ما بين ثورة 23 يوليو وثورة 30 يونيو رابط يظل متألقا ألا وهو استرداد الكرامة
القاهرة-مصر-23 -7-2021
تحل اليوم، الذكرى التاسعة والستون لثورة 23 يوليو المجيدة التي غيرت وجه التاريخ في مصر والوطن العربي عموما، هذه الثورة التي قادها وأطلقها ثلة من الضباط الأحرار الشرفاء بقيادة جمال عبد الناصر، فجعلت مصر قبلة للأحرار والمناضلين ومنبراً للحقوق والمستضعفين، وأخرجت مصر الكنانة من دائرة التبعية إلى رحاب الحرية والسيادة والإستقلال، وأطلقت المشروع النهضوي العربي وتبنت قضايا الأمة وعلى رأسها قضية فلسطين وثورة الجزائر وواجهت العدوان الثلاثي الفرنسي البريطاني الصهيوني بكل اقتدار.
كان المشهد الداخلي قبيل الثورة يعاني سوءً في الحالة الاقتصادية، وانتشار الظلم وفقدان العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب وسوء توزيع الملكية وثروات الوطن، والتعامل مع المصريين على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ذلك لاقتصار الوظائف والتعليم العالي على أتباع الإنجليز والملك، ما جسد حالة موحشة داخل المجتمع لذا كان الحراك ضروريًا واختيار اللحظة الحاسمة لتحقيق الهدف المنشود وهو إزاحة الملكية.
وفي صبيحة 23 يوليو، أذيع البيان الأول للثورة بصوت الرئيس الراحل أنور السادات الذي قال فيما نصه:
“اجتازت مصر فترة عصبية في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش وتسبب المرتشون المغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش وتولى أمرهم إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم”.
ما ميز هذه الثورة، أنها كانت ثورة بيضاء، لم ترق فيها الدماء، وقُوبلت بترحيب شعبي جارف من ملايين الفلاحين وطبقات الشعب العاملة الذين كانوا يعيشون حياة تتسم بالمرارة والمعاناة.
محليا عرفت مصر انطلاقة تنموية عملاقة، فقد أنشأت الثورة ألف مصنع وبنت السد العالي، وأممت قناة السويس، واطلقت ثورة زراعية واسعة وأنهت الإقطاع الذي جثم مئات السنين على صدور الشعب ووزعت الأراضي على صغار الفلاحين..
عملت الثورة على القضاء على الإقطاع وأنزلت الملكيات الزراعية من عرشها، وأممت التجارة والصناعة التي استأثر بها الأجانب، كما عملت على إلغاء الطبقية بين الشعب المصري وأصبح الفقراء قضاة وأساتذة جامعات وسفراء ووزراء وأطباء ومحامين وتغيرت البنية الاجتماعية للمجتمع المصري، وحررت الفلاح بإصدار قانون الإصلاح الزراعي، وقضت على السيطرة الرأسمالية في مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي، وفرضت مجانية التعليم.
من بين القرارات الهامة التي أعقبت تلك الثورة وكانت من أهم نتائجها هو قرار تأميم شركة قناة السويس، لتصبح شركة مساهمة مصرية، كذلك تحرير مصر من قبضة المحتل الذي جثم على صدرها لنحو سبعة عقود من الزمان، من خلال توقيع اتفاقية الجلاء والتي بمقتضاها خرج الإنجليز من مصر.
عربيا تمسك جمال عبدالناصر بعودة فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر وهو الضابط الذي عرف جرائم العصابات الصهيونية حين كان يقاتل في الفلّوجة ضد الإحتلال العنصري عام 1948، واكتشف هناك مع زملائه مؤامرة الأسلحة الفاسدة التي قاتل بها الجنود المصريون في تآمر من النظام الملكي آنذاك، ليدرك تبعا لذلك أن تحرير فلسطين يمر عبر تحريرالقاهرة والعواصم العربية التي سواء تلك التي كانت مرتعا للعملاء أو التي لا تزال تحت الإحتلال الأجنبي.
وإيماناً منها بأن المقاومة وجدت لتبقى وستبقى، رعت ثورة يوليو أول بذور المقاومة، كما كانت النصير لثورة اليمن ضد نظام الإمامة الرجعي..
وإيمانا بوحدة المصير العربي المشترك، شهد الشرق العربي لآول مرة منذ العصر الأموي، قيام أول وحدة في التاريخ العربي المعاصر بإعلان الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا، في مسعى جاد لإنهاء مؤامرة سايكس بيكو التي قسمت الوطن العربي،وإدراكا بأن الوحدة هي سبيل العرب وأداتهم الفاعلة لبناء القوة الذاتية والتحرر من التبعية.
إفريقيا وعالميا،كانت لجمال عبد الناصر المساهمة الفعالة في تأسيس حركة عدم الإنحياز إلى جانب الزعيمين اليوغسلافي تيتو والهندي جواهر آل نهرو، وساند حركات التحرر العالمي،وفي مقدمتها حركات التحرر الإفريقية، كما كانت مصر رائدة في إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية وتدعيم العمل الإفريقي المشترك حتى أن القاهرة أصبحت قبلة عشرات الآلاف من الطلاب الأفارقة والعرب.
وبينما تحل هذه الذكرى كل عام، تطفو معالم الوطنية الخالصة لأبناء القوات المسلحة البواسل، والشعب الذي احتضن مبادئ الحرية والكرامة ، فأينما يمر التاريخ تجد صدى الثورة تصدح في الأفق.. وما بين ثورة 23 يوليو وثورة 30 يونيو رابط يظل مشتركًا ألا وهو استرداد الكرامة..