أخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات

الإستعمار الفرنسي لمالي

منى بوسيف: باحثة ومترجمة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية بتونس

الخلفيّة التاريخية:

تُعد دولة مالي من أغنى الدول الأفريقية من حيث الثروات المعدنية والزراعية، جعلها محط أطماع ونفوذ قوى عالمية، وتكالب أخطر التنظيمات الإرهابية.

ولم تنس فرنسا إرثها الاستعماري ووصايتها على دول منطقة الساحل المالي، فمنذ استقلال مالي الشكلي عام 1960وهي التي لا تنفك تمارس كل أصناف الاستغلال والتدخل في هذه الدول، ساعية إلى تأسيس علاقات مع كل الأطراف من النظام الحاكم حتى الحركات الانقلابية، كما تقوم فرنسا باستغلال ثروات هذه المنطقة التي تعد من أفقر دول العالم رغم امتلاكها اليورانيوم بنسبة كبيرة ورغم وجود الكثير من المعادن والثروات لكن فرنسا هي من تنعم بهذه الثروات.

ومنذ استقلال مالي عام 1960، لم ينعم أهل هذا البلد الأفريقي الذي يفوق تعداده 19 مليون نسمة بخيراته ولم ينعكس ذلك الثراء الطاقوي والزراعي على التنمية، وباتت نموذجاً لدولة فاشلة هشة سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

وما فاقم معاناة مالي هو تحويلها من قبل التنظيمات الإرهابية إلى “أرض خصبة للإجرام” مستفيدة من موقعها الاستراتيجي كـ”بوابة للساحل وغرب أفريقيا” لتنفيذ أجندتهم المسمومة، وتحويلها إلى بؤرة للإرهاب في القارة السمراء.

ويذكر أن مالي تنقسم إلى ثلاثة أجزاء كل جزء تحكمه إحدى القبائل الثلاث، وهي:

  • الطوارق ويبلغ عددهم نحو ربع السكان ينتشرون بالقرب من الصحراء الكبرى، ومناطقهم هي تمبكتو وكيدال وغاو الأمازيغ.
  • وقبائل البمبراو، ويبلغ عددهم ثلث عدد السكان، وينتشرون في بماكو وسيكاسو وسايغو وبقية المناطق الأخرى.
  • وقبيلة الهوتسو، وهم أقل من القبيلتين الأخريين تعداداً في مالي، وينتشرون في كاي.

تزايد الأطماع وسط تنامي أطراف الصراع:

1– أطماع فرنسيّة:

تُعدّ منطقة الساحل منطقة نفوذ فرنسي، حيث احتلت كل دولها تقريباً في فترات سابقة، وما زالت صاحبة القرار في هذه البلدان.

وظلت تنهب خيرات إفريقيا حتى الرمق الأخير، ولا زالت تسيطر على مناجم الماس والذهب والمعادن واليورانيوم في الدول الإفريقية، ثم تركتها في فترة الاستقلال الموهوم والمزعوم في ذيل الشعوب والأمم.

2 –أطماع أمريكيّة:

– نظرا لوجود الكثير من الثروات فيها، كالبترول والغاز والمعادن واليورانيوم الذي يشكل مع النيجر أكبر الاحتياطيات في العالم، وتهيمن عليه فرنسا ولا يستفيد منها أهلها.

– تسعى أمريكا منذ 2007م ليكون لها موطئ قدم في هذه المنطقة التي فضلها البنتاغون لتنفيذ مشروعه بإقامة مقر القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا «أفريكوم» (AFRICOM)، ووقف رفض هذه الدول حجر عثرة أمام طموح أمريكا بإنشاء أكبر قاعدة عسكرية لها في إفريقيا في هذه المنطقة، خاصة الرئيس المالي المخلوع أمادو توماني توري، الذي اضطر القيادة الأمريكية إلى إدارة هذه القيادة – التي كان مخططاً لها أن تضم في حدود 3000 جندي وضابط – من قاعدة عسكرية أمريكية في مدينة شتوتغارت الألمانية.

– محاصرة المد الإسلامي، خاصة بعد تمدد القاعدة في الصحراء الكبرى، وتمركزهم في شمال مالي.

* بعض التحليلات السياسية تتحدّث عن صراع ناعم بين فرنسا وأمريكا على الغنيمة، وتحاول فرنسا أن يكون لها قدم السبق، فالمنطقة ملك خالص لها، فمن المسلّم به وجود تنافس بين أمريكا وفرنسا للسيطرة على هذه المنطقة الحيوية، والغنية بالثروات الطبيعية (المعادن والنفط واليورانيوم)، والتي هي في الأساس تابعة للنفوذ الفرنسي، لكن دخول أمريكا بقوة تحت دعوى مكافحة الإرهاب عجّل من تدخل فرنسا.

3 – الانقلابيون الماليون:

وقع أغرب انقلاب في باماكو في 21 مارس 2012م قام به أحد قادة الجيش ممن تدرب في أمريكا سابقاً النقيب «أمادو سانوغو»، حيث جاء الانقلاب قبل شهر واحد من موعد الانتخابات الرئاسية في البلاد، وأعلن وقتها الرئيس المالي المخلوع أمادو توماني توري عدم ترشحه فيها؛ لإتمامه المرحلة الثانية من الحكم، بموجب الدستور الذي لا يجيز له الترشح لفترة ثالثة، وهو له سابقة تحسب له في تسليم الحكم للمدنيين بعد إدارته البلاد لفترة انتقالية استمرت 14 شهراً بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس موسى تراوري، وقام بتسليم الحكم للرئيس ألفا عمر كوناري عقب انتخابات عام 1992م.

* هذه المنطقة منذ مدة وهي مسرح لعمل المخابرات الأجنبية عامة والأمريكية خاصة مع تزايد نمو القاعدة، فكيف يحدث هذا الانقلاب دون علم هذه الأجهزة، إلا إذا كانت هي من تقف وراءه؟

جاء الانقلاب وكان السبب المعلن عدم استجابة الحكومة لمطالب الجيش بتسليح رفاقهم الذين يعانون هزائم متكررة في شمال البلاد في حربهم ضد الطوارق وأفراد القاعدة، مع علمهم استحالة ذلك للوضع الاقتصادي المتردّي للبلاد، وكذلك لأن قوام الجيش المالي صغير للغاية ولا يتحمّل أي مواجهة مع الطوارق أو القاعدة أو القوات الغربية.

قام الانقلابيون بتسليم السلطة إلى «ديونكوندا تراوري» – وهو رئيس البرلمان السابق الذي كان مرشحاً لانتخابات الرئاسة في أبريل 2012 – وجرى تنصيبه في 12 أبريل 2012 بمقتضى تسوية إفريقية وضغط فرنسي، جاء ذلك بعد أسبوعين من الانقلاب، وظل قائد الانقلاب النقيب «أمادو سانوغو» ورجاله أصحاب النفوذ في باماكو.

وتم اختيار «شيخ موديبو ديارا» رئيساً للوزراء، وهو عالم سابق في إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) ورئيس مايكروسوفت في إفريقيا، وقد تولى منصب رئيس الوزراء في أبريل الماضي.

وديارا كان من المؤيدين للتدخل الأجنبي، حيث أعلن مراراً تأييده لتدخل قوة عسكرية دولية سريعة في شمال مالي، قبل أن يجبره العسكر على تقديم استقالته في ديسمبر الماضي، ثم تم تعيين «ديانغو سيسوكو» – الحائز على شهادة الدكتوراه في القانون، والذي كان يشغل منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية في نظام موسى تراوري – رئيساً للحكومة يوم الثلاثاء 11 ديسمبر.

4 – الطوارق:

يتمركز الطوارق في منطقة الشمال التي تبلغ مساحتها أكثر من ثلثي مساحة مالي؛ وهي منطقة نفوذ كامل للطوارق، كما يوجد الطوارق في البلدان المجاورة موزّعين على هذه الدول مشكّلين عبئاً ثقيلاً وموروثاً استعمارياً نتيجة تقسيم البلدان وفق هوى المستعمر.. تشبه مشكلتهم إلى حد كبير مشكلة الأكراد في العراق وسورية وإيران وتركيا.

5 – الحركات الإسلامية الجهادية:

* وجود تمركز للجماعات المنتسبة للقاعدة في شمال مالي في مناطق الطوارق منذ فترة طويلة، ووجود تحالف بينهما يقوم على حماية المصالح والمنافع الشخصية لكلا الطرفين.

* الحركات الإسلامية الجهادية الموجودة في الشمال كثيرة ومختلفة ومتفرقة وبعضها مخترق، اللاعب الأكثر نشاطاً في المنطقة هو «حركة أنصار الدين» التي يعرّفها مؤسسوها بأنها «حركة شعبية جهادية»، وقد تعززت قوتها بانهيار نظام القذافي.. هذه الجماعة أسسها «إياد غالي»، وهو من أبناء أسر القيادات القبلية التاريخية لقبائل «الإيفوغاس» الطوارقية، قاد التمرد ضد الحكومة المالية في بداية تسعينيات القرن الماضي، وكان حينها قائداً قومياً أقرب إلى الفكر القومي الوطني منه إلى الفكر الإسلامي، وبعد توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق عام 1992، عمل قنصلاً عاماً لجمهورية مالي في جدة، لكن الرجل التزم في سنواته الأخيرة توجهاً دينياً، وتحولت رؤيته للعمل المسلح في أزواد من عمل نضالي تحرري إلى عمل جهادي ديني، ومع سقوط القذافي عاد «إياد غالي» إلى أزواد واتخذ من سلسلة جبال «أغارغار» مقراً له، وأسس تنظيمه الجديد، بعد أن تداعى إليه المئات من أبناء قبيلة الإيفوغاس التي ينتمي إليها، وبعض المنتمين لقبائل طوارقية أخرى، وقد بدا واضحاً أن «إياد غالي» استغل مكانته الاجتماعية وتوجهه الفكري في نشر دعوته بين السكان.

كما توجد «حركة الجهاد والتوحيد» في غرب إفريقيا، التي تأسست في أكتوبر عام 2011، ويقودها «سلطان ولد بادي»، إحدى شخصيات المجتمع العربي في أزواد، ومعه القائد الموريتاني السابق في القاعدة «حماد ولد محمد الخير» المكنى بـ «أبو القعقاع»، وإليهما انضم عشرات المقاتلين من أبناء القبائل العربية في شمال مالي، لتصبح الحركة بذلك واجهة للتيار الجهادي في المجموعات العربية بأزواد، تماماً كما شكلت «حركة أنصار الدين» الواجهة الجهادية داخل المجموعات الطوارقية.

وراء «جماعة أنصار الدين» الطوارقية، و«حركة الجهاد والتوحيد» العربية؛ يقف «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، الذي وصل إلى المنطقة عام 2003 على يد أمير كتيبة الملثمين «مختار بالمختار» الملقب بـ «بلعور»، ويعتبر أرسخ التنظيمات قدماً في الصحراء الكبرى عموماً ومنطقة أزواد خصوصاً، وقد تمكن من استقطاب الكثيرين، وينسب إليه البعض اختطاف القنصل الجزائري في بلدة غاو الخميس 5 أبريل 2012.

كما شكّل مؤخراً كتيبة أطلق عليها «الموقعون بالدماء»، والتي أعلنت مسؤوليتها عن اختطاف مئات الرهائن في مصنع للغاز في آن أمناس بجنوب الجزائر، والتي انتهت نهاية مأساوية بقتل العشرات من الرهائن والخاطفين.

6 – دول الجوار:

* موقف دول الجوار – مثل الجزائر وموريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو وساحل العاج والسنغال وغيرها- يثير كثيراً من التساؤلات؛ ففي حين أنهم أول من سيكتوي بنيران الحرب، نجد أنهم يؤيدون التدخل العسكري في المنطقة، ولم نجد اعتراضاً ، وحتى تونس قد أيدت الهجمة الفرنسية على مالي.

و بدأت هجرات اللاجئين الماليين لبعض الدول المجاورة كموريتانيا، وقد تتفاقم المشاكل مما ينذر بوضع مأساوي لهذه الجموع التي ستنتقل عبر صحراء قاحلة.

أمر آخر متعلق بدول الجوار، وهو احتمال فرار كتائب جهادية إلى هذه الدول من جراء اشتداد المواجهة والقذف الجوي عليها، ما ينبئ بانتقال الفوضى إلى دول الجوار.

فما الذي يلجئ هذه الدول إلى اتخاذ هذا القرار؟ هل نار القاعدة أشد وطأة من نار الاحتلال واللاجئين؟ أم أن هناك تفاهمات سرية بينها وبين فرنسا؟!

التدخل العسكري في الدول تحت غطاء دولي وإعلامي وتبريري من البعض ينذر بصوملة جديدة لهذه المنطقة، فالدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا وفرنسا، لن تسعى لحل مشاكل مالي بقدر ما تسعى لإغراق هذه المنطقة في أتون صراعات لن تنتهي، حتى تصبح هي الملاذ والملجأ الذي يأوي إليه جميع الأطراف وحثه حتى يبقى لضمان الاستقرار الموهوم، وبالتالي تنجح هذه الدول في تحقيق مآربها.

إن التدخل الأجنبي ونشر الفوضى الخلاقة هو السياسة الأمريكية التي وعدت بها دول العالم الإسلامي لنشر الصراعات والقلاقل والفوضى، والتي تنتهي بها مقومات الدول وتصبح الكيانات الموجودة في أضعف حالتها؛ لا تستطيع أن تقوم بنفسها وبالتالي تطلب الحماية والعون من هذه الدول الاستعمارية، كما ستتحول القوى والجيوش الموجودة في الدول إلى ميليشيات لا تستطيع أن تحمي حتى نفسها، والنتيجة دمار شامل وقتلى لا حصر لهم ولاجئون ومشتتون في صحراء جرداء، وتمضي فصول القصة بتفرقنا وغفلتنا وجهلنا وخيانة الكثيرين.

المراجع:

https://www.albayan.co.uk/MGZArticle2.aspx?ID=2591

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق