الحرب الروسية الاوكرانية: انهيار العلاقات بين أمريكا ودول الخليج
اعداد صبرين العجرودي: قسم البحوث والدراسات السياسية العلاقات الدولية
مراجعة واشراف : الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية
أثارت الحرب الروسية الاوكرانية العديد من الملفات القديمة وقد أدت الى إعادة جدولة العلاقات الدولية، أو تحديدا دفعت عناصر النّزاع الى أن تعيد النّظر في علاقاتها بعد وضوح الكثير من المواقف بشأن الحرب في اوكرانيا، التي منها من ساند روسيا في الخطوة التي اقدمت عليها، ومنها من اصطفّ الى جانب الولايات المتحدة الامريكية بدعوى مناهضة الحرب.
يندرج ذلك في العلاقات بين دول الخليج وأمريكا، بحيث مرّت العلاقات بين هذين الطرفين بالعديد من التعثرات، رغم ما يعرف بينهما من العلاقات الاستراتيجية والشراكات الكبيرة، إلاّ أنّ الحرب الروسية الاوكرانية سرعان ما أعادت التركيز على طبيعة العلاقات بعد مسألة الادانة الدولية للحرب بين روسيا واوكرانيا، خاصّة وأنّ لهذه الدّول علاقات متشابكة ومصالح مشتركة مع جلّ أطراف الصراع، ذلك الى جانب أنّها أكبر مورّد للطاقة وخاصة للبترول، جعلها تستغل الموقف لصالحها.
علاقات وطيدة مع اطراف النّزاع
تتميّز العلاقات بين دول الخليج واوكرانيا بالانسجام التّام، خاصّة فيما يتعلّق بالمجال الاقتصادي، إذ للبلدان تطلّعات كبيرة في تطوير الشراكة في المجال الزراعي والعديد من القطاعات الاخرى، وقد أعفت أوكرانيا في شهر اغسطس عام 2020 مواطني دول الخليج من التّأشيرة، ورغم العلاقات العميقة بين الولايات المتحدة الامريكية ايضا ودول الخليج إلاّ أنّ ذلك لم يمنع الاخيرة من بناء علاقات وطيدة بروسيا، إذ وقّعت الامارات على العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع روسيا وتمكّنت في عام 2020 بالقيام بقفزة في التعامل الاقتصادي محرزة بذلك زيادة في التعامل التجاري مع روسيا بنسبة 78%.
من جانبها سعت روسيا الى تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول مجلس التعاون الخليجي بالقيام بمشاريع استثمارية ضخمة، جعل ذلك هذه الدول في تبعية بالوضع الاقتصادي داخل روسيا، إذ أنّ تأثر وضع الاخيرة سلبا سيؤثر مباشرة على الوضع الاقتصادي لدول الخليج.
انتهجت كل من الامارات والسعودية سابقا سياسات كانت نوعا ما لا تسير ضمن مبادئ التحالف القائم بينها وبين الولايات المتحدة الامريكية، وقد ساهمت الحرب في اوكرانيا في تأجيج وجهات النّظر فيما يتعلّق بالعلاقة بين هذه الدول وامريكا، حيث قامت كل من الدولتين الخليجيتين بتوظيف أوراق ضغط على امريكا حتى تضطرّ الاخيرة الى إصلاح ما أفسدته في علاقتها بهذه الدّول وإلاّ فإنهما سوف يسيران قدما في البحث على شراكات استراتيجية اخرى لحماية أمنها القومي. هذه الشراكات ليست بمنأى عن خصمي أمريكا البارزين وهما روسيا والصين.
إخلال بوعود الحماية الأمنية
مخالفة التحالف الأمني لمواجهة العدوان الايراني
لم تعبّر السعودية والامارات في البداية عن أي رغبة في التخلي عن شراكتها بالولايات المتحدة الامريكية فيما يخص مسألة حمايتها من التهديدات الايرانية، إذ أنّ لهذه الشّراكة أهمية عظمى بالنسبة للدولتين لن تستطيع أي دولة اخرى أن تتخذ مكانة أمريكا فيها، غير أنّ الاخيرة بانسحابها من افغانستان ومن ثمّ سياستها التي تعتبرها ناعمة مع ايران وسعيها لإحياء الاتفاق النووي معها قد أثارت مخاوف الدّول الخليجية التي اعتبرت أنّ أمريكا شريك لا يمكن الاعتماد عليه في الالتزام بأمن دول الخليج، إذ اعتمدت الولايات المتحدة الامريكية على نهج مغاير مع الدول لخليجية منذ تولي جوبايدن الرئاسة.
رفع جماعة الحوثي من قائمة الارهاب
أثارت هذه الخطوة التي قامت بها الولايات المتحدة الامريكية استفزاز الدّول الخليجية، معتبرة انّها اعتمدتها كوسيلة للضغط عليها لتحقيق مصالح معيّنة مع ايران، وهو ما تعتبره خرقا واضحا للاتفاقيات الامنية بينهما.
إلغاء صفقة السلاح التي وقّعها ترامب مع كل من السعودية والإمارات
– تسعى كل من السعودية والامارات الى الضغط على الولايات المتحدة الامريكية حتى تقوم الاخيرة بدعمهم أمنيا في حرب اليمن والوقوف ضدّ التهديدات الايرانية، الى جانب العودة الى صفقة السلاح التّي تمّ التّوقيع عليها في عهدة الرئيس السابق ترامب، وقد تجلّى ذلك من خلال سعي السعودية والامارات الى تعزيز علاقتهما بروسيا والصين في العديد من المناسبات.
الضّغوطات الخليجية على أمريكا
تسعير الصادرات النفطية باليوان الصيني بدل الدولار وتعاون عسكري مع الصين
قامت الرياض مؤخرا بالقيام بمباحثات مع بكين من أجل تسعير الصادرات النفطية السعودية باليوان بدل الدولار، وذلك من شأنه أن ينعكس سلبا على الدولار الامريكي الذي يعد تسعير النفط به في السوق العالمية أبرز نقاط قوته.
وقد أشارت الرياض من جهتها أنّ هذه الخطوة لا تشمل سوى البعض من الصادرات النفطية، ويدلّ ذلك على أنّ السعودية حريصة على عدم تجاوز حدودها وذلك من أجل ضمان حسن العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية، وهي فقط تمارس ضغطها حتى تستجيب أمريكا لشروط الشراكة الاستراتيجية.
كما شهدت العلاقات مؤخرا تعاونا عسكريا بين الصين والسعودية، قامت فيه الاخيرة ببناء منشآت لتصنيع الصواريخ الباليستية بمساعدة الاولى.
رفض دول الخليج دعوات واشنطن للترفيع من إنتاج النفط
حاولت الولايات المتحدة الامريكية الضغط على روسيا من خلال اقناع كل من السعودية والامارات بزيادة إنتاج النفط، لكنّ الدولتين رفضا ذلك،إذ أنّ تأثير الحرب على أسعار النفط التي ارتفعت الى غاية 100 دولار للبرميل الواحد يعد ضربة قاضية لواشنطن، وإصرار الاخيرة على مزيد انتاج الدول الخليجية للنفط يأتي في سياق تخفيض أسعاره الذي يعد ورقة ربح كبيرة بالنسبة لروسيا.
تضغط السعودية على أمريكا أيضا من خلال التمسك بـ “منظّمة الدول المصدّرة للنفط””اوبك بلس”(OPEC)الي تشكّل روسيا لاعبا أساسيا ضمنها، لذلك لا تستطيع السعودية القيام بأي خطوة متهوّرة من شأنها أن تضرّ علاقاتها بروسيا خاصّة وأنّ الاتفاقية لها مزايا كبيرة على اقتصادها (مبدأ الاتفاقية خفض إنتاج النفط تدريجيا للحفاط على الأسعار في السوق العالمية وتعديل الانتاج الشهري).
خرق العقوبات الموجّهة على روسيا
تشبّثت الامارات والسعودية أيضا بحسن العلاقات مع روسيا عندما فرضت أمريكا عقوبات على موسكو متعلّقة بالتعاملات المالية بينما ظلّت الدول الخليجية تتعامل معها في تحد لأمريكا.
- الامتناع عن التصويت على قرار ادانة عمليات روسيا العسكرية في اوكرانيا
بالنسبة للأمارات فإنّها انتهجت تقريبا نفس سياسية السعودية، أي الضغط مع عدم أخذ قرارات مصيرية تدمّر العلاقة نهائيا مع الولايات المتحدة الامريكية، فمثلا لم تصوّت على قرار مطالبة روسيا بوقف عملياتها العسكرية في اوكرانيا التي انطلقت في 24 من فبراير الماضي متجاهلة بذلك مطالب واشنطن مصطفّة الى جانب الصين والهند اللذان امتنعا بدورهما على التصويت ضدّ عمليات روسيا العسكرية، لكنّها في المقابل قامت بالتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح هذا القرار، ولم ينعكس ذلك سلبا على طبيعة العلاقات مع روسيا.
وقد أثبتت هذه الخطوة مدى سعي الامارات والسعودية لإثبات استقلالهما في قرارتهم عن واشنطن وأنّ لهما القدرة على الضغط عليها من خلال التحالف مع خصومها إذا ما استمرت أمريكا في التعامل دون جديّة مع اتفاقية حماية أمن دول الخليج التّي قامت بانتهاكها في الكثير من المناسبات.
ويجدر القول أنّ تعامل بعض دول الخليج الاخرى مع جانب الحرب في اوكرانيا بحياد يندرج في إطار الحفاظ ايضا على العلاقات الجيوسياسية مع موسكو مع توخي الحذر في علاقتها بالغرب حتى لا تظهر كداعم واضح لروسيا.
بالتّالي تستغل دول الخليج الحرب في اوكرانيا لتقوم بالضغط على الولايات المتحدة الامريكية في قضايا اخرى متعلقة بأمنها وصفقة الاسلحة التّي قيدتها أمريكا بشروط مجحفة والاتهامات الموجّهة ضدّها بانتهاك حقوق الانسان، ذلك الى جانب جماعة الحوثي التي لم تتخذ ضدّها أمريكا خطوة رسمية حتى الان لحماية دول الخليج وعدم دعمها للسياسات السعودية ضد جماعة الحوثي، وقد زادت أزمة توتّر العلاقات بين الطرفين بامتناع الامارات عن دعم قرار واشنطن الذي صاغته لإدانة الغزو الروسي.
يرى الخبراء أنّ روسيا بالنسبة لدول الخليج وإن كانت تجمعهما شراكات استراتيجية هامّة، فإنّها في الحقيقة لا تستطيع أن تشكّل بديلا للولايات المتحدة الامريكية، لكنّها تحاول القيام باستغلال الحرب التي تعد امريكا العنصر و إن لم يكن الاضعف فإنّ الاوضاع ايضا لا تجري لصالحها في الحرب، بل إنه يعوّل على شركائه، الذي من ضمنهم الدول الخليجية التي تحاول بدورها استرجاع ما لم توفي به واشنطن في التزاماتها من الاتفاقيات المبرمة على رأسها الجانب الأمني، وترى الدول الخليجية أنّ واشنطن قد أثبتت التفاتها المطلق لمصالحها ومخطّطاتها في مواجهة خصومها بانسحابها من افغانستان مقابل تهميش المنطقة التي ظلت كثيرا تحت المظلة العسكرية الامريكية، وما تقوم به الدول الخليجية حاليا هو انتهاج نفس السياسية الامريكية بتقليل التزاماتها اتجاه واشنطن والالتفات لمصالحها مع شراكائها.