أخبار العالمإفريقيا

ما سرّ العشاء الاخير بين الغنوشي والسفير الامريكي؟

تونس-3-8-2021

لازالت سيناريوهات الأزمة التونسية الأخيرة مفتوحة ومليئة بالكثير من التوقّعات، في ظلّ دخول أطراف وقوى إقليمية خارجية أطرافاً أساسية في المشهد، لا سيما في ظل العلاقات الوثيقة بين السفير الأميركي في تونس، دونالد بلوم، ورجال “حركة النهضة”، الذراع السياسية لجماعة “الإخوان المسلمين”، وعلى رأسهم راشد الغنوشي.

يتمتع السفير بلوم، بعلاقات واسعة مع قيادات الجماعات الأصولية ورموزها عامةً، بحكم عمله الدبلوماسي في عدد من الدول، منها توليه منصب القائم بأعمال مكتب ليبيا الخارجي عام 2018، والمستشار السياسي للسفارة الأميركية في كابول بين عامي 2012 و2013، ومستشار الشؤون الاقتصادية والسياسية في السفارة الأميركية في القاهرة بين عامي 2009 و2012، والمدير المدني لخلية العمل الاستراتيجي في بغداد عامي 2007 و2008.

الساعات الأخيرة شهدت لقاءً خاصاً على العشاء جمع بين السفير الأميركي وراشد الغنوشي في بيته (وفقاً لمصادرنا)، للوقوف على تداعيات قرارات ثورة “تصحيح المسار”، التي نفذها الرئيس التونسي قيس سعيد يوم 25 تموز (يوليو) 2021.

سبقت لقاء العشاء مباشرة تصريحات رسمية صادرة عن البيت الأبيض، تحث الرئيس قيس سعيد على “احترام الديموقراطية وإجراء حوار مع الأطراف السياسية”، ما يعني أنها لم تؤيد بعد قرارات الرئيس التونسي التي اتخذها بناءً على الدستور وتصحيحاً للأوضاع الداخلية التي شهدت إخفاقاً اقتصادياً وسياسياً على يد حركة “النهضة” الإخوانية، ومخططها في السيطرة على الأجهزة التنفيذية والحيوية بالدولة.

لم يكن اللوبي الإخواني التابع للتنظيم الدولي في واشنطن ببعيد عن المشهد، فقد لعب دوراً خلال اللحظات الراهنة، بحكم الاتصالات المباشرة مع الإدارة الأميركية، لإجبار الرئيس التونسي على التراجع عن قراراته، والاحتفاظ بالمكاسب السياسية التي حققتها “حركة النهضة” الإخوانية.

ثمة ترتيبات على مستوى التنظيم الدولي، بدأت بحملة بيانات رسمية من فروع “الإخوان” في المغرب والجزائر وليبيا، وكذلك المؤسسات الإخوانية مثل “اتحاد علماء المسلمين”، فضلاً عن محاولتهم تصعيد موقف أوروبي رافض لقرارات الرئيس التونسي، عن طريق الاتصال بعدد من دوائر صنع القرار وممثلي البرلمانات الأوروبية والمنظمات الحقوقية الدولية، بما يخدم مساعيهم في إدانة التحركات السياسية الأخيرة في العمق التونسي، ووصفها بأنها انقلاب على الشرعية الدستورية.

خيارات “الإخوان” في تونس بين الحل السلمي والجلوس الى طاولة التفاوض السياسي، أو الانحراف تجاه العنف الممنهج، لم تُحسم بعد، وتتوقف على الكثير من العوامل، أهمها استيعابهم المشهد السياسي واقعياً، في ظل انهيار مكوّنات التنظيم في العديد من الدول العربية، ومدى قدرتهم على الرضوخ للضغوط على مستوى القوى السياسية والدوائر الشعبية التي عانت منذ تصدّر الجماعة المشهد السياسي التونسي على مدار السنوات الماضية، فضلاً عن موقف الدول الراعية للإرهاب وضغوطها، ومحاولتها استثمار الأزمة التونسية بما يحقق مكاسبها الإقليمية والدولية.

لقاء العشاء الأخير الذي جمع بين السفير الأميركي وراشد الغنوشي، الأيام الماضية، يسجل الدعم الواضح للإدارة الأميركية الحالية لمشروع جماعة الإخوان في المنطقة العربية، والاحتفاظ بها كلاعب أساسي في المشهد الإقليمي، رغم إخفاقها على المستوى السياسي، ورفضها التام على المستوى الشعبي.

لن تتنازل الإدارة الأميركية بسهولة عن دعم “حركة النهضة” الإخوانية، كونها تراها النموذج الوحيد الذي استطاع الصمود والقدرة على البقاء منذ حوادث “الربيع العربي” في كانون الثاني (يناير) 2011، والتي تمت بتخطيط الإدارة الأميركية برئاسة أوباما ممثلاً الحزب الديموقراطي، وعملت على تصعيد الجماعات الأصولية إلى السلطة، والهيمنة على الحكم في المنطقة العربية.

وكلاء “الإخوان” وحلفاؤهم في المنطقة العربية، عملوا على نقل الأزمة التونسية من مربع الخلاف السياسي، إلى ساحة المعركة الدينية، وتصدير الحالة على أنها مؤامرة على الإسلام والشريعة، وكأن قيادات الجماعة منزّهة عن النقائص، وأن لديهم تفويضاً إلهياً بحكم شعوب العالم، في إطار يوحي بالغرور والاستعلاء الديني.

لا فرق بين “إخوان مصر”، و”إخوان تونس”، على المستوى الفكري والثقافي والتنظيمي، ولا على مستوى الممارسة السياسية ومحاولة التماهي مع القوى الليبرالية واليسارية، فجميعهم قوالب بشرية متطابقة صُنعت في حظيرة التنظيم السري، إذ إن المنبع الأيديولوجي واحد، والأدبيات الفكرية والثوابت العقائدية متماثلة ومتقاربة تماماً.

التاريخ الدموي لجماعة “الإخوان”، يضع سيناريو العمل المسلح الخيار الأقرب لحركة “النهضة”، وحتمية الاتجاه لتطبيق استراتيجية “إخوان مصر”، في التعامل مع الأزمة من خلال إثارة الفوضى وإرباك المشهد الداخلي اعتماداً على نظرية “خرطوم الأباطيل”، وصناعة “مرتكز ربعاوي”، وصناعة حالة توحي بالانقسام السياسي والجغرافي، والزج بالدولة التونسية في أتون الحرب الأهلية تحت مظلة دولية، لا سيما أن البيانات الصادرة عن الخارجية الأميركية والبيت الأبيض، رمادية الموقف وتضع المشهد أمام نهايات مفتوحة.

خطوات التنظيم الدولي لمواجهة الأزمة التونسية، دخلت مرحلة التنفيذ التدريجي من خلال الترويج والإيحاء كذباً عبر منصاتهم بأن مصر والإمارات محرك أساسي في المشهد التونسي، وأن ضباطاً مصريين وإماراتيين كانوا في عمق الساحة التونسية قبيل قرارات 25 تموز (يوليو)، وأن رئيس الحكومة المقال هشام المشيشي، (المدعومة من الإخوان)، تعرض للضرب، بهدف الانصياع لقرارات قيس سعيد.

حملة التشكيك في قرارات الرئيس التونسي ووصفها بـ”الانقلاب” من قبل المنصات الإعلامية للإخوان، تتشابه تشابهاً كبيراً مع حملات التشويه والشائعات التي نفذتها تلك الأبواق الإعلامية مع الدولة المصرية والرئيس السيسي منذ ثورة 30 حزيران 2013، التي أسقطت حكم الإخوان في مصر.

ثقافة الاغتيال والعمل المسلح ليست بدعة جديدة على جماعة الإخوان، لكنها عرف راسخ ومتبع مع كل من يختلف أو يعارض توجهاتهم، منذ حسن البنا وحتى اللحظات الراهنة، بداية بالقاضي أحمد الخازندار، والنقراشي باشا، وأحمد ماهر باشا، والرئيس جمال عبد الناصر، مروراً بعنف مرحلة الثمانينات والتسعينات، وصولاً إلى محاولة اغتيال الرئيس عبد الفتاح السيسي مرات عدة، وارتكابهم مئات العمليات الإرهابية ضد المدنيين وقوات الجيش والشرطة بالقاهرة.

يعتمد الإخوان في العمل المسلح على نوعين من التنفيذ، أحدهما فردي مباشر، والآخر يتم بالوكالة من خلال صناعة كيانات أو خلايا مسلحة (حركة حسم ولواء الثورة نموذجاً)، مع إخفاء هوية الانتماء التنظيمي للإخوان، لضمان الحفاظ على الحالة الدعوية والسلمية للجماعة وأهدافها.

لا يمكن فصل ما يدور في العمق التونسي عما يحدث في المنطقة العربية، ومحاولة ترتيب المشهد السياسي بما يضمن لجماعات الإسلام السياسي موضع قدم خلال المرحلة المقبلة، لا سيما في ظل المعركة الحتمية بين الولايات المتحدة والصين، وتوظيف واستثمار أزمتها مع مسلمي الإيغور، ومنح حركة “طالبان” وتنظيم “القاعدة” قبلة الحياة.

عاشت الدولة التونسية في متاهة سياسية على مدار 10 سنوات متصلة، لم تتمكن فيها من التعافي، في ظل الهيمنة المطلقة لجماعة الإخوان على مؤسسات الدولة وأجهزتها تحت شعار “المغالبة” لا “المشاركة”، كونها لا تؤمن بالعملية الديموقراطية ولا بالممارسة السياسية، لكنها تعتبرهما وسيلة فاعلة في تحقيق مآربها والوصول للسلطة، تطبيقاً لـ”التّمكين”، و”أستاذية العالم”.

إذا كانت ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، قد أوقفت المدى الإخواني، وغيّرت ميزان القوى الإقليمية، وأعادت وضعية الخريطة السياسية في مصر والمنطقة العربية، فإن قرارات “ثورة تصحيح المسار” التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيد، في 25 تموز (يوليو) 2021، بمثابة “السقوط الأخير”، لرجالات وفروع التنظيم الدولي في الشرق الأوسط، كونها تمثل ترجمة حقيقية لحالة الرفض الشعبي والفشل السياسي لجماعة الإخوان، وتفككها تنظيمياً وارتباكها فكرياً.

ستظل ثورة “تصحيح المسار”، وقرارات 25 تموز (يونيو) 2021، مخلدة في ذاكرة الشعب التونسي ووجدانه، لكن تبقى معضلة الخلاص من تنظيم الإخوان مرهونة بتضافر داخلي واصطفاف وطني، والتحام شعبي، ولن تجدي معها الأيادي المرتعشة، والنفوس المتخاذلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق