أخبار العالمبحوث ودراسات

اتفاقيات إعادة رسم الحدودالبحرية :بين المظلمة التاريخية و المؤامرات الخارجية

فاتن جباري-.. باحثة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية بتونس

تقديم

تشهد منطقة  البحر الابيض المتوسط  توترات غير مسبوقة ترافقت مع الاكتشافات الهامةللغاز  و للنفطالامر الذي جعل من اعادة رسم الحدود بين الدول غاية من الاهمية واولوية تفارضها مصالح الدول في ضل ازمات عالمية متكررة جعلت من هذه الاكتشافات هاجس يحرك العلاقات الدولية خاصة دول الاتحاد الأوروبي التي تسعى الى اقامة اتفاقيات متعلقة بإعادة رسم الحدود البحرية و البرية

دبلوماسية  التفاوض السلمي واعتماد الطرق الدبلوماسية في فض النزاعات الدولية والمتعلقة خصوصا بقضية رسم الحدود البحرية امر ضروري و مطلوب بشدة الا وانه ملف على درجة من الخطورة على إعتبار وان قضية اعادة رسم الحدود التونسية قد يراها البعض قضية تاريخية منتهية قانونا ،ومن يراها قضية الساعة لما يكتنف هذا الملف من غموض مسكوت عنه و خبايا تتورط فيها اطراف دولية في اطارتصفية وقسمة الموروث الاستعماري بموجب اتفاقيات تاريخية او حديثة ، مشبوهة قد تصل الى مرتبة المؤامرات الخارجية…فالتطورات الاخيرة بين دول البحر المتوسط  الذي لم تهدا عواصفه منذ الإعلان عن اكتشافات الغاز  الاخيرة ، أسفرت عن جدل متصاعد بشأن ترسيم الحدود البحرية، آخره إعلان مصر ترسيم حدودها البحرية مع اليونان و  الغربية مع ليبيا، كذلك الحدود اللبنانية مع اسرائيل وهو ما أثار جدلا إقليميا واسع النطاق .

يكشف هذا الجدل الإقليمي عن تساؤلات حول  الحيثيات الكامنة وراء المساعي الجيواستراتيجية التوسعية لأوروبا وحليفاتها في اعادة تشكيل الحدود مع كل من تونس وليبيا إضافة إلى انعكاساته على الملفات المتشابكة، خاصة المرتبطة بشؤون البحر التونسية منذ اتفاقية 1971 المتعلقة بإعادة رسم الحدود الايطالية …فتونس كانت خارج دائرة الحراك الدولي في المتوسط طيلة السنوات الأخيرة، حيث لم تتفاعل مع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا  وليبيا منذ 2019 وإعلانها بأنها في غنى عن اتفاقية مماثلة مع أنقرة، ولم تعلق على إعلان الجزائر منطقتها البحرية الخالصة من جانب واحد في 2018، وكذلك سار الأمر حينما وقعت الجارة الشمالية إيطاليا اتفاقًا لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع اليونان في البحر وهذا الامر سيضر بالمصالح الإستراتيجية الحيوية للبلاد وحقوقها البحرية في المتوسط، فتونس لا يجب ان  ترى في المشروع الإيطالي مجرد مناورة  منافسة لقوى اخرى تسعى لتوسيع دائرة استكشافاتها النفطية في المتوسط وخاصة قبالة سواحل  التونسية، لذلك وجب الخوض في هذه القضية الاستراتيجية بامتياز ؟.

أولا الحدود البحرية التونسية الايطالية

يبدو أن البحر الأبيض المتوسط أصبح منطقة توتر عالٍ بفعل التحركات الأخيرة لعدد من الدول، فإضافة إلى الصراعات و المناورات الحدودية  (مصر وليبيا  ولبنان واليونان) كذلك الأزمات المعقدةالتي يتداخل فيها العامل الأمني والاقتصادي وكذلك الإيديولوجي، حيث  يشكل سباق ترسيم الحدود البحرية والتنافس المحموم بين الدول على تحديد مجالات جديدة للسيطرة أهم مظاهر الأزمة التي قد تقوض استقرار المنطقة برمتها وتُعيد توزيع أوراق القوى المهيمنة في المتوسط، خاصة في ظل تسابق الشركات النفطية العالمية على استكشاف النفط.

إيطاليا كانت آخر الدول بعد تركيا واليونان ومصر التي كشفت نيتها ترسيم حدودها البحرية واستغلال المناطق البحرية الخاصة، والأهم من ذلك إعادة ترسيم الحدود المشتركة مع جيرانها بما يحفظ، وفق بعض السياسيين مصالحها الإستراتيجية والحيوية، على اعتبار أن هذه الاتفاقيات كانت ظالمة وغير منصفة لروما التي تحاول جاهدةً استعادة مجدها والوقوف في وجه تحركات بعض القوى المنافسة للسيطرة على المتوسط.

يعود ترسيم الحدود البحرية التونسية الإيطالية إلى معاهدة 20 أوت 1971، حيث اتفق البلدان على ترسيم حدود بحرية بينهما في الجرف القاري، وأرست المعاهدة حدودًا معقدةً في مضيق صقلية تمثل الحدود خطًا متساوي المسافات معدل بين صقلية وتونس، وتنتهي مباشرة قبل الخط متساوي المسافات بين مالطا والجزر الپلاجية الإيطالية .

وفقا لمختصين في المجال ،هذه المعاهدة بين البلدين خلقت شبه جيب بحري حول جزيرة پانتلريا  الإيطالية (13 ميلًا بحريًا)، وشبه جيب آخر خُلق يضم أقواس متداخلة تبلغ 13 ميلًا بحريًا حول جزيرتي لينوسا  ولامبيدوسا الإيطاليتين، ويتقاطعان أيضًا مع منطقة بطول 12 ميلًا بحريًا حول لامبيوني ، يتقاطع الجيبان مع المياه الإيطالية عند خط متساوي الأبعاد، لكنها عدا ذلك محاطة بالمياه التونسية، أما النقطة القصوى غربًا لخط الحدود تشكل النقطة الثلاثية البحرية مع الجزائر.

ورغم أن التقارير لم تشر إلى معطيات دقيقة عن المساحة البحرية التي ستوسع فيها إيطاليا أنشطتها قبالة السواحل التونسية، فإن المعلومات التي تم تداولها على صفحات نواب حركة خمسة نجوم الإيطالية صاحبة مشروع القانون، تؤكد أن الخطوات الإيطالية تهدف إلى تقويض الاتفاق السابق لترسيم الحدود لعام 1971 فالخرائط التي تم تداولها مؤخرًا تبين بشكل واضح رغبة الإيطاليين في التمدد البحري وتوسيع أنشطتهم داخل مجالات سيطرة تونس، حيث تشير الخرائط التي وقع التداول في إلى الحدود الجديدة المقترحة لتوسع النشاط الإيطالي في المياه التونسية.

وإذا كانت الخريطة الأولى قد أوضحت الحدود المقترحة للتمدد البحري الإيطالي التي يُمكن التفاوض عليها مع التونسيين، فإن ما يُثير الاهتمام هي الخريطة الثانية التي اقترحها الضابط البحري المتقاعد كافيو، تشير إلى منطقة قريبة جدًا من السواحل التونسية، ما يعني أنها جزء من أطماع الإيطاليين للسيطرة على مجالات الصيد الحيوي في المياه الإقليمية التونسية.

مُضي روما في مشروع إعادة رسم حدودها البحرية اكدته الخطوات التشريعية، حيث أشار رئيس الكتلة البرلمانية لحركة ”خمسة نجوم” بينو كابراس إثر تصويت اللجنة البرلمانية على إنشاء المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى أن إيطاليا ”ستكون مرة أخرى بطلًا في البحر الأبيض المتوسط”. خصوصا اذا تعلق الامر بالإجراءات و المفاوضات التي تسعى ايطاليا الان بتنفيذها مع تونس  حيث ستتجاوز إيطاليا مياهها الإقليمية إثر مصادقة برلمانها على مشروع إعلان المنطقة الاقتصادية الخالصة، ورغم أنها خطوة تتعارض مع قوانين المياه دولية، فإن روما ستكون قادرة على استغلال الموارد البحرية في نطاق أقصى يبلغ 200 ميل بحري، الأمر الذي سيضر بالمصالح التونسية الحيوية في البحر المتوسط، وهو ما دفع التونسيين إلى رفض التحرك الإيطالي والمطالبة بعدم التفاوض على تعديل اتفاق 1971.

مواقف كابراس دعمها موقف أحد أعمدة مشروع إعادة ترسيم الحدود البحرية مع تونس بموجب اتفاق 1971، وهو الضابط المتقاعد والخبير في القانون البحري الدولي فابيو كافيو الذي أكد في بهذا الخصوص، أن “إيطاليا هي البحر” وهي إشارة إلى مساعي إحياء قوة روما في البحر المتوسطووفقًا للضابط البحري، فإن اتفاقية ترسيم الحدود الإيطالية التونسية 1971، تمت بقبول مطالب تونس التي استحوذت على المياه الإقليمية بالجرف القاري في ”بانتيليريا” مقابل التنازل وعدم المطالبة بأي مساحة إضافية في لامبيدوزا ولينوسا، مع تمكين إيطاليا من حدود بحرية قريبة جدًا من جزيرة بيلاجي، مشيرًا إلى أن بلاده قبلت لأسباب عرضية بعد أن سمحت لها تونس بالصيد لمدة ثماني سنوات في مياهها الإقليمية كما ان اسرار ايطاليا على اقتسام المنطقة البحرية التي تعلو منطقة الصيد في المياه الإقليمية التونسية، موضوع سيطرح مجددًا عندما يكون من الضروري إنشاء الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة.

مكن القول إن الخطوة الإيطالية على خطورتها  تُمثل تهديدًا رئيسيًا نظرًا لأن إعادة ترسيم الحدود البحرية يتطلب عملية تفاوضية بين الدول تكون في غالب الأحيان معقدة، حيث يسعى كل طرف لتحقيق مصالحه وفق مبدأ رابح رابح، لكن الإشكال الحقيقي يتلخص في قدرة تونس على الدفاع عن حقوقها البحرية من خلال اعتماد مفاوضات دبلوماسية جد رصينة وفعالة ، خاصة  وان سياستها الخارجية  مطالبة اليوم بأثبات جدواها في الملفات الإقليمية الحارقة.

ثانيا :الحدود البحرية التونسية وقضية الجرف

تتمتع البلاد التونسية مثل بقية الدول الساحلية بمجالات بحرية عديدة فلها مياه داخلية وبحر إقليمي وجرف قاري وقد أعلنت منطقة متاخمة و منطقة اقتصادية خالصة كما تطل على بحر شبه مغلق هو البحر المتوسط وبحكم حالة الطبيعة الجيولوجية لمجالاتها البحرية التي تصطدم جغرافيا  بالمجالات البحرية للدول الملاصقة على غلرار ليبيا والجزائر والمقابلة وهي إيطاليا و مالطا.

ويخلق هذا التشابك بين المجالات البحرية التونسية والمجالات البحرية لتلك الدول عدّة فرص في التعاون والعلاقات الودية ولكن يؤدي كذلك الى التنافس والنزاعات وتضارب المصالح وصلت في بعض الأحيان الى حد ارتكاب مظالم تاريخية نفذتها يد المستعمر في رسم الحدود البرية و البحرية  للبلاد التونسية… هي قضية الملف المسموم ” الجرف القاري التونسي وحقل البوري” التي عرضت على قضاء محكمة العدل الدولية بلاهاي سنة 1982 وما حملته هذه القضية من دسائس سعت الى تأبيد الوضع  المتأزم لفائدة أطراف خارجية تضمن سيرورة مصالحها الاستراتيجية بطريقة او بأخرى  …فالمسألة لا تقتصر على الثّروات الطّبيعيّة التي تكتنزها هذا الأراضي فحسب، بل أنّها مسألة مبدئيّة من صلب السّيادة الوطنيّة التّونسيّة  ذلك ان اعتماد كل ثبوتية تاريخية مشهود بها أمميا قد يتيح الطْعن في شرعيّة الاتّفاقات التي أبرمها بعض رموز الأنظمة المتعاقبة باسم الشّعب التّونسيّ، وخاصّة إذا ما انتبهنا إلى أنّ قضيةرسم الحدود التّونسيّة موثّقة في سجلّات الأمم المتّحدة اما اذا نظرنا من سياق اخر الى لب القضية سنجدها نقطة ما من  محور صراع دولي بين محاور دولية تريد فرض نفسها وحماية مصالحها في قلب المتوسط …

الجرف القاري بين الثبوتية الواقعية وعدم احترام الإجراءات القانونية

سنة 1958 عقد أول مؤتمر دولي حول قانون البحار بالجمعية العامة للأمم المتحدة، نجم عنه التوصل إلى عقد اتفاقيات جنيف الأربع حول البحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة وأعالي البحار والجرف القاري والصيد البحري حيث ورد  تعريف الجرف القاري في المادة الأولى من اتفاقية جنيف لعام 1958، أن الجرف القاري “مناطق قاع البحر وما تحته من طبقات متصلة بالشاطئ تمتد خارج البحر الإقليمي إلى عمق مئتي متر أو إلى ما يتعدى هذا الحد إلى حيث يسمح عمق المياه باستغلال الموارد الطبيعية لهذه المنطقة”.

ونظراً لما يحتويه الجرف القاري من ثروات طبيعية هائلة، بيولوجية ومعدنية وبترولية ونباتية وحيوانية، فقد جذب اهتمام الدول التي طالبت بممارسة اختصاصات سيادية على الجرف القاري الذي يشكّل امتداداً لسواحلها، بما يخدم مصالحها الحيوية وخاصة مع تطور الوسائل التقنية الحديثة. تفجرت نزاعات حدودية عدة بين الدول على إثر خلافات حول تفسير الحدود القارية بينها، وصلت في غالب الاحيان الى تدويل القضية وعرضها امام محكمة العدل الدولية منذ 1978-1982 عرف بالقضية الدولية الجرف القاري بين الجارتين تونس و ليبيا .

يقع حقل البوري في البحر الأبيض المتوسط على بعد 120 كيلومترًا شمال الساحل الليبي وتشغله حاليا شركة مليتة للنفط و البترول  بالشاراكة مع شركة “إيني” الإيطالية، حيث تقدر احتياطاته من النفط الخام بقرابة 72 مليون برميل و3.5 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعييعتبر هذا الحقل خامس أكبر المنصات البحرية في أفريقيا، والأكثر إنتاجاً في البحر المتوسط.

وقعت الدولة التونسية في خلاف مع ليبيا ، خلاف وصل الى قطع العلاقات التونسية الليبية وخلق ازمة على الحدود البرية و البحرية بين الدولتين ، بعد توسط محمود رياض وهو الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية بين البلدين واتفاقهما على عرض القضية على محكمة العدل الدولية والتي حكمت في 24 فيفري 1982لصالح ليبيا بكامل الجرف القاري بأغلبية 10 أصوات مقابل 4 أصوات .بعد أن تقدّمت تونس للمحكمة بطلب لإعادة النظر في الحُكم بقصد تعديله صدر حُكم ثانٍ في 10 ديسمبر 1985 يقضي برفض الدعوى القضائية.
تأرجحت التحليلات حول المغزى من طرح هذا الموضوع في السياق الحالي من قبل رآسة الجمهورية التونسية  ، ضمن هذه القضية السياديّة وهو مما دفع إلى القول بأن هذه الإشارة من الرئيس التونسي قد تتجاوز انتقادا غير مباشر لدور رئيس اللجنة التونسيّة في النزاع أندلك العميد الصادق بلعيد وتحميله ضمنيا مسؤولية فشل الملف التونسي وتميز المرافعات القانونية الليبية مقابل نظيرتها التونسية اما القضاء الجنائي الدولي رغم تمسك البلاد التونسية بالثبوتية الواقعية من الناحية الجغرافية والجيولوجية  .

يبقى التساؤل المفتوح هنا عن الدافع وراء اثارة ملابسات قضية الجرف القاري ،وفي قضيّة قد تمّ الحسم فيها على مستوى محكمة العدل الدوليّة فالخيارات السياسية للدولة التونسيّة حينذاك بالتوجه للمحكمة لم يرافقها إعداد جيّد ومُحكم للملف في أبعاده القانونيّة والتقنيّة  حيث اعتبرت المحكمة وان التمثيل الجيولوجي كان قد اظهر حدا جغرافيا اكثر ميولا الى الحد الجغرافي الليبي و ليس المربع الخاضع لمنطقة السيادة المشتركة بين الدولتين …على عكس الطرف الليبي الذي تحرّك على جميع المستويات وتحصّل على عدد من الوثائق المهمّة من الأرشيف الإيطالي التي تؤيد وجهة نظره في الخلاف لذا، خصوصا وأن تونس طلبت إعادة النظر فيه قبل أن تتمّ مجابهة مطلبها بالرفض من قبل المحكمة في 10 ديسمبر 1985 .

لقد اكدت مصادر دبلوماسية سابقة  نيّة الرئيس القذافي مقاسمة حقل البوري مع تونس إثر زيارة له لجزيرة جربة ولقائه بالرئيس الأسبق بن علي ابان منظومة الحكم النوفمبرية سنة  1988والتي عرفت بمدى الصداقة المتينة  بين الرئيسين ، وهو ما ساهم في وأد هذه الفكرة التي لقيت ترحيبا من القذافي نفسه كان سيتم من خلالها انشاء مؤسسة بترولية مشتركة تحت اسم “المتحدة الليبية التونسية للأنشطة البترولية “لها مقر في جربة وطرابلس تشرف على تطوير هذه الحقول البترولية و تقاسم الارباح الا ان هذا الانموذج  منذ 2011 لم يرى النور حيث تبخرت ملامحه نهائيا إلى غاية 2011، مثلت ليبيا الشريك الاقتصادي الرابع لتونس حسب الأرقام الرسمية، أما إذا ما اعتبرنا الاقتصاد الموازي والتعاملات غير المعلنة وغير المباشرة، فقد ترتقي ليبيا إلى مستوى الشريك الثاني أو الأول ربما بحسب المختصين في الاقتصاد السياسي.فالعلاقات التونسية الليبية بعد 2011 تأرجحت ومحاولات تدارك الماضي  والتقارب ، فيما يجب أن تتّسم به دبلوماسيّة الدولة إزاء ملفات حيويّة إذ تحتاج العلاقات الثنائيّة مع ليبيا أكثر من غيرها إلى دراسة متأنيةورصينة لمختلف الخطوات الرسميّة،فترسيم الحدود التونسيّة قد أنتج التزامات قانونيّة للدولة وكل نقاش رسمي يُرافق هذه المسألة عليه أن يكون متزنا ومتبصّرا بالنتائجباعتبار تلك العلاقات تمسّ الأمن الاستراتيجيّ لتونس وضمن كلّ ذلكتقتضي الحكمة عدم منح الفرصة لأي طرف إقليمي أو دولي يُريد المناورة في الملف الليبي عبر البوابة التونسية دون الانحياز الى المنعرجات السلبيّة .

حيثيات قضية الجرف القاري تآمر فرنسي – تركي !

كنتيجة للصراعات المتواصلة على الحدود والثروات القارية ومناطق السيادة البحرية والتي تؤدي في بعض الأحيان الى التوتر والتدخلات الأجنبية بين الدول أو التهديد بها و لعل ما يحصل حاليا من خلافات في مصر وليبيا وتركيا واليونان …خير دليل على اهمية رهان السيادة على المجالات البحرية لاستغلال ثرواتها.

وككل العلاقات الدبلوماسية، شهدت المعاملات بين الحكومات في كل من ليبيا وتونس فترات من الاستقرار تخللتها مطبات مختلفة حسب ما اقتضته كل حقبة من توازنات إقليمية أو إكراهات…ملف خطير  تسعى دولتان نظيفتان من البترول تدعي امتلاك البترول  تسعى دائما  الى السيطرة على منطقة البحر الابيض المتوسط  وهي كل من فرنسا وحليفتها السرية تركيا . فرنسا التي كانت في وفاق مع معمر القذافي ثم غيرت منهج اللعبة ضده بعد رفضه الشراكة و الاطماع التي طمحت فرنسا ولسنوات طوال الى تنفيذها…

عملت فرنسا على تجيش الاعلام المحلي و الدولي و تكوين معسكر من الميليشيات  حيث بدأ الناتو كغطاء أمن التغطية السياسية و الإعلامية الدولية  تحضيرا للحرب في ليبيا الى أن وقع اغتيال العقيد القذافي أنذلك وتبنى جهاز حلف الناتو هذه العملية بشكل رسمي ضمن الادارة العامة للأمن الخارجي الفرنسي  ، بعد حصوله على الضوء الأخضر من جانب الأمم المتحدة.

اتفقت الحكومة بعد اغتيال القذافي على ان ناتج الثلث الليبي من نصيبها في البترول سيكون من نصيب فرنسا كنتيجة لما قدمته من مساعدات من خلال العمليات العسكرية التي يشنها الحلف الاطلسي  الناتو على  ليبيا و مساعدة الميليشيات الليبية التي تقودها حركة الاخوان المسلمين كصنيعة تركية – امريكية … ضمنت لفرنسا نصيبا قدر ب بنسبة 30 بالمائة من البترول الليبي الخام

  • خلفاء فرنسا الجدد : تركيا والميليشيات تركّزت اهتمامات تركيا في ليبيا، قبيل اندلاع ثورة 2011، على تعزيز مصالحها الاقتصادية الهامة في المتوسط إذ فازت تركيا بنصيب كبير من عقود البناء سنة 2010 وقام المستثمرون الأتراك بضخ اموال طائلة في قطاع الانشطة ونظرًا إلى مصالحها الاقتصادية الكبيرة في ليبيا، عملت تركيا على التدخل السياسي في الشأن الليبي و كانت قد ساندت التدخّل العسكري لحلف شمال الأطلسي “الناتو” ضدّ نظام معمر القذافيلكنها لم تبرز في الواجهة بشكل واضح الا في مرحلة لاحقة وتحديدا ضمن مشروع قرار يسمح بإرسال قوات تركية إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس المُعترف بها دوليًا. ومن شأن هذا التفويض البرلماني أن يتيح للحكومة التركية القدرة على إرسال قوات إلى ليبيا ثم مرّت سياستها بعد ذلك بعدة مراحل اخرى.

المذكرة البحرية بين تركيا وليبيا

 وقّعت الحكومة التركية وحكومة الوفاق الوطني خلال 2019، مذكّرة تفاهم بشأن السيادة على المناطق البحرية في البحر الأبيض المتوسط، حيث تشهد منطقة شرق المتوسط خلافات بين دولها حول ترسيم الحدود البحرية، بعد أن أثبتت المسوحات الجيولوجية وجود مخزون هائل من النفط والغاز القابل للاستخراج فنيًا، ما بيّن أنّ هدف تركية من المذكّرة يتجاوز الأوضاع في ليبيا إلى مسألة التواجد الاستراتيجي في المتوسط وحماية مصالحها ومن ورائها فرنسا خصوصا في ضل تراجع النفوذ الفرنسي على افريقيا امام التنافس العالمي الجديد و الحضور الايطالي في المنطقة حددت الاتفاقية حدود الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا وليبيا في البحر المتوسط، دون  ان يقع مراعاة حقوق الدول الخاضعة لمنطقة السيادة المشتركة في البحر المتوسط.

كما نصّت الاتفاقية في الفقرة الثانية من المادة الرابعة على حق البلدين في المشاركة في الثروات الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لأحد الطرفين حيث يمكن للطرفين عقد اتفاقيات لغرض استغلال هذه المصادر بشكل مشترك وتكمن الخطورة هنا أن هذا النص يمكّن تركيا من التدخل العسكري المباشر داخل المياه البحرية المواجهة للسواحل الليبية وذلك ربطاً بمذكرة التفاهم الأخرى بشأن التعاون العسكري التي أبرمت في الوقت ذاته.

استطاع الجانب التركي فرض إرادته القانونية على حكومة الوفاق والمتمثلة في الاستيلاء على مناطق بحرية في البحر المتوسط مستغلاً حالة الانقسام والفوضى في ليبيامستنداً إلى هذه الاتفاقية ويتجلى ذلك من خلال ما جاء في نص المادة الخامسة من الاتفاقية من أنه يجوز لكلا الطرفين أن يقترح مراجعة وتعديل هذه المذكرة باستثناء المادتين الأولى والثانية وذلك كمحاولة من تركيا لضمان الالتزام القانوني من قبل الدولة الليبية بالأحكام الواردة بالاتفاقية وعدم التحلل منها مستقبلاًكما قامت تركيا وليبيا بتوقيع مذكّرة للتعاون الأمني، شملت التدريب العسكري، ومكافحة الإرهاب، والهجرة غير النظامية، واللوجستيات، والخرائط، والتخطيط العسكري، ونقل الخبرات.وما أن تقدّمت حكومة الوفاق بطلب رسمي للحصول على دعم عسكري تركي جوي وبحري وبري، جاء الرد التركي سريعًا عندما أكّد الرئيس أردوغان بأنّ بلاده سترسل قوات إلى ليبيا، بناءً على طلب منها، بعد موافقة البرلمان التركي.

نصّت الاتفاقية في الفقرة الثانية من المادة الرابعة على حق البلدين في المشاركة في الثروات الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لأحد الطرفين، حيث يمكن للطرفين عقد اتفاقيات لغرض استغلال هذه المصادر بشكل مشترك، وتكمن الخطورة هنا أن هذا النص يمكّن تركيا من التدخل العسكري المباشر داخل المياه البحرية المواجهة للسواحل الليبية، وذلك ربطاً بمذكرة التفاهم الأخرى بشأن التعاون العسكري التي أبرمت في الوقت ذاته.

موقف القانون الدولي

تعد اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 هي المرجعية القانونية الحاكمة لكافة استخدامات البحار والمحيطات، وقد استحدثت الاتفاقية فكرة المنطقة الاقتصادية الخالصة التي لا يتعدى مداها 200 ميل بحري، تمارس فيها الدولة الساحلية حقوقاً اقتصادية وتستأثر بها في إطار سيادي مانع من خلال حقها في الاستكشاف والاستغلال وحفظ وإدارة الموارد الطبيعية وذلك بموجب نص المادة (56) من تلك الاتفاقية.

لقد أكدت قواعد القانون الدولي أن “تعيين وترسيم الحدود البحرية ليس عملاً أحادياً، تنفرد به الدولة الساحلية بمفردها، بل يجب أن تضع في اعتبارها عند إجراء هذا التعيين مواقف ووجهات النظر للدول الأخرى المشتركة معها في الحدود البحرية” وتكمن الغاية المنشودة من وراء هذا بمنع نشوب المنازعات الدولية بين الدول حول تعيين وتحديد تلك الحدود، وقد نصت المادة (74) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 على أن تعيين الحدود البحرية يكون على أساس قواعد القانون الدولي وصولاً الى حل منصف. كما أن الثابت من مطالعة نص المادة (121) من ذات الاتفاقية أنها أكدت على حق الجزر البحرية في الحق القانوني في التمتع بالمنطقة الاقتصادية الخالصة، كما أن المستقر عليه قانونياً وقضائياً أن إبرام اتفاقيات الحدود البرية والبحرية يعد أمراً يتعلق بالسيادة الإقليمية للدول ويحظر إبرام تلك الاتفاقيات أثناء الحروب أو النزاعات المسلحة الداخلية أو الظروف الاستثنائية الداخلية للدول على غرار الكوارث الطبيعيةوغيرها…وبتطبيق قواعد القانون الدولي ذات الصلة، على بنود مذكرة التفاهم التركية-الليبية يتبين لنا مخالفة هذه البنود لمبادئ وقواعد القانون الدولي العام والقانون الدولي للبحار.

لازالت قضيّة رسم الحدودالبحرية،و البرية ومن بينها المناطق الصحراويّة الغربيّة خصوصا في حاجة إلى مزيد من البحث التاريخيّ للخوض في ملابساتها السياسية. ويُمكن التّذكير بخطاب الرئيس بورقيبة خلال سنة 1959 حول الحقوق التونسيّة في منطقة الصحراء الكُبرى، وخصوصا قرب منطقة Fort-Saintاو برج الخضراء حاليّا إذ أثارت مطالب بورقيبة بالمنطقة التي تمتدّ من برج الخضراء إلى منطقة غرب مدينة غدامس و التي تقع حاليّا ضمن الحدود الجزائريّةخلافات مع الفرنسيين ومع قيادة جبهة التحرير الجزائريّةانذلك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق