الشرق الأوسط

إرهابيون وسطيون معتدلون

للكاتبة والباحثة وسام باسندوه من اليمن
نشرت الكاتبة والباحثة اليمنية وسام باسندوه مقالا جريئا في صحيفة(مرايانا) يوم 25 أكتوبر 2019.
طرحت فيه التبريرات الإيدولوجية للعمليات الإرهابية التي يقوم بها عناصر تدعي الإسلام والإصلاح.. هؤلاء يعتبرون أنفسهم أن لهم توكيلا من عند الله والمسلمين لحماية الدين والأخلاق الحميدة، وكأن الدين لن يستمر من دونهم! وفي ما يلي نص المقال: حين وقعت جريمة نيوزيلاندا، لم نجد أصواتا نشازا متكررة تخرج من المجتمع النيوزيلندي أو المسيحي أو الأوروبي أو العالمي تطرح سؤال: ” لِمَ لَمْ تحترق قلوبكم على تفحيرات شارلي إيبدو مثلا، وغيرها من العمليات الإرهابية التي غالبا ما يكون أبطالها من المسلمين وحدهم لاشريك لهم؟”.
حتى والدة وجدة مجرم نيوزيلندا شعرتا بالقرف والعار منه وقالتا إنه يستحق القتل في مجتمع لا يقر حكم الإعدام، لكنهما انتصرتا للفطرة الطبيعية السليمة الكارهة للقتل
. المجتمع بكل فئاته تكاتف ضد القاتل حتى وإن كان من أقرب الناس إليهم..تعاطفوا مع أناس يختلفون عنهم في كل شيء لمجرد أنهم مظلومون.
يالها من شريعة سمحة شريعة الإنسانية! نعم، يحدث هذا في المجتمعات الإنسانية الحرة المتصالحة. في العملية الإرهابية الأخيرة في سريلانكا مثلا، ستجد أن الإرهابيين تتلمذوا وتعلموا على أيد] من يصنفون في المجتمعات الإسلامية من كبار رجال الدين، وستجد من يتشفى بالعمليات الإرهابية ضد الكنائس والفنادق الأجنبية ويعتبرها ردة فعل على انتهاكاتهم بحق المسلمين وبحق القضية الفلسطينية وغزو العراق وأفغانستان، إلخ…
في تعاطف وتبرير غير مقبول للإرهاب. بهذه الأقاويل، يرون أن القتل والإرهاب له منطق مقبول وإن أعلنوا خلاف ذلك في تناقض رهيب.
في مجتمعاتنا، تجد من يتعاطف مع الداعشيات ومظهرهن القابض لأي نفس وفطرة سليمة ومع أسلوب حياتهن ومنطق تفكيرهن.
يُنظر لهن في المجتمعات التي تصنف نفسها وسطية لا داعشية، على أساس أنهن الأقرب للدين والتستر والعفاف والفضيلة.
يكفي أن تقرأوا التعليقات التي تتعاطف معهن على أي فيديو منشور، لتعرفوا كم من الدواعش والإرهابيين يعيشون من حولك
! في مجتمعاتنا، ستجد من يرى أن تغيير ما يراه وفقا لمقاييسه منكرا، ضرورةٌ باليد أو بالقول، وهذا يعني الضرب أو القتل أو الإعتداء، وإلا فكيف سيغير بيده اذا؟
! ستجد من يرى أن التدخل في شؤون الآخرين عمل إيجابي ونصيحة من صميم الدين، وأن هذا الإعتداء الذي قد يكون باليد أو اللسان وغيره إصلاح للمجتمع وفضيلة، ودور يجب أن يشكر عليه.
لا ساداتي…. الإرهاب له دين، ومشايخ ومنظرون ومدرسة فكرية دينية. لذا، فإن العالم يسمى ما حدث في نيوزيلندا عملية إجرامية وليس إرهابا، لأنه لا يحمل تحيزا لدين أو جنسية أو لون بشرة مرتكبها، بل لحقيقة كونه حادثا فرديا من شخص شاذ عن مجتمعه.. شخص عنصري متطرف يمثل نفسه.
أما بقية العمليات، فإرهاب حقيقي له شبكة من المنظرين والمفكرين والمتعاطفين وعموم الجمهور.
الآن، أسألك عزيزي القارئ: هل لازلت تذكر العملية الإرهابية التي وقعت في احتفالات رأس السنة بإسطنبول قبل عدة سنوات؟ تلك العملية التي وقعت في بلد إسلامي غالٍ على قلوبهم، وكان معظم الضحايا من العرب المسلمين، ومع ذلك كان هناك تيار جارف يشمت بالقتلى ويراهم يستحقون لأنهم احتفلوا بعيد الكفار هل يمكن لعاقل أن يصدق أن من فكروا بهذا المنطق وجاهروا بالتصريح به ودخلوا معنا بنقاشات حادة في حينه، لا يصنفون في مجتمعاتنا كقتلة وإرهابيين، بما أنهم يبررون القتل ويحرضون عليه ويلتمسون العذر للإرهاب؟
بل إنهم يصنفون كوسطيين ومعتدلين ويُنظر لهم باعتبارهم الأكثر محافظة والتزاما. بعد كل هذا، يعودون إلى تكرار الجمل العقيمة ذاتها بأن “الإرهاب لادين له”، وأن “هؤلاء الإرهابيون لايمثلون الإسلام”… لا، بل يمثلونك وأنت منهم…!
الفارق فقط أنك لم تملك جرأة تفجير نفسك أو الإنضمام إلى تنظيم إرهابي، لكنهم ينفسون عنك ويقدمون أنفسهم فداء للأفكار التي تشترك بها معهم عبر هذه العمليات الإرهابية.
رسالتي لك أنت يا من تؤيد التغيير باليد واللسان والنصيحة التي لم يطلبها منك أحد: اسمعني جيدا.. أنت قاتل إرهابي تتساوى معهم بالجرم، وحين تحين لك فرصة التمكين، ستذبحنا جميعا… تماما كما تساورك الآن هذه الرغبة تجاهي وأنت تقرأ مقالي هذا.
كفوا عن خداع أنفسكم وجففوا المنابع الفكرية لهذا الإرهاب، وأولها أنفسكم المتعاطفة مع القتل والوصاية على المجتمع.. من أنتم؟!

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق