هل يعيد ترامب انتاج الفوضى والكارثة الاقتصادية مثلما فعل سابقه هوفر؟
قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 08-02-2025
بعد أقل من شهر على دخوله البيت الأبيض، أعلن الرئيس الأميركي حرباً تجارية على حلفائه وخصومه، بعد أن دأب خلال حمتله الانتخابية على اظهار رغبته في انهاء الحروب العسكرية.
يعرف دونالد ترامب بأنه “رجل الصفقات” ويميل إلى معالجة الأمور بمنطق رجال الأعمال، غير أن هذه الخطوة، التي فرض فيها تعريفات جمركية على واردات كل من الصين وكندا والمكسيك، قد تكون من أسوأ القرارات التي سيترتب عليها تداعيات خطيرة، تعيد إلى الذاكرة نتائج ما فعله الرئيس الأميركي الأسبق الجمهوري هيربرت هوفر.
في 1 فبراير عام 2025، أعلن ترامب عن خطة لفرض تعريفات جمركية على الواردات من الشركاء التجاريين الأمريكيين الرئيسيين – 25٪ على السلع من المكسيك وكندا و 10٪ على الواردات من الصين، متذرعاً بخطة للحد من الهجرة غير الشرعية والاتجار المخدرات.
رفعت الدول المستهدفة الصوت أمام هذه الاجراءات، وفيما باشرت الصين بوضع قيود جمركية على الواردات الأميركية، تمكنت كل من المكسيك وكندا من شراء بعض الوقت.
بعد مكالمات هاتفية عاجلة مع ترامب بعد يومين من صدور القرار، حصل كل منهما على تأجيل لمدة شهر واحد. لكن الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم ورئيس وزراء الكندي جوستين ترودو أوضحوا أيضاً لنظيرهما أنه “إذا تم تمرير هذه التعريفات الجمركية، فسوف يردّون بقيودهم التجارية”.
من يدفع الثمن؟
غالباً ما توضع التعريفات الجمركية كوسيلة لمعاقبة الدول الأخرى -على الأقل هذا ما تنتهجه الولايات المتحدة- إلا أنها في الواقع تضر بالمستهلكين المحليين والشركات. سواء كانوا يواجهون فواتير استهلاكية أعلى أو اضطرابات في التصنيع.
عندما يتم فرض التعريفات الجمركية، يتعين على الشركات إما استيعاب التكاليف الإضافية – تقليل الأرباح وربما تقليل عدد العمال – أو تمرير هذه التكاليف إلى المستهلكين من خلال ارتفاع الأسعار. الشركات الصغيرة التي تعمل بهوامش ربح ضئيلة معرضة للخطر بشكل أكبر، حيث يفتقر العديد منها إلى الموارد اللازمة لتبديل الموردين بسرعة.
والواقع أن هذه القرارات التي تنطلق من رغبة سياسية “في الانتقام” ناتجة عن دورة نزاعات سابقة، تدعو الدول المستهدَفة إلى اتخاذ اجراءات مضادة على المنتجات والسلع الأميركية، والتي ستنتج تباعاً إلى انخفاض حاد في صادراتها.
خلال إدارة ترامب الأولى، فرضت الصين تعريفات مضادة على الصادرات الزراعية الأميركية. ونتيجة لذلك، خسر المزارعون الأميركيون مليارات الدولارات، وأنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات في المساعدات الحكومية لتعويض تلك الخسائر. كما أصدرت رسوما جمركية جديدة على واردات السلع الأميركية وضوابط تصدير على بعض صادراتها إلى الولايات المتحدة رداً على خطوة ترامب الأخيرة.
هل يعيد ترامب صنع كارثة اقتصادية؟
عام 1930 أصدر هوفر قانون Smoot-Hawley Tariff Act الذي كان من أكثر القوانين الحمائية تأثيرًا في التاريخ الأميركي، وساهم في تعميق الكساد الكبير (1929-1939).
فرض القانون تعريفات جمركية عالية على أكثر من 20,000 سلعة مستوردة، مما جعل الواردات إلى الولايات المتحدة أكثر تكلفة بكثير. كان الهدف منه حماية المزارعين والصناعات الأميركية من المنافسة الأجنبية، لكنه جاء بنتائج عكسية، لم تكن متوقعة.
وكما كان متوقعاً، أثار القانون غضب الشركاء التجاريين، مما دفعهم إلى فرض تعريفات انتقامية على المنتجات الأميركية. حيث قامت كندا، وبعض الدول الأوروبية، ودول أخرى برفع تعريفاتها الجمركية، مما أدى إلى انخفاض الصادرات الأميركية بنسبة 61% بين 1929 و1933.
تضرر المزارعون الأمريكيون بشدة، لأنهم فقدوا الأسواق الخارجية لمحاصيلهم، الذي أنتج انخفاض الأسعار الزراعية وإفلاس العديد من المزارعين.
مع انخفاض التجارة العالمية، أُجبرت الشركات على تقليص الإنتاج وتسريح العمال، وارتفعت بذلك معدلات البطالة.
عام 1929، كانت التجارة العالمية تقدر بحوالي 3 مليارات دولار، لكنها انخفضت بحلول 1933 إلى 1 مليار دولار فقط. وأدى انخفاض الطلب إلى انكماش الاقتصاد، مما جعل التعافي من الكساد أكثر صعوبة.
في ظل هذه الأزمة، كان هناك حاجة إلى سياسات توسعية لزيادة السيولة والإنفاق، لكن قانون Smoot-Hawley تسبب في العكس تمامًا من خلال تقليل التجارة وزيادة الضغوط الاقتصادية. ورغم انتقادات العديد من الاقتصاديين والمصرفيين، وقع هوفر على القانون، وهو الأمر الذي أدى إلى تأجيج الأزمة بدلاً من حلها. وكانت أولى الخطوات التي اتخذها خلفه الرئيس فرانكلين روزفلت بعد وصوله إلى السلطة عام 1933، انه بدأ في تفكيك القانون من خلال اتفاقيات تجارية دولية لإصلاح الضرر الذي تسبب فيه.
استغرقت الولايات المتحدة أكثر من عقد من الزمن للتعافي من تداعيات قانون Smoot-Hawley والكساد الكبير بشكل عام. وللمفارقة أن الولايات المتحدة لم تصل إلى التعافي الكامل حتى دخولها الحرب العالمية الثانية عام 1941، حيث أدى الطلب الضخم على الأسلحة والمعدات إلى زيادة الإنتاج الصناعي وانخفاض البطالة بشكل لافت.
بنهاية الحرب عام 1945، كانت الصناعة الأميركية في أوج قوتها، وعادت التجارة العالمية إلى الارتفاع مع تبني سياسات اقتصادية جديدة مثل اتفاقية الغات (GATT) عام 1947، التي عززت تحرير التجارة الدولية.
يجمع الخبراء على أن السياسات الشمولية “المغامرة” التي ينتهجها ترامب قد تأتي بنتائج عكسية وسط التجارب التاريخية التي تستخلص مبدأ واحد بأن التهديدات المستمرة بالتعريفات الجمركية تخاطر بإلحاق الضرر بمصداقية الولايات المتحدة كشريك تجاري موثوق به، كما تدفع بالشركاء التجاريين للبحث عن بدائل للسوق الأميركية.
والثابت أن أي دولة في العصر الحديث لم تنجح في استخدام التعريفات الجمركية لتنمية اقتصادها والبلدان الأكثر اعتماداً على إيرادات التعريفات الجمركية في ميزانياتها الوطنية هي من بين أفقر اقتصادات العالم وأقلها نمواً.