آسياأخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات

الاستراتيجية الصّينية ” الحزام و الطريق ” وعلاقته بالجزائر

اعداد: صبرين العجرودي

تلعب الصّين دورا هامّا للغاية في القارة الإفريقية، إذ تُعتبرُ موردا حيويا لا يمكن لأي قوّة صاعدة أن لا تأخذه بعين الاعتبار، و هو الطّريق الذي تسلكه الصّين منذ عقود و من خلاله حقّقت جزءا هامّا من قوّتها الإقتصاديّة، في هذا الإطار تمثّل مبادرة الحزام و الطريق استراتيجية من بين الكثير من الإستراتيجيات المعتمدة لتحقيق قوّة اقتصادة عظمى على المستوى العالمي و هو ما تسعى إليه الصّين جاهدة حتى تحتل المرتبة الأولى عالميا، وتمثّل الجزائر منطلقا هامّا لتحقيق هذا المشروع الصيني نظرا لإكتسابها العديد من المزايا.

استراتيجيّة ” الحزام و الطّريق “

تسعى الصين لتحقيق مزيد من الإزدهار الإقتصادي للبروز كقوّة عالميّة عظمى، تُعتبرُ مبادرة ” الحزام و الطريق ” من الإستراتيجيّات الهامّة التّي تبذل الصّين كل ما في وسعها لتحقيقها لما لها من تأثيرات إيجابيّة قي تحقيق اهدافها  و قد انطلقت فكرة إحياء مشروع طريق الحرير الجديد منذ عام 2013 و أطلق على هذا الإسم “الحزام و الطريق “.

ويُعتبرُ هذا المشروع منطلقا للإنفتاح الإقتصادي الصّيني مع الإقتصاد الدّولي و ذلك من خلال القيام بشبكة طرقات للتنّقل قصد تعزيز  العلاقات التّجاريّة و توسيع مجال التّعاون بين البلدان المشاركة فيه.

ويضمُّ مشروع  ” حزام واحد .. طريق واحد ” 126 دولة حيث تمّ في الغرض توقيع 173 وثيقة تعاون و يناهز قيمة إجمالي التّجارة بين الصّين و الدّول المشاركة في المشروع 6 تريليونات دولار.

وتعود التّسمية ” حزام واحد .. طريق واحد ” إلى كون المشروع يرتكز على بناء ممرّات بحرية و طرق برّية و باستبدال الطّرق التقليدية  لتسهيل التّعاملات التّجارية و الإستثمارات فضلا عن ربط الإقتصاد الصّيني بالاقتصادات الأخرى و هو ما يساعدها تحديدا في الوصول إلى أسواق جديدة، اتساع نفوذها الجيوسياسي، زيادة استثماراتها الخاريجية و يؤدي كلّ ذلك إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام.

وقد جاء التّركيز الصّيني من اجل تحقيق هذا المشروع على منطقة الشّرق الأوسط بالتّحديد نظرا لموقعه الإستراتيجي بين الثلاث قارّات : آسيا، أوروبا، إفريقيا حيث تسعى المبادرة للرّبط فيما بينها.
 تُعتبرُ هذه الإستراتيجية من أضخم المبادرات حيث انّها على خلاف المجال الإقتصادي تشمل عدّة مجالات اخرى كالمجال العسكري والسّياسي والديبلوماسي  والتكنولوجي.

الجانب العسكري و استراتيجيّة ” عقد اللؤلؤ ” :

تركيز جملة من القواعد البحرية من خلال السيطرة على عدد من الموانئ والمرافئ والقواعد العسكرية وتُمكّنها من ذلك العلاقات التّي تبنيها مع دول الجوار، و تمتد هذه المنشآت من المجال الجغرافي المحيط بها وصولا إلى المناطق المعنيّة بإنتاج الطّاقة في الشّرق الأوسط.

الجانب التّكنولوجي :

يعتبر هذا الجانب فريدا من نوعه، كونه قائم على توظيف التّطور التّكنولوجي في شبكة الطّرقات الرّابطة بين الدّول المشاركة في المشروع  و ذلك من خلال ” طريق الحرير الرّقمي ” الذي يقوم ياستخدام القطاعات الرّقمية و الإتصالات و بناء بنية تحتية خاصة بالانترنات و التّجارة الإلكترونية.

تُساهم هذه الإستراتيجيّة  التّكنولوجية في إضفاء سمة جديدة على الأسواق التّجارية للدول المتعاملة  مع الصّين وتوفّر لها فرصة هامّة في نمو التّجارة الإلكترونية.

كما ترى الصّين أنّ مبادرة ” الحزام و الطّريق ” ستعود بالمنفعة على جميع الأطراف الدّاخلة في المشروع، إذ انّها ستعزّز الوحدة الإقتصاديّة بين مختلف الأقاليم الإفريقيّة، وقد استشرفت  دراسة كانت قد قامت لجنة الأمم المتّحدة الإقتصاديّة لإفريقيا بتمويلها، وأنّ مشاريع البرنامج الصّيني سيساهم في ترفيع صادرات شرق إفريقيا إلى ما يُناهز 192مليون دولار سنويا .

و الجدير بالذّكر، أنّ التّعامل بين الصّين والقارة الإفريقيّة ليس فكرة برزت مع السّعي لتحقيق هذا المشروع، فالعلاقات بينهما قديمة والتّعاملات التّجارية ليست بالجديدة على الطّرفين، لكن مشاركة إفريقيا ستعزّز التّحالف مع الصّين وستساهم بقدر كبير في تحقيق الإستفادة لها نظرا لموقعها في منطقة بحريّة وهو ما سيدعّم المشروع والحضور الصّيني في المنطقة.

من جهة اخرى، لا تركّز الصّين على الجانب الإقتصادي فقط في تعاملها مع القارة الإفريقية، إذ لا يمكنّها ذلك من تحقيق اهدافها بالشكل الذّي تحبّذه نظرا لعدم استقرار الوضع الأمني في المنطقة  و يعتبر عقبة أمام تنفيذ مشاريعها، لذلك فإنّ الصين تعتمد على الجانب العسكري لحماية مصالحها، وبالتّالي فإنّ الخطّة الصّينية تعتمد على جانبين رئيسيين تنعدم الأولى بانعدام الثاّنية و هوما الجانب الإقتصادي الذي يحميه و يضمن حسن سيره الجانب العسكري، فعلى رغم ما تملكه إفريقيا من ثروات وموارد حيويّة إلاّ أنّ أوضاعها لا تسمح بجذب الإستثمارات والمشاريع ما لم يتمّ توفير حماية لها . في هذا الاطار يعتمد مشروع ” طريق واحد .. حزام واحد ” على شمال إفريقيا وتتعدّد مجالات التّعامل مع هذه المنطقة لتشمل الجانب الإقتصادي والثقافي والدّيبلوماسي والدّفاعي .

الجزائر و مبادرة ” الحزام و الطّريق “

تاريخ العلاقات الصّينيّة الجزائريّة

تمثّل الجزائر كدولة واقعة في شمال القارة الإفريقية أحد المناطق الهامّة التي تتعامل معها الصّين منذ تاريخ تأسيسها كدولة مستقلة، حيث قامت ببناء علاقات معترف بها بصفة رسمية بينها وبين جبهة التّحرير الوطنيّة الجزائريّة، و قد تمتّعت الجزائر بالكثير من الدعم من الصين، حيث كانت العلاقات منسجمة و كان ذلك تحديدا منذ 20 ديسمبر 1958 تاريخ انطلاق العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، كما مثّلت الصّين أوّل الدّول الأجنبية المعترفة بالدّولة الجزائريّة إثر حصولها على استقلالها عام 1962 .

و مع مرور عديد السّنوات، لم تشهد هذه العلاقات بين الطّرفين ضعفا، بل كان عام 2014 الإنطلاقة الرّسمية للعمل على الإستثمارات و المشاريع، حيث تمكّنت الصّين من تكوين شركات حتّى أنّ البنية التّحتية للجزائر أصبحت مجالا للمنشآت الصّينية وبذلك بلغ الإستثمار الصّيني في الجزائر 6% من إجمالي الإستثمار في القارة الإفريقية بأكملها.

أشار تقرير صادر عن المركز الجزائري للإعلام والإحصاء التّابع للجمارك أنّه في عام 2018 تصدّرت الصّين المرتبة الأولى في قائمة الدّول المصدّرة للجزائر بقيمة 5.520 مليار دولار سنويا، و نتيجة لذلك فإنّ الصّين شكّلت شريك تجاري أساسي للجزائر.

دخلت الجزائر في الشراكة فعليا في مبادرة الحزام و الطّريق في 4 جويلية عام 2014 و قد انطلقت في ذلك من خلال توقيعها اتفاقية للتعاون الإقتصادي  والتقني مع الوكالة الصّينيّة للتّعاون الدّولي من أجل التنمية، في هذا الغرض صرّح سفير الصين أنّ المشروع ستكون له إيجابيات مختلفة على كلا الطّرفين نظرا في أنّ التعاون سيشمل ميادين ثقافيّة رياضيّة وسياحيّة أيضا ولن يقتصر فقط على التّبادلات التّجارية وذلك سيعزّز قوّة الشّراكة فيما بينهما.

أسباب سعي الصين لتمتين العلاقة مع الجزائر :

1- الجزائر تعتبر موردا هامّا للنفط والغاز إلى أوروبا وهي منطقة ذات وزن اقتصادي وأمني في شمال إفريقيا كما تتمتع بالثقل العسكري الأهم داخل القارة الإفريقية، وما يجذب الصين أنّ الجزائر تفتح لها الطّريق للوصول إلى بقيّة مناطق القارّة، إذ تعمل بكين قدر المستطاع حتى تغزو سلعها القارة السمراء  تخفيض قيمة سلعها حقق لها ما تريد.

2- و وفق تصريحات الخبير الإقتصادي ” بوزيان مهماه ” تُعتبر الجزائر ذات موقع استراتيجي هام للغاية من خلال ميناءي الحمدانية و بجاية حيث أنّهما سيمثلان نقطة ربط مهمة داخل إفريقيا انطلاقا من غربها وصولا شمالها أي بين الجانبين البري و البحري وهو ما سيعزز بصفة رئيسية التعاملات التجارية.

3- ويعتبر ميناء الحمدانية أيضا نقطة ربط بين الجزائر وجنوب وشرق آسيا والأمريكيتين وإفريقيا ، وبالتالي إعادة إحياء ” طريق الحريري الجديد ” سيكون مرتكزا بالأساس على هذا الميناء الجزائري الذي سيساهم في تنمية التجارة الوطنية بحريا و إقليميا.

4- ويشير الأستاذ مبروك كاهي من قسم العلوم السياسية في جامعة ورقلة ” الجزائر تملك الساحل الأكبر في غرب المتوسط و توجد فيها منطقة اقتصادية وفق القانون البحري الدولي الجديد، هي الأكبر في غرب المتوسط. الجزائر بوابة حقيقية باتجاه منطقة غرب إفريقيا، حيث لها حدود جنوبية شاسعة، و ستكون منصة حقيقية تنطلق منها الصين لغزو الأسواق الإفريقية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق