أخبار العالمإفريقيا

لقد فاتك القطار يا سيدي المرشد*

تونس-04-2021


هل قرأت بيان ” تصحيح المسار ” الذي يطالب بحل المكتب التنفيذي لحزبك والذي وقعه مائة وثلاثون من بين نواب وقادة وشباب الحركة؟
تتتالى لك الرسائل لتنسحب في سلام وتترك التونسيين وشأنهم ولكنك لا تفعل وتتمسك بإضرام الصراع إلى الرمق الأخير. وها قد دعوت شباب “النهضة” للتظاهر أمام البرلمان لحماية ” الديمقراطية “، وها قد دعوتهم لكسر أغلال البرلمان، ها قد أجابوك بالرفض والتمرد وأخبروك بأنهم ليسوا مستعدين بعد اليوم للموت في سبيل مجدك الشّخصي، وهل ظننت أن شبابا تفتّحت عيونهم على عشريّة حامية الوطيس يمكن أن يقدموا دماءهم فداء لك؟

استدعيتَ خطاب العنف وتهييج الشارع وتأليب المواطنين ضد بعضهم غير آبه بمصالح الشعب ولا غرض لك سوى ترضية حلفائك وتنظيمك العالمي لحفظ تموقعك ومصالحك الشخصية على حساب حتى قواعدك التي تريد تحويلها إلى وقود لحرب أهلية. فلِمَ لم تأت بعائلتك وأصهارك ليدافعوا عن الديمقراطية لو كنت من الصادقين؟

هل اعتقدت أن هؤلاء الشباب هم من طينة أولئك الذين من جيلك وقد غررت بهم في السابق؟ أولئك الذين في سبعينات القرن الماضي كانوا ينحدرون من طبقات فقيرة ومتوسطة وفجأة جاء الاستقلال وانتشرت المدارس وانتشر التعليم فإذا بهم يحظون بتعليم متوسط ويجدون أنفسهم يواجهون بلدا في طور البناء فينخرطون في عملية التغيير الاجتماعي ببداوتهم وبساطتهم وريفيتهم وتأتي أنت بأفكارك المظلمة عن أمة الخلافة تزرعها في عقولهم التي لم يحصنها فكر عميق ولا تحديث اقتصادي جيد ولا ظروف سياسية كريمة تحفظ الإنسان وكرامته فسكنت عقولهم وحولتهم إلى قطيع يأتمر بأوامرك حتى أنهم قدسوك وصاروا ينقلون أنهم حين يزروهم الغنوشي متنكرا في برنسه ليلتقي “الإخوة” ويتعاقد معهم ويبايعوه فكأنهم رأوا نورا من الله!!!

واليومَ تظن شباب النهضة الذي كبر في شظف من العيش وحرقة وألم ورأى أوضاعه في بلاده تزداد سوءً وانهيارا تظن أن هؤلاء يقدسونك كما قدسك الجيل الأول من قواعدك؟ ونسيت أثر التدافع اليومي في المجتمع وفي الجامعات والمعاهد والملاعب والمظاهرات وفضاءات التواصل الاجتماعي، ونسيت أنهم شباب لزمن غير زمنك ونسيت أنك لم تعط لهؤلاء شيئا حتى يعطوك أرواحهم فداء لك. وحتى شعار الديمقراطية الذي رفعته فهو لا يحرك أحدا من قواعدك الحديثة العهد(…).

لقد دفعت بآلاف الشباب المسكين إلى محرقة “داعش” ولم ترأف بهم إناثا وذكورا لأجل مصالحك الشخصية ومجدك…
هل تحسب فعلا أن هؤلاء الشباب الذين أرهقهم الوباء واليأس من العمل والعنف المتزايد في البرلمان سينصتون إلى بكائيتك لصالح تنظيمك العالمي الذي قطعت عروقه بعد 25 جويلية؟

أعذرك يا سيدي فلديك مهمة ترتبط بالحفاظ على مصالح إقليمية في تونس وغرس مسامير في خاصرة التونسيين تتعلق بشبكة عالمية مترابطة فيها مصالح مالية كبرى، وليس أقل تلك المصالح ذلك الصندوق الذي صادقت عليه والذي من شأنه أن يحول فكر وتنمية البلاد الثقافية إلى رماد لو تم له التطبيق في بلادنا.. لقد بالغتَ في النرجسية ولم تر رفض التونسيين والشباب لمشروعك الخفي الذي تزينه بالديمقراطية بهتانا ولذلك تجرأت أن تهدد التونسيين بنفس السيناريو التركي وهددت حتى الشعوب الأوروبية رافعا في وجه الجميع خطاب العنف والوعيد، ولكن فاتك القطار يا سيدي رئيس البرلمان المجمد فقد انفض من حولك القادة الذين سئموا دكتاتوريتك لأنها تحجب توقهم إلى أخذ الضوء منك، وانفض من حولك الشباب الذين صافحتهم وسعيت منذ 2012 لتدريبهم وتكوينهم وحضور اجتماعاتهم ومخيماتهم وندواتهم وها قد تركوك وحيدا في المحطة الأخيرة

لن تلومهم يا سيدي المرشد، فهم شباب يريدون التخلص من أبيهم الذي عرقل خروجهم إلى الضوء لكنك لم تفهم لا درس التاريخ ولا درس الجغرافيا ولا درس الديمقراطية داخل حركتك فلماذا ترفع الشيء وضده وتظن أنك ستلحق بالقطار؟ ها قد ضاعت عليك فرصة أخيرة، أن تنسحب في سلام وسكينة. أنت الذي صنعت من هشاشة الناس مجموعة عقائدية صلبة ومنغلقة وأنت الذي كونت مئات” الإخوان والأخوات” وأنت الذي تركتهم للسجون والمنافي والتعذيب والتنكيل والهرسلة والجوع والتشرد أيام بن علي وحتى أيام بورقيبة، أنت الذي فررت إلى لندن وعلّمت بناتك وأحطت بهن وجعلت منهن ما هن عليه وعشت في رفاه الغرب في حين لاحق النظام الضحايا الذين ألقيتَ بهم لأجل مجدك الشخصي. كفى الآن يا راشد الغنوشي.. أفهم أنك خسرت كل شيء، قلت لك سابقا إنك ستنتهي لا إسلاميا ولا ديمقراطيا فلتتركنا في سلام.. اجلس في المحطة واملأ عينيك بما حولك وخذ نفسا عميقا لمرة في حياتك لترى حقيقة الخراب الذي حولك والذي ساهمت في صناعته، وافهَمْ أن ما تسعى إليه من مجد شخصي صار سرابا ومحض خيال

  • زينب التوجاني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق