الكاتب الصحفي اللبناني:القذّافيون ورصاصات ستيفاني وليامز
بيروت-لبنان-علي شندب05-12-2020
كلمات أشبه بطلقات الرصاص، تلك التي أطلقتها ستيفاني وليامز خلال الإجتماع الإفتراضي الثالث للجولة الثانية لملتقى الحوار السياسي الليبي الأربعاء الماضي. وقد بدت وليامز في خطابها التحذيري وكأنها تقتبس من خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التقريعي لمنظومة المال والسلطة والسلاح، التي أثقلت كاهل لبنان بالفساد وبالمحاصصات السياسية والطائفية، ما دفع الإقتصاد اللبناني إلى مزيد من التداعي وإلى انهيار خطير للوضع المالي والنقدي، وهو الإنهيار الذي يهدّد لبنان بالزوال كما كرر ماكرون ووزير خارجيته جان إيف لودريان.
خطاب ماكرون اللبناني، يتطابق مع ما رشقت به ستيفاني وليامز، أعضاء “ملتقى الحوار السياسي الليبي” بقولها “هناك فاعلون أجانب يتصرفون في ظل إفلات تام من العقاب، وهنالك جهات فاعلة محلية تنخرط في فساد مستشر واستغلال للمناصب لتحقيق منافع شخصية، وهناك سوء إدارة في الدولة، فيما يتزايد انعدام المساءلة ومشاكل حقوق الإنسان على أساس يومي، حيث تصلنا تقارير عن عمليات اختطاف واحتجاز تعسفي واغتيالات على أيدي التشكيلات المسلحة في جميع أنحاء البلاد”.
طلقة وليامز الأولى، كانت وبلهجة ليبية تحذيرية بعنوان “ديروا بالكم”.. في بلادكم 10 قواعد عسكرية تشغلها بشكل جزئي أو كلي قوات أجنبية، وفي بلادكم يوجد 20 ألفا من القوات الأجنبية أو المرتزقة، وهذا انتهاك مروّع للسيادة الليبية، وقد ترون أن هؤلاء الأجانب موجودون هنا كضيوف، لكنهم الآن يحتلون مانزلكم، وهذا انتهاك صارخ لحظر الأسلحة، وهم من يتسببون في تدفق السلاح إلى بلادكم، وبلادكم ليست بحاجة إلى مزيد من الأسلحة، ووجودهم في ليبيا ليس لمصلحتكم، بل هم في ليبيا لمصلحتهم.
ثاني طلقات وليامز، تمثلت بتكرار تحذيرها من تدهور الظروف الإجتماعية والإقتصادية وتوقعها وجود 1.3 مليون ليبي بحاجة إلى مساعدة إنسانية خلال الشهر المقبل، خصوصا في ظل نقص السيولة والإنخفاض الحاد في القدرة الشرائية للدينار الليبي. ويترافق ذلك مع تفاقم أزمة جائحة كورونا، ولديكم الآن ما يقرب من 94 ألف حالة في ليبيا، ونعتقد أن العدد الفعلي أعلى من ذلك، وهناك نقص رهيب في اختبارات الفيروس في البلاد.
طلقة وليامز الثالثة، حول معضلة الكهرباء وانقطاعاتها الطويلة بسبب الفساد الفظيع وسوء الإدارة في جميع أنحاء البلاد، فمن أصل 27 محطة تعمل 13 محطة كهربائية فقط، وذلك بسبب الإنقسامات في المؤسسات، وبسبب وباء الفساد وهذه الطبقة من الفاسدين المصمّمين على البقاء في السلطة.
رابع طلقات وليامز، تشديدها على أن في ليبيا أزمة حكم، وأفضل طريقة لمعالجة أزمة الحكم هي توحيد مؤسّساتكم، توحيد مصرفكم المركزي الذي يحتاج إلى عقد اجتماع مجلس إدارته لمعالجة أزمة سعر الصرف على الفور، وأن الحوار السياسي أفضى إلى تحديد موعد للإنتخابات، ومن الضروري إخضاع جميع المؤسسات المسؤولة عن إجراء الإنتخابات إلى المساءلة.
طلقة وليامز الأخيرة التي استهلت واختتمت بها صلياتها الحارقة، كانت “الوقت ليس في صالحكم”، وهي ذات العبارة التي سبق وكرّرها ماكرون والمجتمع العربي والدولي لساسة جمهورية الأشلاء اللبنانية.
فالفساد والمحاصصة وتقاسم السلطة، ونهب المال العام، وتغول الميليشيا على الدولة، أوبئة تفتك بجسد كل بلد تجتاحه سلطة موازية، وفي هذا يتشابه الوضع في ليبيا حد التطابق مع الأوضاع في لبنان والعراق.
بدون شك، فإن ستيفاني وليامز المبعوثة الأممية حاليا، والدبلوماسية الأميركية سابقا، تعرف أن الطبقة السياسية التي تدينها اليوم، هي نفسها الطبقة التي حملتها أساطيل الناتو عام 2011 إلى حكم ليبيا والتحكم فيها وبمواردها.
