أخبار العالمإفريقيا

ليبيا بين مطرقة أطماع أردوغان العثمانية وسندان الخطوط الحمراء الفرعونية

بقلم – الكاتب الليبي يوسف بن داوود


منذ الفوضى الخلاقة في عام نكبات الخريف العربي المشؤوم لم يعد العالم كما كان سابقاً ، فخارطة النفوذ ومراكز القوى الإقليمية والدولية باتت تتأرجح بين أقصى اليمين تارة وأقصى الشمال تارة أخرى ، ولم يعد بالإمكان توقع الكثير من التطورات وخارطة التحالفات.. فـ”الفوضى الخلاقة” أستطاعت تقسيم المقسم وتجزئة المجزّء وتشتيت بني يعرب المشتتين أصلاً .

اليوم وبعد صراع بات يناهز العقد من الزمن ، لا تزال ليبيا ترزح تحت وطأة اقتتال داخلي عصف بكل شيء.. مؤسسات الدولة أسقطت ودمرت بالأساس، واقتصاد الدولة كان و لا يزال وسيبقى اقتصادا إستهلاكيا محوره الأساس البترول وعائداته.. مزقت الصراعات النسيج الإجتماعي الليبي وأشعلت وأحيت ثأرات منذ مئات السنين وكأنما بكل طرف يصرخ “أريد كليب حياً”.

بعد معركة طرابلس التي امتدت لأربعة عشر شهراً، لم يعد المشهد في ليبيا كما كان ، فاليوم تحضر وبقوة تركيا العثمانية التي تحاول إحياء أمجاد أرطغرل وعثمان الأول وحتى محمد الفاتح ، تركيا التي وجدت ضوءً أخضرَ أمريكياً لتكون وكيل أمريكا في المنطقة لتنغيص صفو أحلام قيصر روسيا بالتواجد في المياه الساخنة لجنوب المتوسط.

دخول تركيا أربك حسابات الكثيرين ولن نبالغ إن قلنا إنها استطاعت قلب المعادلة ، فبعد أن كانت ميليشيات حكومة السراج على شفير الإنهيار وقادتها يتجهزون للهروب جائت منظومات الهوك الأمريكية لتكون درعا حاميا لهم أمام الغارات الجوية وعززت قدراتهم بطائرات بريقدار لتكون صاحبة السيطرة في سماء مناطق غرب ليبيا .

في الجهة المقابلة جاء التدخل المصري وتحت شعار”أن تصل متأخراً خيراً من أن لا تصل أبداً” .. ولكن ألم يتأخر السيسي كثيراً ؟..هنالك أصوات تقول لو دعم معركة طرابلس منذ البداية لما وجدت أصلا حكومة “الوفاق” وقتاً لإبرام إتفاقيات لا مع تركيا ولا مع غيرها.. ألم يكن الأجدى إنهاء المعركة في شهرها الأول وتجنيب ليبيا والليبيين ويلات الحرب طيلة أربع عشر شهراً متتالية؟ وهل فعلاً سيكرر السيسي خطأ الراحل صدام حسين المجيد عندما دخل الكويت؟ فالجميع يعلم أن المتغطي بالأمريكان عريان.

للأسف، الصراع في ليبيا ليس من أجل إنهاء الصراع ، وإنما الصراع من أجل استلام ملف إدارة الأزمة.. قد يرى البعض أن الجيش الوطني الليبي في شرق البلاد ضعيف وغير مؤهل لمعارك طويلة الأمد ولكن الحقيقة أن الجيش الوطني الليبي هو نفسه الجيش الذي صمد ضباطه وأبناؤه لثمانية أشهر متتالية في مواجهة أقوى حلف عسكري في العالم وهو حلف شمال الأطلسي، وهو من صمد لعشر سنوات واستطاع لملمة شتات نفسه..

الضعف للأسف في عدم توافق حلفاء وأصدقاء هذا الجيش ، فلكل حليف وجهته وأهدافه وغاياته ، والصراع ما بين الحلفاء وصل إلى حد تآمر بعضهم على بعض لانتزاع الملف الليبي ، فكل طرف يريد أن يكون الملف بيده لغايات في نفس يعقوب وقليلون هم الصادقون في الرؤية والدعم و الهدف .

إعلان القاهرة سبقه برلين وباليرمو وأبوظبي وباريس، وقبلها كل ذلك الصخيرات، بَيْدَ أن الذي يغيب عن أذهان الحلفاء قبل الأعداء،هو أن المشكل في ليبيا اليوم أمني بحت وليس سياسيا ، فعندما تحرك الجيش لمئات الكيلو مترات لم يكن في صراع سياسي مع السراج والمشري وإنما كان يسعى إلى اجتثاث الإرهاب الذي تمارسه ميليشيات تُدعم وتمول بأموال الليبيين ومن خزينة الدولة الليبية .

عندما نرى المجتمع الدولي ومؤسساته يدعو إلى حوار سياسي في ليبيا ، يمتلكنا الضحك .. الضحك غضباً والضحك مقتاً لمجتمع دولي يخلط بين العدالة والإجرام! هل يمكن أن نرى أي دولة من دول هذا العالم تقود حواراً سياسياً مع منظمات تصنفها إرهابية؟! ..

قد يرى البعض أن مصطلح الإرهاب مصطلح فضفاض وهنالك من يذهب إلى القول إن الأمر أصبح فزاعة ، ولكن صدقاً لا نفاقاً في ليبيا يومياً نعيش ونرى ويُمارس علينا أشنع صنوف الإرهاب، فما تمارسه تركيا العثمانية هو إرهاب دولة بكل المقاييس ، فقد جائت بآلاف المرتزقة التركمان وجلهم من عتاة الإرهابيين وسلحتهم بكل صنوف الأسلحة النوعية ، أليس هذا هو إرهاب الدولة في أبهى صوره .. فعن أي حوار سياسي يتحدث المتحدثون؟

للأسف سيذهب إعلان القاهرة أدراج الرياح وستعود الحرب لتشتعل بعد أشهر قليلة، فأمد الأزمة في ليبيا سيستمر لمنتصف عام 2023 م في أقل تقدير، وهذا ليس لأن الليبيين لازالوا يرغبون في قتال بعضهم البعض ولكن لأن القوى الدولية والإقليمية لازالت لا تمتلك رؤية موحدة للحل ونية صادقة لإنهاء الصراع ، ليبقى العنوان الأبرز والوصف الأعمق للمرحلة القادمة،هو “الصراع ليس من أجل إنهاء الصراع وإنما الصراع من أجل إدارة الصراع والإستفادة بقدر الإمكان من إستمرار الأزمة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق