هكذا تبدو أنظمة الدفاع الجوي الروسي “أكثر تأهبا في غرب إفريقيا”
فاتن جباري قسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية 18-01-2024
تقديم
في السنوات الأخيرة، فاقت تدفقات عمليات نقل الأسلحة الروسية إلى إفريقيا عتبة ال 40٪ من الأسلحة التي استوردتها الدول الأفريقية منذ العام 2018. لقد أصبحت المجموعة العسكرية الروسية حاضرة بشكل لافت في المصالح الأمنية لدول مثل “جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وليبيا…”، وتعدى الأمر المساعدة في التدريب العسكري، بل تولي مسؤولية حماية الذهب ومناجم أخرى، مقابل حصة من الأرباح أيضاً…
فيلق افريقيا في مواجهة الأفريكوم
“فيلق أفريقيا” هو تشكيل عسكري روسي تم الكشف عنه مطلع عام 2024 ليكون بديلا عن مجموعة “فاغنر” الروسية الخاصة، ويعكس هذا البرنامج سعي روسيا لتوسيع نفوذها العسكري في القارة الأفريقية ومنحه شرعية الوجود الرسمي والعلني في مواجهة الحضور الأوروبي والأميركي
ومنذ ان مضت 8 أشهر على الإنقلاب العسكري في النيجر، كانت كافية ليحدث ما يخشاه الأميركيون ففي نيامي وقع الحكام اتفاق تعاون عسكري مع روسيا، وبدأت اليوم وحدات مجموعة “فاغنر” التي أصبحت تحملُ اسم “فيلق أفريقيا” بالإنتشار على أراضي النيجر، أين يوجدُ 1100 جندي أميركي.
كما ظهرت تقارير عن نشر وحدات من “الفيلق الأفريقي” الروسي في بوركينا فاسو والنيجر يأتي هذا بعد أن بدأت روسيا بنشر قواتها تحت راية “الفيلق الأفريقي” في جنوب ليبيا…
قد يكشف هذا عن صراع جديد على النفوذ في أفريقيا، التي تختزن أرضه ثروات معدنية واعدة لكن أجواء هذا الفضاء الاستراتيجي أضحت مسرحاً للمزاحمة القطبية التي طالما عثت فيها القوات الغربية -الأمريكية لتحولها الى أفقر دول العالم رغم كونها على قائمة الثراء حيث يسيطر بالفعل على جزء من مناجم الماس، واحتياطيات النفط، والرواسب المعدنية القيمة.
فيما تتبنى روسيا والصين استراتيجية اقتصادية عسكرية مغايرة، تحتفي أغلب الدول الإفريقية الطاردة للوجود الفرنسي الأمريكي فيما تعقد تحالفات واتفاقات تعاون مع روسيا.
اتفاق التعاون العسكري بين روسيا والنيجر يدخل حيز التنفيذ
حسب ما تفيد به تقارير، بخصوص تشكل مفاوضات سرية بين الطرفين الروسي والنيجري استمرت لأسابيع عدة. أسفرت عن صياغة اتفاق تعاون عسكري، يكون بموجبه العسكريون الروس البديل الجاهز والسريع لشغل الفراغ الذي خلفه الفرنسيون بعد انسحابهم، والأميركيون الذين طلب منهم المغادرة
وتشير مصادر إلى أن أول تجسيد للإتفاق الجديد تمثل في طائرة شحن روسية من طراز 76″- ال” حطت في مطار نيامي العسكري، وهو المطار الذي كان يتمركز فيه الجنود الفرنسيون قبل أن يغادروا البلاد كان على متن الطائرة الروسية منظومة للدفاع الجوي ومائة عسكري روسي من الفيلق الأفريقي بصفته الذراع العسكرية والاقتصادية القوية لروسيا في أفريقيا.
السلطات النيجرية من جهتها أعلنت بشكل رسمي أن هؤلاء العسكريين الروس “مدربون”، ومهمتهم الأولى هي نقل خبرة روسيا في “محاربة الإرهاب” إلى النيجر، تماماً كما حدث مع مالي وبوركينا فاسو، حيث تخوض المجموعة الروسية معارك على الأرض إلى جانب الجيش الحكومي، وهُنا يشير خبراء في النيجر إلى أن الهدف الحقيقي من منظومة الدفاع الجوي هو تمكين جيش النيجر من استعادة السيادة على أجوائه، بعد أن كان لفترة طويلة خاضعا للنفوذ الفرنسي والولايات المتحدة التي سيطرت على المجال الجوي النيجري.
ووصف المجلس منظومة الدفاع الجوي بأنها “مكسب استراتيجي” لأنها ستساهم في “الرفع من قدرات الدفاع عن البلد، لتصل إلى مستوى رادع، في سياق إقليمي تطبعه المخاطر الأمنية”، كما وصف روسيا بأنها حليف تاريخي للنيجر في مجال الأمن والاستقرار.
ليبيا والدعم الروسي في مواجهة التوتر الأمني – الإقليمي
قبل أيام فقط، هبطت طائرات شحن روسية في منطقة “براك الشاطئ”، وأنزلت عشرات الجنود بينما رست سفن شحن تحمل معدات في ميناء طبرق على الساحل الشرقي لليبيا وسط أجواء أمنية جد مقلقة
وتشمل معدات وأسلحة “الفيلق الأفريقي” التابع للقوات المسلحة الروسية، والتي تم تسليمها بواسطة سفينتي الإنزال” إيفان جرين” و”ألكسندر أوتراكوفسكي”، مركبات خفيفة وثقيلة مثل الشاحنات الصغيرة وشاحنات “GAZ وKAMAZ ، بالإضافة إلى مدافع” ZU-23-2 المضادة للطائرات.
ومن عوامل اختيار ليبيا أيضا لتكون مقرا لهذا الفيلق ارتباطها بساحل البحر المتوسط، وهو موقع إستراتيجي لضمان خطوط الإمدادات العسكرية وتحركات العناصر التابعة للفيلق إلى الدول الأفريقية الأخرى.
هذا وتعمل روسيا على تعزيز وجودها العسكري الهائل في أفريقيا استنادًا إلى مخطط لإنشاء الهيكل الأساسي لـ “الفيلق الأفريقي” بحلول صيف 2024، مع عمليات تمتد إلى ما هو أبعد من ليبيا إلى بوركينا فاسو ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، النيجر.
في شرق ليبيا حاليًا، يقدر المحللون أن الوجود الروسي يتراوح بين 1000 إلى 1500 فرد، تسهل القواعد الجوية مثل “قاعدة الجفرة “الرحلات الجوية العسكرية الروسية مع توقفات مؤقتة قبل التوجه جنوبًا إلى دول أخرى.
ويتلخص الهدف الاستراتيجي للكرملين في تعزيز نفوذه في القارة الأفريقية والاستفادة من قوتها العسكرية لتأمين وتوسيع مصالحها في المنطقة علاوة على عمليات مكافحة الإرهاب والتعاون في محالات الأمن والدفاع.
خلاصة
على الرغم من أنّ حجم التجارة بين الصين وتلك الدول تتفوق على روسيا، إلا ان الأخيرة تحافظ على نفوذ كبير في القارة وهذا لا يشمل الأسلحة فحسب، بل القطاع الزراعي الحيوي حيث تعتمد القارة اعتماداً شديداً على الواردات الغذائية التي تضع روسيا في وضع فريد لا تستطيع الصين أو غيرها شغله بسهولة بعد ان وصل حجم الصادرات الروسية إلى النيجر تحديداً، وهي أكبر دولة في غرب أفريقيا إلى أكثر من 2 مليار دولار منذ 2021.