هنيبال القذافي… المواطن بلا دولة في جمهورية نبيه بري

بقلم فتحى عمر الشبلى قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 15-08-2025
عشر سنوات كاملة وهنيبال القذافي يقبع في سجون لبنان، لا لأن محكمة أدانته، ولا لأن جريمة العصر أثبتت عليه، بل لأنه ولد في زمن خاطئ ومن أب خاطئ، وانتهى به المطاف في بلد لا يحكمه القانون بل تحكمه الصالات السياسية والصفقات المغلقة.
القصة بدأت بـ”فيلم هوليودي” على الحدود السورية–اللبنانية: دعوة لمقابلة صحفية، كمين مسلح، طرق جبلية، ممرات عسكرية، احتجاز سري، ثم فيديو بوجه مدمى يدعو فيه من يملك معلومات عن الإمام موسى الصدر إلى كشفها. كانت الخدعة محكمة: حرروه من خاطفيه… ليصبح أسير الدولة نفسها.
منذ ذلك اليوم، لم يمثل أمام محكمة في القضية الأساسية. عمره وقت اختفاء الصدر كان سنتين فقط، لكنه اليوم يحاسب كما لو كان قائدًا في اجتماع التخطيط. وحتى عندما أصدر قاضي التحقيق قرارًا بإطلاق سراحه في 2017، جاء سيف السياسة ليقطع الطريق، وعاد الملف إلى الدرج المغلق.
هنيبال اليوم ليس مجرد سجين، بل مواطن بلا دولة. لو كان تشاديًا أو من جزر المانبي أو حتى من دولة صغيرة لا يعرفها الجغرافيون، لكانت سفارته أقامت الدنيا ولم تقعدها، ولكان شعبه قد صنع فيلماً صارخاً على أنغام النشيد الوطني للمطالبة بإطلاق سراحه. أما ليبيا التي انفرط عقدها، فلا سفارة تدافع، ولا نظام يحمي، ولا حتى رسالة احتجاج تحفظ ماء الوجه.
أما لبنان، فهنا الحكاية أشد مرارة. من يظنه دولة سيصدم بالحقيقة: هي مجرد رهينة في صالات نبيه بري، حيث يختلط القانون بالقهوة العربية، وتتحول قاعات القضاء إلى فروع تابعة لـ”حركة أمل”. القضية بالنسبة لبري ليست قانونًا، بل ثأرًا سياسيًا وعاطفيًا، ولن يفرّط فيها إلا إذا جاءه “ثمن” يكسر ميزان القوى لصالحه.
وهكذا، تتقاطع مأساة رجل مظلوم مع مهزلة نظام يختزل العدالة في مفردة واحدة: النفوذ. وبينما تتفاخر بيروت بأنها عاصمة القانون والثقافة، يظل هنيبال شاهداً حياً على أن بعض السجون أكبر من جدرانها، وأن الحرية ليست في الأبواب المفتوحة بل في امتلاك دولة لا تترك أبناءها