أخبار العالمأنشطة المركزبحوث ودراسات

الأهمية الجيو-استراتجية لمنطقة شمال إفريقيا و الساحل و الصحراء و صراع الأقطاب العالمية

هذه المحاضرة ألقتها الدكتور بدرة قعلول رئيسة المركز الدول للدراسات الأمنية والعسكرية بتونس خلال الملتقى الإقليمي عن بعد حول: قضايا التمدّد الإرهابي في المنطقة ومستقبلها في ظلّ توافق الجماعات التكفيرية.

يقول الأمريكي أستاذ الدراسات الأفريقية هربرتسبيروH.Spiro حول أهمية القارة الأفريقية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية “إن الهجمة الأمريكية تستدعيها الضرورات العسكرية والاقتصادية والسياسية لملء الفراغ الذي حدث في هذه القارة بعد خروج الدول الاستعمارية الأوروبية، وأن على الولايات المتحدة أن تضع أيديها على قواعدها العسكرية، وأن تقوم بحماية المصالح الأمريكية في الدول الأفريقية، ولضمان توفير المواد الخام والوصول إلى الأسواق في أفريقيا”.

إذا تعد منطقة شمال إفريقيا من أهم المناطق الجغرافية و الإستراتجية في العالم لما لها من مقومات كبيرة من أهمها موقعها الجغرافي الذي يقع بين المحيط الهادي و البحر الأبيض المتوسط و حوض النيل و مضيق جبل طارق و قناة السويس، كذلك أهميتها الطاقية و الموارد الطبيعية الكبرى و خاصة الغاز الطبيعي و الأورانيوم و المعادن بمختلف أنواعها، و كذلك الموارد البشرية الشابة التي تعتبر من أهم الموارد التي تثير أطماع الجانب الأوربي و الأمريكي و القوى الدولية الطامعة.

المنطقة أصبحت مركزا الصراعات الدولية و الإقليمية و التي جعلت من الدول الغربية و الأقطاب العالمية الكبرى محل مخططاتهم الإستراتجية و صراعاتهم.

كما أن منطقة شمال إفريقيا تعتبر قلب المتوسط و لها أهمية جيواستراتجية و ذلك لتأثيرها الكبير على التجارة و المواصلات البحرية خاصة، لهذا أصبح التنافس كبير و على أشده بين القوى الكبرى الطامعة و صاحبة المصلحة و النفوذ، بهذا أصبحت المنطقة الإقليمية تحتل موقعا أوليا و هاما في الاستراتجيات الكونية للقوى العظمى.

فمنذ نشأة الاتحاد الأوربي بدأت الصراعات و الجدل الفكري حول ارتباط هذه المنطقة تاريخيا و جغرافيا بأوربا و مراكز النفوذ الأمريكي كذلك القطب الروسي الصيني داخل دائرة التنافس حول المنطقة فكل هذه المقومات تجعل من إفريقيا تحتل مركزا عالميا متميزا.

و من هذا المنطلق تنافست القوى الدولية العظمى و القوى الإقليمية على المدخل الرسمي للقارة، فأولت استراتيجياتها أهمية كبيرة للبحر الأبيض المتوسط لمكانته الهامة ولوضعه الجيوستراتيجي المتميز وتأثيره على التجارة والمواصلات العالمية.

كما تعتبر منطقة شمال إفريقيا لها أهمية جيواستراتيجية، خاصة من منظور القوى العظمى الطامعة فيها وصاحبة المصلحة والنفوذ، وجاء ذلك على اثر التحولات الكبرى الذي يشهده النظام العالمي الجديد، لتصبح لمنطقة شمال إفريقيا و منطقة الغرب الافريقي موقعا أوليا وهاما في الاستراتيجيات العالمية وللقوى الدولية.
التنافس الأمريكي/ الأوروبي على منطقة شمال إفريقيا و منظقة الساحل و الصحراء الافريقية.

بدأت الولايات المتحدة تجهر بمواقف سياسية مزاحمة للسياسة الفرنسية في المنطقة الاقليمية من شمال أفريقيا إلى الغرب الإفريقي و بدأت فرنسا تدرك أن النظم السياسية في المنطقة باتت حريصة على تمتين علاقاتها بالإدارة الأمريكية وعلى أخذ مواقف واشنطن في الاعتبار عند وضع سياستها الخارجية و حتى الداخلية.

لقد اختلفت الاستراتيجيات التي اتبعتها كل قوة عالمية أو إقليمية في التعامل مع دول المنطقة، فالولايات المتحدة الأمريكية تحبذ التعاون مع الدول الإفريقية على نحو متمايز ككيانات منفصلة و مشتتة و متصارعة، وليست ككتلة واحدة متماسكة بل إنها تحبّذ هذا الانفصال و الصراعات بينها، و نفس الشيء و الإستراتجية عند البلدان الاوربية في تعاملها مع هذه الدول.

وبالتالي فالمصالح هي المحرك الرئيسي لتعامل القوى الإقليمية حيال أي تطورات تجتاح المنطقة، وكلما تلاقت مصالح تلك القوى، كلما تعاظمت فرص التنسيق والتعاون فيما بينها، وكلما تناقضت هذه المصالح، فإن التنافس سيكون هو سيد الموقف، وتختلف مستويات هذا التنافس حسب نجاح أو إخفاق تلك القوى المتنافسة في تقنين تلك المنافسة.

و التحركات الفرنسية جاءت بعد إدراكها أن الاستراتيجية الحالية لواشنطن تهدف إلى احتلال مراكز نفوذها والتمركز على طول الضفة الجنوبية للبحر المتوسط من المغرب إلى مصر مرورا بالجزائر وتونس، ولكي تحقق ذلك جندت الإدارة الأمريكية كل ما لديها من وسائل لاستدراج كل دول هذه المنطقة لتذليل مشاكلها وسد حاجياتها المختلفة لقطع روابطها القديمة مع أوروبا وفرنسا خاصة، كما أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى إنهاء كل النزاعات المحلية، وفي مقدمتها قضية الصحراء الغربية لتأليف مجموعة جغرافية تميل إلى أمريكا و تتخلى عن فرنسا و هي قد نجحت إلى حد بعيد خاصة بعد الثورات العربية اين عملت الادارة الامريكية على زرع ذراعها السياسي الاخواني الذي يعتبر حليفها الاساسي..

و قد طوقت و حاصرت الشريكات الاقتصادية الأمريكية الشراكة الأورومتوسطية بكل أبعادها، و أصبح لها مجالا واسعا للاستثمارات الأمريكية، و هي الآن تسعى إلى تطويرها بشتى الوسائل و الطرق لأنها تعتبرها منطقة تعويضية بكل ما تواجهه الإستراتيجية الأمريكية من انعكاسات في المستقبل في مناطق أخرى، لذلك تمثل دول هذه المنطقة سوقا احتياطية
وتتلخص الأهداف الامريكية في المنطقة كالتالي :

  • ربط علاقات كبرى للولايات المتحدة مع دول شمال إفريقيا و منطقة دول الساحل و الصحراء
    في أهم الميادين التجارية والاستثمارية.
  • إعطاء دور مركزي للقطاع الخاص في مشروع الشراكة المقترح.

منطقة غرب أفريقيا و أهميتها الإستراتجية:

تمتاز منطقة الغرب الإفريقي و هي بيت القصيد بالنسبة للأمريكان و الأوربيين بخصائص مهمة مما يضفي عليها أهمية إستراتيجية وعسكرية واقتصادية وسياسية و هي كالتالي :

  • الأهمية الإستراتيجية والعسكرية: تعتبر منطقة غرب أفريقيا من أقرب المناطق إلى الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية والجنوبية، وقد قدر الخبراء العسكريون بإمكانية وقوع أي هجوم من خلال الغرب الأفريقي، وتهدف هذه الجبهة إلى احتلال غرب القارة الافريقية لتكون المكان القريب للهجوم على السواحل الأمريكية سواء كان ذلك بالصواريخ الموجهة أو بتحميل الجنود والمشاة على البواخر إذا أريد احتلال عسكري لأراضي الولايات المتحدة أو دول أمريكا اللاتينية، هذا بالإضافة إلى الاستيلاء على ثروات المنطقة البشرية والمعدنية والزراعية وحرمان دول أوربا و خاصة فرنسا منها، كما لا ننسى أنها تمثل لدول أوربا عمقًا استراتيجيًا للدفاع فهي نقطة التقاء المواصلات الجوية والبحرية بين أوروبا وبعض دول أمريكا الشمالية والجنوبية، حيث تلتقي في داكار والدار البيضاء أغلب البواخر والطائرات التي تربط القارات الثلاث.
  • ولذلك كانت و لا تزال دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية يحاولون بسط نفوذهما على المنطقة الغربية الأفريقية لضمان مزيد من مصادر المواد الخام و الطاقية و الطبيعية وضمان بقاء أسواقها مفتوحة لتوزيع منتجاتها، كذلك رءوس الأموال الأوروبية والأمريكية الكبرى التي تجد في البلاد الأفريقية مجالًا كبيرا للاستثمار لتجني أموالا طائل.

  • فالدول الغربية و أمريكا يركزون كل جهودهم لاستقطاب الدول الأفريقية بالإضافة إلى أنهما تحاولان أن تبقى تلك الدول منطقة الساحل و الصحراء تحت السيطرة وعلى ذلك فهي تستهدف من سياستها الاقتصادية تجاه القارة الأفريقية، استمرار تدفق موارد الدول الأفريقية واستنزاف مصادر ثرواتها وإمكانياتها المختلفة.
    و من الآليات التمكن من المنطقة الغربية خاصة تستعمل الولايات المتحدة سياسة تقديم المساعدات الاقتصادية والفنية لشعوب المنطقة علاوة على نصيب القارة الأفريقية من برامج المساعدات الخارجية، كوسيلة للحفاظ على نفوذها لدى تلك الشعوب، وأن كثرة الاهتمام و المساعدات في الفترة الأخيرة ليعكس مدى اهتمام الولايات المتحدة بالقارة الأفريقية.

أهمية دول منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية

وتُعد منطقة الساحل و الصحراء الإفريقي كذلك من أهم المناطق التي أصبحت تشهد في السنوات الأخيرة حراكاً سياسياً دولياً متصاعداً و اهتماما كبيرا لدى القوى الدولية و الإقليمية، وذلك بسبب انتشار المجموعات الإرهابية والتهديدات الأمنية العابرة للحدود، بحسب المنظور الأمريكي، ومن أبرزها تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، وتزداد هذه الوضعية تعقيداً مع تنامي نشاطات الجريمة المنظمة بكلّ أنواعها، كتهريب المخدرات والأسلحة و الاتجار بالبشر…

فالساحل الإفريقي قد طغى عليه منطق الرهانات التنافسية على مناطق النفوذ الاقتصادي إذ لا يمكن حصر اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الأوربية و الصين بتطورات الأوضاع في منطقة الساحل الإفريقي بفعل الدواعي الأمنية فحسب، بل الأمر يتعدى ذلك إلى دواع جيو-اقتصادية لها صلة مباشرة بالتنافس فيما بين القوى الكبرى من أجل السيطرة و الظفر بعدد من الاحتياطيات البترولية والغازية والمعدنية.

فالمنطقة تمثل آفاق جيواستراتيجي واعد، خصوصاً في ظلّ التنافس الدولي على مصادر الطاقة، كما وجب الإشارة إلى أنّ حجّة مكافحة الإرهاب لا تمثّل سوى غطاء لبسط نفوذها على مختلف مصادر البترول وممراته في المنطقة، وهو ما يعني أمننتها، خصوصاً بعد الاستكشافات المهمة المحققة بمنطقة (غرب إفريقيا) والمتاخمة لجنوب الساحل الإفريقي، وبالتحديد في (خليج غينيا)، وهي المنطقة التي توصف مجازاً (بالخليج الإفريقي) لغناها بالبترول، ولما تمثّله من مصادر بديلة في ظلّ نقص إمدادات الطاقة العالمية، وتزايد الطلب عليها، خصوصاً في ظلّ الاضطرابات في الشرق الأوسط، وارتفاع فاتورة استيراده من هذه المناطق البعيدة جغرافياً.
الخوف من التمدد الصيني في المنطقة الاقليمية الافريقية.


بالرغم من الأهداف المعلنة من الحضور العسكري الأمريكي المكثف في منطقة الساحل الإفريقي يرى الخبراء إلى أنّ هناك دوافع تقف وراء هذا الوجود الأمني والعسكري، ومن أهم هذه الدوافع الصعود الصيني المتنامي في القارة الإفريقية، وما يمثله من تحدٍّ اقتصادي واستراتيجي في ميزان القوى العالمي، وهو ما أكده التقرير الصادر في نوفمبر 2008 من طرف مجلس الاستعلامات الأمريكية الخاص بالتوجهات العالمية الكبرى في آفاق 2025- من أنّ القوة الأمريكية لن تكون الوحيدة، مع احتمال تراجعها في سنة 2040م.


وفي هذا الإطار نشير إلى أنّ قيادة (أفريكوم) لم يتم إنشاؤها لمكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي وتأمين موارد النفط وحسب، ولكن أيضاً تحسباً للوجود الصيني في القارة، وذلك بالنظر إلى جهود بكين المتزايدة في سبيل توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي في جميع أنحاء القارة السمراء، وخصوصاً بعد زيارة الرئيس الصيني الأسبق Hu Jin Tao لهذه الأخيرة، ولقائه رؤساء الدول الإفريقية، و كذلك سعي الرئيس الصيني الحالي للتمدد من خلال مشروع طريق الحرير الذي أصبح يزعج كثيرا أمريكا بل أصبح يشكّل تهديداً على الأمن القومي الأمريكي ومصالح واشنطن حسب تعبيرهم و بذلك سعت إلى وضع استراتيجية لمواجهة جهود الصين وإحباطها في إفريقيا من خلال قيادة أفريكوم.

الخاتمة


تواجه المنطقة الاقليمية : شمال افريقيا و منطقة الساحل و الغرب الإفريقي مجموعة من التحديات الأمنية المترابطة فيما بينها، في مقدمتها الارتباط الوثيق بين الصراعات الداخلية في دول الساحل الإفريقي، وامتلاك هذه الأخيرة للموارد الأولية، وهو ما يظهر جلياً في عديد الحالات، على غرار تمرد الطوارق للمطالبة بتوزيع عادل للثروات والاستفادة من عائدات اليورانيوم في النيجر، وفي نيجيريا أدت الموارد النفطية دوراً مغذياً للصراع، فقد شهدت منطقة (دلتا النيجر) أعنف الصراعات وأشدها دموية.

كذلك في السودان فالوضع كان أشدّ خطورة، فقد قامت السلطات الأمريكية وشراكاتها تحت غطاء الدواعي الأمنية إلى تشجيع المتمردين وتمويلهم في جنوب السودان، الأمر الذي كبّد السودان حرباً انفصالية قسمته إلى دولتين، فضلاً عن مآسي إنسانية تمثلت فيما يربو عن (مليوني نسمة) راحت ضحية هذا الصراع و هذا حسب تقارير استخبارتية سودانية و امريكية، البيت الابيض هو من زرع الفتنة و الانفصال و الحرب الاهلية في السودان للسيطرة عليها.

كذلك دولة تشاد كانت تداعيات الصراع والتنافس على الموارد كارثية وجسيمة على حقوق الإنسان، وصولاً إلى مالي، فإنّ الأزمة الأخيرة كشفت عن حقيقة نواياالقوى الكبرى في صراعها على خيرات هذه المنطقة وبسط نفوذها عليها في ثوب استعماري جديد، بدت عواقبه وخيمة على شعوب القارة الإفريقية ومستقبلها

وفيما يتعلق بمستقبل المنطقة الاقليمية للساحل الإفريقي في ظل الأمننة الأمريكية المتزايدة، فهناك سيناريوهان رسمتهما أمريكا ضمن خطتها المستقبلية للهيمنة على المنطقة و هما كالتالي :


1- أن تظل العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والأنظمة الإفريقية قائمة على أساس الاستغلال ونهب الثروات، عبر التحالف مع الأنظمة السياسية الفاسدةالتي تحوّلت إلى حالة المافيويةالمالية –السياسية و التي أنتجت حالة من الفساد البنيويوقتلت مفهوم الدولة الوطنية.


2- أن تشكل القوى الوطنية استراتيجيات ومشاريع الأمنية المناهضة لاستنزاف ثورات القارة الإفريقية وخيراتها، والوقوف في وجه أي محاولة من شأنها إدخال دول القارة الى مزيد من التخلف و الفقر والتبعية، أو على الأقل محاولة إيجاد صيغة معينة من شأنها التمكين للاستفادة من هذه الثروات في عملية التنمية.

-ان ما يحدث في هذه الفترة من تمدد ارهابي و صراعات كبرى في المنطقة يصب مباشرة في منطق التنافس الدولي على القارة الإفريقية من أجل بسط الهيمنة و السيطرة و كذلك بهدف استغلال ثروات القارة الإفريقية ومواردها، وعليه فإنه لا مخرج أمام دول القارة الإفريقية عامّة، ودول الساحل الإفريقي خاصة، لمواجهة هذا الاستعمار الجديد وسياسة التهميش والهيمنة، إلا عبر نهج آخر للتعامل والتكيف مع هذا الواقع، نومئ إلى ذلك في:

  • ضرورة التنسيق الأمني بين دول الجوار، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ووضع آليات كفيلة لمواجهة هذه التهديدات الارهابية و الجريمة المنظمة للحفاظا على الأمن الإقليمي.
  • العمل على تفعيل آلية التنمية و الحوكمة الرشيدة لدول الساحل والصحراء، بما يحفظ مصالح هذه الدول.
  • على المنظمات الإقليمية في إفريقيا التعاون في ما بينها وذلك من خلال الدعم والتعاون، والدفع من أجل استراتيجية أمنية وسياسية شاملة ترتكز على البعد التنموي للشعوب.
  • ضرورة الإصلاح السياسي، والعمل على تحقيق التنمية، للخروج من دائرة الفقر والتبعية، بما يضمن استقلالية القرار السياسي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق