أخبار العالمإفريقيا

المتعايشون مع فيروس نقص المناعة المكتسب: من انتهاك المعطيات الشخصية الى الوصم!

إعداد: صبرين العجرودي

يعيشون وسط فيروس نقص المناعة المكتسب وليس الفيروس الذي يعيش بداخلهم ! ..

تعايشوا مع الفيروس، لكنّهم لم يتمكّنوا من التعايش مع الممارسات “الفظّة” التي تلاحقهم أينما ذهبوا، لم يتمكّنوا من العيش داخل مجتمعات لا تدرك ماهية فيروس نقص المناعة المكتسب ولم يتقبلوا الانتهاكات التي يقع تبريرها غالبا بغياب المعرفة، فتجدهم كثيرا ما يتساءلون ما إن كانت هناك فعلا مبرّرات تبيح الاعتداء على حقوقهم.

ليست لدينا القدرة على تلخيص معاناة المتعايش مع فيروس نقص المناعة المكتسب داخل مجتمعه أو عائلته، معاناة مضاعفة إلى درجة أن تجتاح عقله أفكار حول ردود أفعال المحيط ونظرة الآخر له مباشرة بعد استقباله خبر الاصابة قبل التفكير بنفسه، اذ ينتهك المجتمع جسده ويفتك به من خلال ممارسات لا يمكن التعايش معها، ممارسات تحول بينه وبين عيش حياته الطبيعية وتقف حاجزا بينه وبين حقه في الصحة وحماية معطياته الشخصية والعيش في سكينة.

ليس من المنطقي التفكير مطولا في أسباب هذه المعاناة خاصّة اذا ما تعلّق الأمر بمجتمع تقليدي تهيمن عليه قواعد واعراف مزيّفة لا تولي لحقوق الافراد أهمية كبرى، حتى أنّ الاعتداء على حريات الاشخاص المخالفة لكل ما هو سائد يعد أمرا جائزا بل ومثمّنا لمساهمته في الحفاظ على تلك المعايير الاخلاقية المزعومة.

فيروس نقص المناعة المكتسب

فيروس نقص المناعة المكتسب (SIDA)   ناتج عن الاصابة بفيروس نقص المناعة البشري (VIH)، يؤثر على خلايا الجهاز المناعي اما بتدهور وظائفها او بتدميرها كليا، وبذلك يصبح حامله عرضة لعدوى الامراض الانتهازية بعد انهيار جهازه المناعي كليا، وتكون الاصابة بفيروس نقص المناعة المكتسب في اخر مرحلة من مراحل الاصابة بالفيروس.

يصيب فيروس نقص المناعة المكتسب تحديدا خلايا الدم البيضاء المسؤولة عن حماية الجسم من الامراض والجراثيم، وهي المسؤولة ايضا عن محاربة الخلايا السرطانية، ذلك ما يجعل المتعايشين عرضة لبعض الأورام السرطانية.

ويجب الاشارة هنا الى انّ امكانية اصابة الحاملين لفيروس نقص المناعة البشري  بمتلازمة العوز المناعي المكتسب لا تبدو حتمية الاّ عند العجز الكامل لخلايا الجهاز المناعي عن تأدية وظائفها،  لذلك فإنّ هناك فرق بين “متعايش مع فيروس نقص المناعة البشري” الذي لا يعد ضرورة حاملا لفيروس نقص المناعة المكتسب، و”متعايش مع فيروس نقص المناعة المكتسب” وهو المصاب بأمراض معدية ناجمة عن الحالات القصوى لتدهور الجهاز المناعي. يؤثر عامل مواظبة المتعايش مع فيروس نقص المناعة البشري في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة  في الفترة المحددة بين الاصابة بالفيروس وامكانية الاصابة بالسيدا (قدّرت من 5 الى 15 سنة) وهي تقل أو تزيد وفقا لذلك، لذلك فإنّ الكشف المبكّر لفيروس نقص المناعة البشري ضروري لتأخير الاصابة بفيروس نقص المناعة المكتسب.

