هل تراجع الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط ؟
عطيف محمد: باحث بسلك الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية.
منذ صعود الولايات المتحدة الأمريكية وتوليها الزعامة العالمية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تواجه منطقة الشرق الأوسط مشاكل عديدة من خلال الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية فيها والتدخل في شؤونها الداخلية.
و الآن انتقلت هذه المنطقة إلى مرحلة جديدة، ويمكن القول أن أهم ملامحها هو تراجع الدور الريادي للولايات المتحدة الامريكية، بحيث أن لعبة الهيمنة في هذه المنطقة تحولت إلى لعبة إقليمية بالأساس، وتتمثل هذه القوى الإقليمية من داخل منطقة الشرق الأوسط من إيران وإسرائيل، والإمارات والسعودية وتركيا ، بينما تتراجع القوى الدولية الكبرى من خارجها. إن تراجع الدور الريادي الأمريكي خصوصا في الشرق الأوسط بدأت معالمه في ولاية الرئيس السابق أوباما، و لكن ما يزال استمراره أيضا في عهد الرئيس الجديد دونالد ترامب، رغم وجود الاختلاف الكبير في مواقفهما وأرائهما تجاه العديد من القضايا الدولية الأخرى.
ومن ضمن هذه الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة بالتراجع من منطقة الشرق الاوسط هي قيامها بتنويع مصادر استيراد النفط و الاعتماد بشكل أكبر على مصادر من خارج منطقة الخليج ، أو ما يتعلق بالاكتشافات الضخمة لما يسمى النفط الصخري فى الولايات المتحدة ، والذي سيخرج الولايات المتحدة من دائرة الاحتياج للطاقة النفطية مما سيحقق لها الاكتفاء الذاتي من الطاقة في المستقبل القريب، وقد يؤثر هذا سلبا بالتأكيد على درجة اهتمامها و ارتباطها بمنطقة الشرق الأوسط ، وخاصة ما يطلق عليه بمعادلة -الأمن مقابل النفط- يعني قيام الولايات المتحدة بحماية أمن دول الخليج المنتجة للنفط من أجل الحصول على هذا المورد الطاقي بأسعار معقولة،ولكن ستتأرجح هذه المعادلة و سيكون التراجع الامريكي في هذه المنطقة مؤثرا على أمن المنطقة.
والسبب الاخر هو التنافس حول هذه المنطقة الذي قد يجعل الولايات المتحدة بالدخول في الصراع مع المنافسين لها ،و أيضا أن قدرة الولايات المتحدة على التأثير على مجريات الأمور في هذه المنطقة أصبحت محدودة ، وغير مرحب بها من غالبية القوى السياسية بهذه المنطقة.
وقد اتضح ذلك بشكل أساسي في محدودية التأثير الامريكي فى مرحلة ما بعد الثورات الربيع العربي ، ورفض قطاع واسع من الرأي العام فى البلدان العربية والقوى السياسية المتباينة أي دور للولايات المتحدة، ووصفها بعدم المصداقية و التشكك فى نياتها.
وإن التراجع الامريكي في الشرق الاوسط يتمثل في سببين الأول هو اعبتار هذه المنطقة مكان لجلب القوى الكبرى المختلفة و منها الصين و روسيا والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في إطار النظام الدولي الجديد الذى يتجه نحو ترسيخ التعدية القطبية. السبب الثاني يتعلق بظهور الاستراتيجيات الإقليمية و السياسات العربية لمواجهة مشاريع أو استراتيجيات تركيا وإيران وسعيهما للهيمنة على المنطقة، وملء الفراغ الناتج عن تراجع الدور الأمريكي بهذه المنطقة .
و خلال الأيام الماضية لقد أقرت بعض الدول في الخليج العربي بتطبيع علاقتها مع إسرائيل التي أدت إلى اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل بمباركة أمريكية بالإضافة لقد تم التوصل إلى اتفاق السلام آخر مع البحرين ، وهذا يدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن تضع طريق الهيمنة لإسرائيل وجعلها حليفة لمجموعة من الدول في الشرق الأوسط من أجل ضمان وجود مصالحا بالمنطقة تحت رعاية إسرائيل.