كما تعرف أن ما يجري في ليبيا هو نتاج سياسات وقرارات المنظمة والدولة اللتين مثلتهما وتمثلهما في ليبيا، وهي السياسات والقرارات الدولية التي أدّت إلى تقويض الدولة الليبية وتسليمها للميليشيات التي كانت جيش الناتو البري عام 2011، وهي نفسها الميليشيات التي دخلت على متن الدبابات الأميركية إلى العراق عام 2003 في تخادم خطير للغاية مع ميليشيات مسلحة وصمت بالإرهاب، ما ينسف ادعاءات الغرب بمحاربة هذا الإرهاب.
توازيا مع مضبطة اتهام ستيفاني وليامز، وطلقاتها الحارقة بحق الطبقة السياسية المتنفذة في كل ليبيا، فقد كان مثيرا للإهتمام، قرار لجنة الجزاءات بمجلس الأمن الدولي القاضي بالرفع المؤقت لحظر السفر عن ثلاثة أشخاص من أسرة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وهم زوجته صفية فركاش البرعصي، وابنته عائشة، وابنه البكر محمد.
وقد اعتبرت بعض المواقع المقربة من أسرة القذافي أن حكومة “الوفاق” حاولت كغيرها من الحكومات السابقة إعاقة وعرقلة هذه الجهود، أكدت أن الدور الحاسم في هذا القرار يعود إلى المبعوثة الأممّية بالإنابة ستيفاني ويليامز التي بذلت جهودا مضنية مع لجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا لرفع الحظر.
وفي ظل الكلام عن قرب تسليم ستيفاني وليامز دفة البعثة الأممية في ليبيا للبلغاري نيكولاي ملادينوف، لتعود الى مواقعها السابقة في الخارجية الأميركية، بدت جهود وليامز تجاه أسرة القذّافي بمثابة رماية بالذخيرة الحية.
وفيما أعلنت وزارة العدل بحكومة “الوفاق” ترحيبها وامتنانها لقرار لجنة الجزاءات بمجلس الأمن حول رفع منع السفر المؤقت عن القذافيين الثلاثة، لفتت إلى عدم ممانعتها من الرفع الكلي لاسم حرم القذافي صفية فركاش، في حين أن بيان وزراة خارجية “الوفاق” برئاسة محمد سيالة (الوزير السابق في النظام السابق ايضا) طالب لجنة الجزاءات بمجلس الأمن بالنظر مجدداً في الطلب المقدم لها، ليكون الإعفاء من تدابير حظر السفر مستقبلاً بشكل كامل للمواطنين الثلاث.
وبرغم أن قرار رفع الحظر لم يشمل أبناء القذافي الآخرين.. سيف الإسلام القذافي المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية بملف سياسي مغلف بثوب جنائي. وشقيقيه الساعدي المسجون لدى حكومة “الوفاق” في طرابلس، وهانيبعل المسجون لدى الحكومة اللبنانية في بيروت على خلفية اختفاء موسى الصدر ورفيقيه، فلا يمكن لأي عاقلين اعتبار قرار رفع الحظر عن بعض أسرة القذافي، منفصلا عن السياق السياسي الإشكالي والميداني العام الذي تتخبط وتختنق به ليبيا.
إنه السياق الذي شكل خطاب ستيفاني وليامز تشخصيا مرّا ومركزا له، وتشي ملامحه بتبدل قسري للرؤية حيال الواقع الليبي ومروحة مكوناته العامة.. تبدّل يفرضه إخفاق الأحصنة التي راهن عليها الغرب طويلا، إلى جانب تأشير وليامز على الطبقة السياسية واتهامها بالفساد وغيره، وتهديدها لمن يعرقل المسارات المتصلة المنفصلة بالعقوبات على قادة ميليشيات ومتنفذي ليبيا ومستجلبي المرتزقة إليها، وناهبي أموالها وثرواتها.
إنها العقوبات التي تستمر إدارة ترمب في فرضها على إيران وأذرعتها وتلوح حتى لحظاتها الأخيرة بفرضها على أكثر من 20 شخصية لبنانية وغيرهم. العقوبات التي أكثر من ذاق طعم تداعياتها وزير الطاقة والإتصالات والخارجية السابق ورئيس التيار الوطني الحر في لبنان جبران باسيل، إضافة إلى وزيري المالية والأشغال السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس.
وهي نفسها العقوبات التي يؤشر رفعها عن بعض أسرة القذافي إلى تمهيد الطريق لاحتمالية مرجحة لرفعها عن بقية القذّافيين والنظام السابق بوصفهم يمثلون المروحة الشعبية الأوسع على امتداد ليبيا، سيّما وأن ملتقى الحوار السياسي الليبي قد ضمّ ممثلين عن “الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا” التي يقودها سيف الإسلام القذّافي.
إنه “التمثيل” الذي يشي بتسليم القوى الإقليمية والدولية، بأن استعاة التوازن النفسي والإجتماعي والقبائلي في ليبيا، ينبغي وبالضرورة أن يمر بأنصار النظام السابق، الذين باتوا وبفعل ثقلهم وامتدادهم الشعبي وبرغم بعض التشرذم في صفوفهم، محل استقطاب الأطراف المتنفذة في المشهد الليبي، وهذا ما عبّرت عنه رصاصات ستيفاني وليامز، واللغة الجديدة في بيان وزراة الخارجية بحكومة “الوفاق”.