لا يدرك كثيرون أنّ المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشري  المتحصّلين على الرعاية الصحية الكافية قادرين على العيش بطريقة طبيعية ودون أي اعراض أو تدهور صحي، ويلعب غياب عنصري الوعي الثقافي والاجتماعي دورا كبيرا في وصم المتعايشين واحاطتهم بجملة من التصورات الخاطئة حول حالتهم الصحية وكيفية انتقال الفيروس، بحيث يصعب عليهم الاقتناع بمصطلح “التعايش” كما يعتبرون أنّ وجود المتعايش في محيطهم تهديدا لهم، اذ أشار الدكتور رضا كمون رئيس الجمعية التونسية لمقاومة الامراض المنقولة جنسيا في هذا الصدد إلى انّ “الايدز منذ ظهوره عرف بالوصم الشديد من طرف المجتمع، حتى أنه يعتبر ان المصابين به يستحقون ذلك” كما شدّد على أنّ الوصم يشكّل حاجزا كبيرا في وضع حد لانتشار الفيروس وحصول المتعايشين على علاجهم.

فيروس نقص المناعة المكتسب: انتقال أم عدوى!

يعتبر الفرد الحامل لفيروس نقص المناعة المكتسب متعايشا مع الفيروس لعامل أساسي يتمثّل تحديدا في تشابهه بالأخر غير الحامل له من خلال قدرته على العيش لسنوات طويلة مثله، حتى في حالة اصابته بالأمراض الانتهازية المرتبطة بالسيدا فإن اعراضها تكون متماثلة مع الاعراض التي تظهر على أي مصاب باي من هذه الامراض، كما يمكن عدم ملاحظة أي اعراض  على الحاملين لفيروس نقص المناعة البشري لعديد السنوات لذلك فان الكشف المستمر يعد أمرا في غاية الضرورة.

يعد فيروس نقص المناعة المكتسب من الفيروسات المنقولة وليست معدية، وتشكّل هذه المعلومة نقطة مفصلية في توجيه تمثّلات المجتمع وتصوّراته حول السيدا، واعتبار انه معديا يعد امرا شائعا يضع المتعايشين من قبل المجتمع في زاوية ضيقة من الوصم والعزلة الاجتماعية التي تمنعهم من التعايش فعليا مع الفيروس والمواصلة في تلقي علاجهم نتيجة التأثيرات النفسية العميقة التي قد تلحقها الممارسات الاجتماعية المنتهكة لحقوق الانسان بالحاملين للفيروس.

يتنامى الخوف المبالغ فيه من فيروس نقص المناعة المكتسب من تصور كونه معديا ويمكن الاصابة به عن طريق الاختلاط العادي اليومي من خلال اللمس مثلا، الأكل والشرب والغذاء، الملابس… في حين أنّ الاصابة به لا تكون عفوية في حقيقة الامر لأنّها مرتبطة بالسلوكات المحفوفة بالخطر كممارسة العلاقات الجنسية غير المحمية سواء كانت مهبلية او شرجية او فموية، تبادل الابر في حال استعمال المخدرات المحقونة، نقل او حقن دم حامل للفيروس، او امكانية ذلك من خلال الام الى مولودها خلال فترة الحمل (الربع الثالث من الحمل)، الرضاعة… بالتالي فانّ امكانية الاصابة بعدوى الزكام تعد امرا محتملا للغاية حتى مع الوقاية باعتبار انه لا يمكن حصر مسبّباته بوضوح الى جانب تتعدّد وسائل الاصابة به، في حين ان طرق انتقال فيروس نقص المناعة المكتسب واضحة لذلك فان طرق الوقاية بسيطة وغير معقدّة، تتمثّل في ممارسة الجنس الآمن عن طريق الاستعمال المنتظم والصحيح للواقي الذكري او الانثوي، تجنّب استعمال الابر والادوات الجراحية غير المعقمة، ضرورة تلقي النساء الحوامل للعلاج والرعاية الصحية الضروريين لتقليل نسبة انتقال الفيروس للطفل …

انعدام في الوعي وانتهاك للحقوق

“على الرغم من كل الانتكاسات، يمكننا انهاء الايدز باعتباره تهديدا للصحة العامة بحلول عام 2030، اذ اتحد العالم، لكن عدم المساواة في السلطة، في المكانة، في الحقوق والحريات يؤدي الى انتشار جائحة نقص المناعة البشرية، وانعدام المساواة، يقتل”، وفق ما أكدته ويني بيانيما، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية.

من جهته اشار موقع سبوتنيك عربي الى انّ اغلب المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشري في تونس يواجهون صعوبات في الاندماج، الوصم الاجتماعي، سوء المعاملة في محيطهم الاجتماعي وحتى داخل مراكز الرعاية الصحية.

ويقول الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش إن”الصحة حق من حقوق الانسان ويجب ان تكون اولوية استثمارية عليا لتحقيق التغطية الصحية الشاملة، وللقضاء على الايدز، يجب على العالم ان يتضامن ويتقاسم المسؤولية”.

كما كشفت منظمة اليونيسيف سابقا أنّ 60% من المصابين من فئة الذكور و 66% من المصابات من فئة الاناث  قد تعرضوا للوصم بسبب حملهم لفيروس نقص المناعة البشري.

من جهته اشار الدكتور كمون الى عملية الكشف عن الاصابة بالفيروس داخل المستشفيات وكل المراكز الطبية دون اخذ اذن من المتعايش.

يحيلنا كل ذلك الى مسألة في غاية من التعقيد، فبين المعاني والتصورات والمفاهيم المتداولة  حول فيروس نقص المناعة المكتسب وبين حقوق المتعايشين، يتحوّل هذا الفيروس الى آفة اجتماعية تخرج من صميمها ممارسات هي في قلب الاعتداء على حقوق الانسان، وهي انعكاس لوعي اجتماعي منهار، اذ تُنتهك حقوقهم في المستشفيات والمراكز الطبية دون أي اعتبار لحقهم في الكرامة او الصحة او الحفاظ على الخصوصية … فاذا كان الامر كذلك بالنسبة للطاقم الطبي والممرضين .. فكيف الحال لمن هم دون ذلك ؟

 هنا تكمن الصلة بين حقوق الانسان والمتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب، ومن هنا ايضا يزداد عدد المصابين ليناهز نسبا غير متوقعة، فانتهاك حقوقهم يحملهم نحول الانقطاع عن العلاج او عدم البدأ فيه من الاساس خوفا ممّا قد يلحقهم من عبارات صادمة ومؤذية، تجنّبا لسلوكات قد تحول بينهم وبين حقوقهم في الصحة وفي حماية معطياتهم الشخصية وغيرها من الحقوق التي لا تعد حكرا على غير المصابين، فطبيعة الفيروس لا تدعو لأي من التصنيفات البالية التي يقرها المجتمع التونسي حول المتعايشين مع الفيروس، ولعلّ سبب الذعر الذي يلحقهم  قد يكون ناجما عن ندرة البرامج التحسيسية والتناول الاعلامي لمسألة فيروس نقص المناعة البشري طيلة السنوات الماضية وانعدام التعريف بوسائل انتقاله والقدرة على التعايش به مما ادّى الى تكوين معتقدات مغلوطة رسخت في العقل الجمعي للتونسيين جعلت من هذا الفيروس ضمن المواضيع الطابوهية المثيرة للخوف والذعر، ممّا اثّر على المتعايشين وجعلهم يعيشون في سجن تصورات وهمية وخاطئة.

انتهاك للمعطيات الشخصية

“لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون اسرته أو بيته او مراسلاته، ولا لأي حملات قانونية تمس شرفه أو سمعته. من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس”. (من المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية لسنة 1966 والمصادق عليه من الدولة التونسية بموجب القانون عدد 30 لسنة 1968 ).

وقد نص دستور 1959 في مادته التاسعة على الحق في حماية الحياة الخاصة للفرد دون الاشارة لمصطلح “المعطيات الشخصية”، ولكن مع تنقيح  1 جوان سنة 2002 تمّ استعماله، وتنفيذا لهذه الحماية الدستورية  فقد صدر القانون الأساسي عدد 63 المؤرخ في 27 جويلية 2004 في فصله الأول والمتعلق بحماية المعطيات الشخصية بأنّ “لكل شخص الحق في حماية المعطيات الشخصية المتعلقة بحياته الخاصة باعتبارها من الحقوق الأساسية المضمونة بالدستور. لا يمكن ان تقع معالجتها إلاّ في اطار الشفافية والأمانة واحترام كرامة الإنسان ووفقا لمقتضيات هذا القانون”. وفيما يتعلّق بضوابط التعامل مع المعطيات الشخصية، فقد أشار الفصل 9 بأن “تتم معالجة المعطيات الشخصية في إطار احترام الذات البشرية والحياة الخاصة والحريات العامة. ويجب ان لا تمس معالجة المعطيات الشخصية مهما كان مصدرها أو شكلها بحقوق الأشخاص المحمية بموجب القوانين والتراتيب الجاري بها العمل ويحجر في كل الحالات استعمالها لغاية الإساءة إلى الأشخاص أو التشهير بهم”.

 طبقا لهذا القانون، يشير مصطلح “المعطيات الشخصية” الى كل البيانات مهما كان مصدرها أو شكلها والتي تجعل شخصا طبيعيا معرّفا أو قابلا للتعريف بطريقة مباشرة او غير مباشرة باستثناء المعلومات المتصلة بالحياة العامة أو المعتبرة كذلك قانونا.

نفس المبدأ أورده المشرع صلب الفصل 24 من دستور 27 جانفي لسنة 2014 والذي نص على ان “تحمي الدولة الحياة الخاصة، حرمة المسكن، وسرية المرسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية”.

كما نص عليه الفصل 30 من دستور 2022 بحيث “تحمي الدولة الحياة الخاصة وحرمة المسكن وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية”.

حزمة من النصوص القانونية المختلفة التي لا يمكن حصرها، من مواثيق وعهود واتفاقيات دولية ونصوص وطنية تمحورت حول حماية المعطيات الشخصية للأفراد وكيفية معالجتها وتحدديها لكافّة الضوابط والاطر المنظمة للعمليات المستوجبة للتعامل مع المعطيات الشخصية، الاّ أنّ الاعتداء على ابسط حق قد يتمتع به الفرد في الاحتفاظ بخصوصيته تمّ النيل منه تماما في ظلال  فيروس نقص المناعة المكتسب، فعلى كافة الاطر الطبية والصحية معرفة تعايشك مع الفيروس وتعريفك لبقية المرضى حتى يكون محتاطين من “العدوى” وحتى يتمّ تعقيم الادوات الطبية !

ومنه فانّ انتهاك المعطيات الشخصية للأفراد نابع تحديدا من التصورات الخاطئة التي تحوم حول كيفية انتقال الفيروس، لكن ماذا عن تعقيم الادوات الطبية؟ هل عمليّة التعقيم هي حكر على الادوات الطبية التي يستخدمها المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب فقط؟ وهل هي ضرورية فقط في حال استعمالها على المتعايشين مع الفيروس؟ يثير ذلك كثيرا من التساؤلات المريبة والتي تخفي اجوبتها تقصيرا واهمالا من العاملين في المؤسسات والمراكز الطبية يدفع ثمنه المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب بانتهاك خصوصياتهم، فالفيروس يموت مباشرة حال تعرضه لمواد التعقيم، بالتالي فانّ جعل المتعايش معرّفا او قابلا للتعريف لا مبرّر له وتواجده في مؤسسات العلاج لا يشكّل أي تهديد او خطر على حياة الاخر.

تخضع عمليات المعالجة للمعطيات الشخصية لتصريح مسبق يودع بمقر الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، والتي يتمثّل دورها في حماية كل المعطيات الخاصة بالأفراد والاشراف على مراقبة كافة البروتوكولات المتعلقة بها.

وذلك لا يعني ان كل أصناف المعطيات الشخصية قابلة للمعالجة على غرار المعطيات المتعلقة بالصحة، اذ يمنع الفصل 14 من القانون الأساسي عدد 63 لسنة 2004 معالجتها الا في حالات وردت على سبيل الحصر لا يمكن التّوسع فيها ولا يمكن ان تحول بأي شكل من الاشكال الى الحاق الضرر بحامل فيروس نقص المناعة المكتسب.

وتكتسي المعطيات الشخصية ذات الطابع الصحي اهمية خاصة، لذلك فقد خصّص لها المشرّع التونسي القسم 2 من الباب الخامس تحت عنوان “في معالجة المعطيات الشخصية المتعلقة بالصحة”، وضمانا للحفاظ على المعطيات الشخصية المتعلقة بالصحة فان عملية معالجة هذا الصنف من المعطيات لا تقتصر الا على الأطباء والاشخاص الخاضعين بحكم مهامهم الى واجب المحافظة على السر المهني.

ويعني الخرق تعرضهم لتطبيق الفصل 254 من المجلة الجزائية الذي ينص على أن “يعاقب بالسجن مدة سته أشهر وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا الأطباء والجرّاحون وغيرهم من أعوان الصحة والصيادلة والقوابل وغيرهم ممن هم مؤتمنون على الأسرار نظرا لحالتهم أو لوظيفتهم، الذين يفشون هذه الأسرار في غير الصور التي أوجب عليهم القانون فيها القيام بالوشاية أو رخص لهم فيها”.

ووفقا للقانون الاساسي لسنة 2004 فانه يترتب على المنتهكين للمعطيات الشخصية المتعلقة بالصحة عقوبة سجنية مدّتها عامين وخطية قدرها 10 آلاف دينارا لكل معالجة للمعطيات الصحية من قبل شخص ليس طبيبا وليس خاضعا بحكم مهامه الى واجب المحافظة على السر المهني.

وان كانت الانتهاكات في تصاعد ومعاناة المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب في تطوّر داخل مؤسسات يفترض انّ يتلقى داخلها الاحاطة النفسية فانه لا يمكن اعتبار انّ هذه القوانين ردعية او كافية لضمان حق المتعايشين في الحفاظ على معطياتهم الشخصية تجنّبا لما قد يلحقهم من وصم وتمييز داخل المؤسسات الصحية او بمنعهم من التمتع بحقهم في تلقي العلاج.

ضحايا الوصم الاجتماعي وليس فيروس المناعة المكتسب

قد يكون الوصم صفة ملازمة للمتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب في أماكن عديدة من العالم، لكن في المجتمعات الذكورية والتقليدية يكون الأمر أكثر حدة وألما لارتباط الفيروس بممارسات مرفوضة ثقافيا واجتماعيا.

أشارت وزارة الصحة الى انّ 1532 شخصا يتعالجون من فيروس نقص المناعة المكتسب خلال سنة 2021 بينهم 41 طفلا، رقما لم يكن متوافقا ولو بقدر ضئيل مع توقعات الصندوق العالمي لمكافحة السيدا الذي توقع وجود 5400 حالة خلال نفس الفترة، وقد تمّ تفسير ذلك بعزوف اغلب الحاملين للفيروس عن التبليغ بإصابتهم او تلقي العلاج تجنّبا لأذى الوصم الذي قد يلازمهم مدى حياتهم والذي تمتد تأثيراته الى رفض رعايتهم الصحية وتمتعهم بالسكن والشغل والتأمين على الحياة.

