الانقلاب في النيجر والتحشيد في الجنوب الليبي والمنطقة على فوهة بركان
اعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية
عقدت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” قمة طارئة، في العاصمة النيجيرية أبوجا في 30 جويلية 2023؛ واصدرت بيانا أمهلت فيه قادة الانقلاب العسكري أسبوعا واحدا لإعادة “محمد بازوم” إلى السلطة، وإلا فرضت عليهم عقوبات كما فعلت سابقا مع جمهورية مالي وبوركينافاسو، فضلاً عن التلويح باستخدام القوة لإنهاء الانقلاب، وهذا الأمر مستبعد جدا فاقسى ما تفعله هو عقوبات اقتصادية والعسكريون الذين قاموا بالانقلاب يدركون ذلك جيدا.
هذه الأحداث، وتطورها، من شأنها المساهمة في تعقيد الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ليس في داخل النيجر فقط، ولكن في المحيط الجغرافي لها عموماً، وفي منطقة الجنوب الليبي بشكل خاص، خاصة أن الرئيس بازوم ينحدر من قبيلة “أولاد سليمان” الليبية وكذلك هذا السيناريو مستبعد جدا سيناريو “الانتماء القبلي”.
ولكن الانقلاب قد زعزع “حكام الغرب الليبي” وذلك للدور الذي لعبه “محمد بازوم” لدعم حكومة الدبيبة، وهذا لاحظناه في سرعة ردة فعل المسئولين الليبيين إلى المسارعة بإبداء مواقف منددة به، على غرار رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الذي أدان الانقلاب، الذي يهدف، في رؤيته، إلى تغيير غير دستوري للنظام في النيجر، واصفاً إياه بأنه “عملية خارجة عن القانون والشرعية”.
كما دعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة عبر حسابه على موقع “تويتر” إلى “وضع حد فوري لهذه التحركات العسكرية، التي تُقوِّض أمن المنطقة واستقرارها”.
يمكن القول إن أحداث النيجر ستكون لها تداعيات سلبية على الداخل الليبي وخاصة الجنوب الذي سيكون قاعدة انظلاق “تسنامي المنطقة”:
قد يؤدي الانقلاب في النيجر إلى حالة من عدم الاستقرار مع دول الجوار وخاصة مع ليبيا وفي الجنوب بالتحديد، خاصة في ظل الاحتمال القوي بتعرضها لجملة من التحديات الداخلية، والضغوط الإقليمية والدولية، بما يُفاقم من الاضطرابات السياسية والأمنية. وفي هذه الحالة، لن يتوقف الأمر عند حدود النيجر، ولكن ستمتد تأثيراته على الصعيد الإقليمي، سواء على مستوى منطقة الساحل الأفريقي، أو على مستوى الجنوب الليبي الذي يعتبر “منطقة هشة” أمنياً بين ليبيا وجارتها الجنوبية.
كل المؤشرات تقول أن الحدود المشتركة بين النيجر وليبيا ستتحوّل إلى ساحة للتنافس بين العديد من القوى الدولية، لا سيما فرنسا-المدعومة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية-والتي سارعت بدورها إلى اتخاذ مواقف منددة بالانقلاب، محذرة في الوقت نفسه من أى مساس بمصالحها، وهو ما رد عليه القادة العسكريين بتعليق صادرات اليورانيوم والذهب إليها، وبين روسيا، التي ربما تحاول استغلال ما حدث في النيجر، من أجل تعزيز قدرتها على إدارة التصعيد مع الدول الغربية، عبر مجموعة “فاغنر”.
ما سيحصل بعد الانقلاب يمكن أن يؤدي إلى إرباك التوازنات العرقية داخل ليبيا، خاصة أن القبائل الداعمة للرئيس بازوم، ربما تتجه إلى الانتقال إلى داخل الحدود الليبية وإدارة الصراع المحتمل مع قادة الانقلاب انطلاقاً من تلك الحدود ليصبح الجنوب الليبي مستقر للمتمردين مثلهم مثل متمردي التشاد فكل القوى المتمردة والمسلحة بدأت تتجمع في الجنوب الليبي، كذلك التحاق عناصر تنتمي إلى قبائل من دارفور إلى داخل الحدود الليبية، بشكل يمكن أن يساهم في تحول الجنوب الليبي إلى ما يمكن تسميته بـ”حاضنة” لكيانات عرقية من السودان والنيجر والتشاد.
احتمال تزايد تفاقم الهجرة في حالة اتجاه دول “إيكواس” وفرنسا إلى التدخل عسكرياً في النيجر، على نحو سوف يدفع الآلاف إلى محاولة النزوح من مناطق الصراع إلى مناطق أخرى في الداخل، واللجوء إلى دول الجوار، ومنها ليبيا، وربما الانتقال منها إلى بعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها إيطاليا، التي تبذل جهوداً حثيثة من أجل وقف محاولات الهجرة غير الشرعية إليها، لا سيما عبر ليبيا وتونس.
ستستغل التنظيمات الإرهابية، لا سيما تنظيم “القاعدة” و”داعش”، استغلال الاضطرابات الأمنية التي سوف تشهدها النيجر من أجل توسيع نطاق نشاطها في دول المنطقة ككل وسيكون الجنوب الليبي أهم “مستنقع” تتعايش فيه، وتحويلها إلى نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات في دول الجوار، خاصة في ظل الحدود السائلة بين هذه الدول، خاصة بين النيجر وكل من مالي وبوركينافاسو وتشاد، إلى جانب ليبيا.
الخلاصة:
فرنسا في مأزق كبير وتحاول أن تزج بالمنظمات الافريقية الى مستنقع الحرب والعنف المسلح من خلال تصعيد حدّة الضغوط وكذلك عبر جنودها المتواجدين داخل النيجر “برخان” الذي يتجاوز عددهم 2000، أو من خلال فرض عقوبات قوية بالتنسيق مع الدول الغربية الأخرى، على نحو يؤشر إلى أن الانقلاب سوف يواجه اختبارات صعبة خلال المرحلة القادمة، وبما سيجعل منطقة الساحل عموماً، ومنطقة الحدود المشتركة مع النيجر، وفي مقدمتها الحدود مع ليبيا، أكثر اضطراباً، خاصة في حال اتجاه القوات الموالية للرئيس المعزول محمد بازوم، بحكم الامتداد العرقي، نحو الجنوب الليبي، وهو ما يوحي في النهاية بأن الأزمة في النيجر ممتدة وستفرض ارتدادات إقليمية مباشرة على كامل الدول الاقليمية من دول الساحل والغرب وشمال افريقيا.