -خفض إنتاج النفط بمعدل مليوني برميل يوميا – استياء الولايات المتحدة الأمريكية واتهامها أن السعودية تدعم روسيا بشكل غير مباشر ضد أوكرانيا .
واعتبر البيت الأبيض أن هذا القرار “غير منطقي ” في الوقت الحاضر من خلال تصريح متحدث باسم مجلس الأمن القومي في بيان، أن “التخفيضات المعلنة أخيراً غير منطقية، في وقت يعاني الاقتصاد العالمي من عدم يقين”.وهو ما أجج توتر العلاقات بين الرياض و واشنطن التي عادت إلى مراجعة علاقتها من خلال تصريح السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارا جون بيار ” كل ذلك يؤكد على فكرة مراجعة العلاقات وعادة تقييمها مع السعودية “. فقد سبق وهددت الكونغرس المملكة بوقف بيعها الأسلحة بعد الخفض الأول بل أكدت انه ستكون هناك “عواقب ” لما فعلته السعودية مع الروس .
هل ستفرض أمريكا حقا عقوبات على السعودية ؟
و هل ستواصل السعودية في سياستها ؟