يعرّفُ الوصم بأنه التمييز أو التصنيف السلبي لشخص أو مجموعة أشخاص من خلال اطلاق مسميات أو الصاق اختلاف غير مرغوب فيه للفرد من جانب الآخرين يحول دون تقبّله اجتماعيا بسبب اختلافه الفعلي او دون ذلك، ويعود ذلك لجملة المعتقدات والافكار التي يمكن ان يستبطنها الافراد داخل المجتمع اتجاه هؤلاء الاشخاص  لوجود اختلاف في خصائصهم الجسدية أو العقلية أو النفسية أو الاجتماعية أو السلوكية، وغالبا ما يؤثر الوصم الاجتماعي على اندماج الافراد الموصومين ويمنعهم من التمتع  بحقوقهم  جرّاء الرفض او التمييز الذي يُقابلُون به في مختلف الوضعيات الاجتماعية التي قد يتواجدون ضمنها.

وليس المتعايش مع فيروس نقص المناعة البشري بمعزل عن الوصم الاجتماعي جرّاء عديد الاسباب، فغياب الوعي الاجتماعي بكيفية انتقال الفيروس يشكّل سببا رئيسيا في جعل المتعايشين في عزلة رغم توفّر كل المعلومات حوله، إذ أن هناك نسبة كبيرة من التونسيين لا تعي أن الفيروس وباء منقول وليس معدي ولا تدرك الفرق أساسا بين العدوى والانتقال..

تكمن مشكلة الوصم ايضا فيما قد يشكّله من عراقيل فعلية في الحد من انتشار فيروس نقص المناعة المكتسب من خلال خلق صعوبات كبيرة في الوصول الى الاشخاص الحاملين لفيروس نقص المناعة البشري لمنع تطوّر الفيروس لديهم ووقايتهم من الاصابة بفيروس نقص المناعة المكتسب، وتكون هذه الصعوبات ناجمة عن تفضيل هؤلاء الاشخاص العزلة تجنّبا للوصم.

بريق أمل وسط ظلام حالك

وسط ما قد ينهك المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب من غياب للوعي وجمود في التفكير تكتسيه عوامل ثقافية واجتماعية تحول بينهم وبين حقوقهم، هناك جهود متكاتفة من اجل انقاذهم واخراجهم من وحل الوصم والتمييز يلعب فيه المجتمع المدني دورا محوريا، من ذلك “الجمعية التونسية للوقاية الايجابية” التي وقع تأسيسها في ديسبمر 2014 ، وبفعل عملها وانشطتها المتواصلة تمكّنت اليوم الجمعية من ان تصبح رائدة في مجال الوقاية والدفاع عن حقوق الاشخاص المستهدفين بالوصم والتمييز بالولوج الى الصحة بما في ذلك المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب.

من بين العديد من الادوار المهمّة، تلعب “الجمعية التونسية للوقاية الايجابية” دورا محوريا يتمثّل في نشر الوعي وتثقيف الاشخاص حول الامراض المنقولة جنسيا منها فيروس نقص المناعة البشري وفيروس نقص المناعة المكتسب من خلال تنظيم ورشات تدريبية وتكوينية تستهدف الاعلاميين والصحفيين وعديد الجهات الاخرى التي لها القدرة على توعية المواطنين والمواطنات العاديين حول المفاهيم الغامضة بالنسبة لهم المتعلّقة بكيفية انتقال فيروس نقص المناعة المكتسب والتأثيرات السلبية التي يلحقها الوصم والتمييز ليس بالمتعايشين فقط بل بكامل المجتمع لما لها من دور في منع الحد من انتشار الفيروس من خلال عزوف الحاملين عن تلقي العلاج او الاعلان عن اصابتهم، فضلا عن ذلك فإنّ الجمعية وغيرها من الجمعيات الناشطة في هذا المجال، تعد صوتا انسانيا ومنفذا يجد من خلاله المتعايشين فجوة للتعبير عن معاناتهم وعجزهم وتمكينهم من ايجاد الحلول الكفيلة والمساهمة في اندماجهم وتحويلهم عن مسار الانقطاع عن العلاج وعدم المطالبة بحقوقهم.

وفي النهاية لا يسعنا القول سوى أنّنا مهما حاولنا وصف كامل معاناة الاشخاص الموصومين وخصوصا منهم المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب ستعجز أقلامنا عن ذلك فالالم الحقيقي لا يمكن ترجمته الى كلمات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق