هل يشعل المحافظون الجدد حرباً ضد روسيا قبل استلام ترامب لمقاليد السلطة؟
الدكتور جمال واكيم: قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية 18-12-2024
يبدو أن الأنظار يجب أن تتركّز من اليوم فصاعداً على ما يجري داخل الولايات المتحدة خصوصاً لجهة الصدام الذي من المرتقب أن يحصل بين إدارة الرئيس دونالد ترامب وفريق الحرب في الدولة العميقة في الولايات المتحدة.
ووفقاً لأنصار الرئيس المنتخب توجد “قوى كبيرة وخبيثة” تؤدّي دورها لتأجيج التوتر في أوكرانيا قبل استلام ترامب لمقاليد لحكم في 20 يناير المقبل لعرقلة جهوده بحلّ الصراع سلمياً هناك حتى لو أدى ذلك إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة.
ويعتبر مناصرو ترامب أن مجموعة كبيرة من مراكز الفكر والعولميين والبيروقراطيين تبذل كل ما في وسعها للتحريض على صراع دولي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا بما يؤدي إلى حرب شاملة مفتوحة بين الغرب من جهة وروسيا وحلفائها من جهة أخرى.
ويرى هؤلاء أن ترامب استطاع تحرير الحزب الجمهوري من قبضة فريق الحرب هذا في الدولة العميقة ما جعل هذا الفريق يتخذ من الحزب الديمقراطي واجهة لمشاريعه خلافاً لتاريخ هذا الحزب في الستينيات والسبعينيات والذي كان معادياً للحرب.
ويرى أنصار ترامب أن فريق المحافظين الجدد ومن ضمنهم السيناتوران ليندسي غراهام وميت رومني يحاولون تصعيد الحروب ويخططون لاغتيال كل من يعارضهم ذاكرين محاولتي الاغتيال التي تعرّض لها ترامب خلال الحملة الانتخابية.
ويلقي فريق ترامب باللائمة على أركان الدولة العميقة بتفجير الأزمة الأوكرانية معتبرين أن الأدلة تشير إلى دور مراكز الفكر العالمية المموّلة من الأوليغرشية الأميركية المعولمة في الدفع إلى انقلاب الميدان في أوكرانيا في عام 2014، وتدفّق أسلحة حلف شمال الأطلسي و”مستشاريه” إلى البلاد في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والتورّط العميق من جانب ليندسي جراهام وجون ماكين والمجلس الأطلسي في محاولات ضمّ أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي للبلاد وهو ما دفع بروسيا إلى إطلاق عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
ويرى مناصرو ترامب أنه في يناير 2022، كانت الدولة العميقة، أو “المؤسسة” كما يسمّونها، بحاجة إلى أزمة عالمية جديدة لإثارة حالة من الهلع العام للتغطية على الانهيار الاقتصادي في الغرب والذي تجلّى في التضخّم الكبير الذي جرى ما جعلهم يلجأون إلى الحلّ التقليدي، وهو إشعال حرب عالمية كما حصل عقب الأزمة الاقتصادية في العام 1929.
وفي سبتمبر 2022، وبعد أن أغرق حلف شمال الأطلسي أوكرانيا بالأسلحة و”المرتزقة” الأجانب، كان من المتوقّع أن تتبنّى روسيا استراتيجية حرب الاستنزاف من خلال زيادة الهجمات على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا وهو ما بدأت تقوم به مؤخراً. والآن تواجه أوكرانيا شتاءً مع خسارة 85% من شبكة الكهرباء لديها مع تقدّم القوات الروسية ميلاً بعد ميل على الجبهتين الشرقية والجنوبية.
وتفيد المعطيات الميدانية أن القوات الروسية تسيطر على معاقل أوكرانية قائمة منذ فترة طويلة من خلال أعمال دفاعية معقّدة، كما أن قوّة القوات الأوكرانية تتضاءل، ما يجعل المراقبين يخلصون إلى أن أوكرانيا تخسر الحرب بكلّ المقاييس، مع توقّعات بأن يؤدّي ذلك إلى انهيارها بالكامل خلال العام المقبل.
هذا ما جعل ترامب يعلن أنه سيسعى لحلّ الأزمة الأوكرانية فور تسلّمه للسلطة، وذلك ليس لأنه يحبّ بوتين كما يزعم خصومه الأميركيون والأوروبيون، لكن لأنه يعرف بحقيقة أن نصر روسيا قد بات أكثر ترجيحاً خلال الأشهر المقبلة. لذا فإنّ العولميين يحاولون تخريب جهود ترامب قبل استلامه للسلطة عبر تصعيد التوتر في أوكرانيا في مواجهة روسيا.
وفي مقالته في أغسطس الماضي بعنوان “العولميون يحاولون تصعيد حرب أوكرانيا إلى الحرب العالمية الثالثة قبل الانتخابات الأميركية”، اعتبر الكاتب براندون سميث أنّ أركان الدولة العميقة الأميركية وحلفاءهم الأوروبيين قد يسعون إلى تحويل الحرب بالوكالة ضد روسيا إلى حرب عالمية ثالثة إذا شعروا أنه قد يحصل تحوّل في توجّهات الرأي العام الأميركي والغربي باتجاه معارض للحرب في أوكرانيا.
واعتبر الكاتب أن “الوكيل أي أوكرانيا لا بدّ وأن يتخذ إجراءات من شأنها أن تستفزّ روسيا وتدفعها إلى الانفجار. ولا بدّ أن تستخدم روسيا تكتيكات أو أسلحة من شأنها أن تعرّض عدداً هائلاً من المدنيين للخطر، وهو ما يتطلّب مشاركة أكبر من جانب حلف شمال الأطلسي وربما حتى تدخّل الأمم المتحدة.”
وأشار الكاتب إلى أن الضوء الأخضر لاستخدام أنظمة الصواريخ بعيدة المدى التي تزوّد به الولايات المتحدة وأوروبا الجيش الأوكراني يمكن أن يكون العامل المباشر الذي قد يستخدمه أركان الدولة العميقة. واعتبر أنّ الضربات بعيدة المدى التي تشنّها أوكرانيا على روسيا سوف تؤدي إلى المزيد من الضربات الروسية على المدن الكبرى في غرب أوكرانيا حيث يعيش أغلب السكان، علماً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدا حريصاً على عدم استهداف المدن الكبرى أو المدنيين الأوكرانيين.
ويرى الكاتب أن توقيت الهجوم على كورسك والدعوة إلى شنّ ضربات صاروخية على روسيا لم يكن صدفة بل جاء نتيجة مخطّط معدٍ سلفاً لتصعيد الحرب في أوكرانيا وتحويلها إلى حرب عالمية، علماً أن ترامب يعتبر أن حلّ الأزمة الأوكرانية ليس صعباً وجلّ ما يتطلّبه هو بعض الدبلوماسية، إضافة إلى جعل أوكرانيا تفهم أنها لن تستعيد دونباس أو شبه جزيرة القرم التي ستبقى روسية.
لذا، فبعد فوز ترامب الساحق في الانتخابات الأميركية، قرّرت إدارة بايدن إعطاء الضوء الأخضر لأوكرانيا لاستخدام أنظمة “اتاكمس” بعيدة المدى في عمق الأراضي الروسية.
وبحسب ما ورد تمّ اتخاذ القرار “لحماية ترامب” من الحرب في أوكرانيا ومنع التوصّل إلى حلّ سريع قبل تولّيه منصبه. ردّاً على ذلك، أطلق الكرملين صاروخاً باليستياً متوسط المدى قادراً على حمل رؤوس نووية على مدينة دنيبروبيتروفسك. وكان السلاح مزوّداً برؤوس حربية متعدّدة أصابت جميعها أهدافها.
والجدير ذكره، أنّ الضربة حصلت بعدما أعلن بوتين عن تعديل العقيدة النووية الروسية بما يسمح لها بتوجيه ضربة نووية ضدّ دولة غير نووية في حال قامت هذه الدولة بالاعتداء على روسيا بدعم من قوة نووية، وهو ما ينطبق على حالة أوكرانيا.
وهذا يخالف ما تزعمه مراكز الأبحاث العالمية المدعومة من المحافظين الجدد مثل المجلس الأطلسي، والتي تدّعي بأنّ الخطوط الحمر لبوتين غير جدية وأنه لن يستخدم الأسلحة النووية أبداً.
لكن خلافاً لذلك فإن فريق ترامب يعتقد أن الاحتمالات عالية جداً لتوجيه بوتين ضربة نووية ضد أوكرانيا إذا واصل حلف شمال الأطلسي استفزازه لروسيا.
وهم يعتبرون أنه إذا تصاعدت الحرب إلى نقطة اللاعودة، فقد لا يكون أمام بوتين خيار آخر سوى إلزام ترامب بالانخراط في الصراع خلافاً لإرادته ما سيكون ذلك كارثياً لإدارته وللعالم الغربي ككلّ.
لكن أنصار ترامب يرون أنّ بوتين يتمتّع بالذكاء الكافي لانتظار تولّي ترامب لمنصبه وبدء المفاوضات مع الولايات المتحدة، لذا فهم يتخوّفون من أن يدفع المحافظون الجدد إلى حرب عالمية ضد روسيا قبل استلام ترامب لمقاليد السلطة في واشنطن.