نهاية إخوان ليبيا .. بدعة البيعتين والحاكمية والعمل السري
فوزي عمار :كاتب وسياسي ليبي
تبني سيد قطب فكرة ” الحاكمية ” نقلا عن المفكر الهندي أبو الأعلى المودودي ، لأول مرة في التاريخ الإسلامي .. لم يرد هذا المصطلح عن الرسول( صلى الله عليه و سلم ) أو عن الصحابة أو الأئمة الأربعة مطلقا..
كان المودودي يعيش في مجتمع هندي أغلبيته يدين بالهندوسية والبوذية وقلة مسيحية وقلة مسلمة.. وكان لب الفكرة يقوم على أسلمة المجتمع غير المسلم ، نقلها سيد قطب المتذبدب نفسيا .. لقد انتقل من الإلحاد إلى التطرف بعد عودته من أمريكا حاملا معه عقدة عدم الإندماج التي عاشها في أمريكا..
نقل الفكرة وشرحها بعد أربع أو خمس سنوات من نقل كتب المودودي إلى العربية في عام 1950 تاريخ انضمامه إلى جماعة الاخوان وأسقطها على مجتمع مصري أغلبيته مسلمة وبه أقلية مسيحية، فكانت الفكرة مستهجنة لدي الإسلام الوسطي المصري المتجذر عبر مؤسسات علمية دينية عريقة مثل الأزهر .
كانت كتابات سيد قطب عبارة عن أدبيات وإنشائيات صاغها بلغة ساحرة كان يملكها ومتمكنا منها ،ومن بينها كتاب ( معالم في الطريق ).. كانت الفكرة تعاني من مشكل منهجي ..
فداخل مجتمع مسلم تخرج جماعة تريد أسلمة المجتمع، وداخل هذه الجماعة ينشأ حزب يريد أن يحكم باسم الإسلام !! فكان سبب سقوط الإخوان عامة نتيجة لهذا الخلل المنهجي أولا،ولأسباب أخري مثل العمل السري واللجوء إلى العنف والقتال لاحقا..
تبنت الجماعة الفكرة لكونها تنص على أن التفاسير والإجتهاد والأوامر هي حكر على مرشد الجماعة فقط، و ما على الأتباع سوى السمع والطاعة والتنفيذ دون اعتراض أو نقاش.
أما إخوان ليبيا فكان كلام السيد الكبتي(مراقب إخوان ) عن المجتمع الليبي المسلم أصلا، كلاما مضحكا ومثيرا للإستهزاء حين قال : ( نحن نريد أسلمة المجتمع المسلم سلميا )!!! كيف يكون لجماعة داخل مجتمع مسلم مائة بالمائة أسلمة المجتمع ؟؟؟
هذا من جهة ومن جهة أخرى لمن يكون الولاء في حالة الخلاف بين ليبيا ومصر ( بلد المرشد والمنشأ ) في حالة حكم الإخوان مصر، إذ يُعدّ الولاء للمرشد في مصر أمرا أساسيا لقادة التنظيم وفق القانون الأساسي للجماعة حيث تنص المادة الرابعة على عدم اتخاذ أي قرار يخص الأقاليم إلا بعد موافقة المرشد العام.. ( بسطاء وأفراد الإخوان لا يعلمون بهيكلية الجماعة) .. كما أن السؤال الشرعي الجوهري : كيف يكون للمؤمن بيعتان وولايتان .. ولاية للحاكم في بلده وولاية للمرشد في مصر ؟! إنها بدعة لم يأتِ بها أي من أصحاب البدع من قبل.
ثم إن مصطلح الحاكمية يعتبر بدعة إذ لم يذكر في القرآن أو السنة أو عند الأئمة الأربعة أو مع إسلام مؤسسة الأزهر الوسطية أو مؤسسة الزيتونة في تونس وغيرها من المؤسسات الدينية العريقة والعتيدة ، بل ذكر بصيغة ( الحكم لله ) .. ورد أول مرة ذكر المصطلح من قبل الخوارج الذين خرجوا للقتال ضد عليّ وضد معاوية وكفروا الإثنين معا ، وارتبطوا بالتكفير والتطرف ..
والمفارقة الغريبة أنهم سموا ( بالثوار ) في تلك الفترة.. وكما أسلفت نقل سيد قطب فكرة المودودي إلى العربية في وقت وظروف كتابة هذه الفكرة حيث كان في السجن بعد خلافه مع الرئيس عبدالناصر في وضع الحالة النفسية لكاتب يعيش في غياهب السجن ينتظر الإعدام ..
فكيف تريده أن ينظر إلى سجانيه؟؟ دفعه كل ذلك إلى تكفيرهم جميعا مستفيدا من السيولة اللغوية التي كان يمتلكها، إذ كان كاتبا ساحرا عمل في النقد الأدبي والفني مع الكاتب الكبير العقّاد الذي يقول هو نفسه عنه : ” إن العقاد أنقذني من الإلحاد “.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى ، ما هو تعريف الوطن بالنسبة للإخوان ؟؟ إخوان مصر مثلا يقولون إن أرض الإسلام هي الوطن ولا يعترفون بالمواطنة وإن مصر هي جزء من الوطن وليست كل الوطن وإن ماليزيا وتركيا أيضا جزء من الوطن، بل “لا مانع لدينا أن يحكمنا رئيس من ماليزيا” كما قال بذلك المرشد العام السابق للإخوان، في مصر (مهدي عاكف) ..
فهل إخوان ليبيا وهم أتباع لإخوان مصر لديهم هذه القناعة؟ بالتالي تكون الكارثة بكل المقايس.. لقد صرح إخوان مصر في أكثر من مناسبة بأن ليبيا هي بيت مال المسلمين.!!! في حضور إخوان ليبيا ولم يعلق الأتباع الليبيون عن ذلك! وهل ياتري يوافق إخوان ليبيا على هذا الرأي أم أن لهم رأيا يخالف المرشد وبالتالي تسقط البيعة ؟ ..
أشك في ذلك ! كما أن التنظيم السري للجماعة والعمل السري لها يجعلها جماعة وشبكة مريبة لا يعرف أحد أهدافها ومن يحركها حتي من المنتمين إلى الحركة.. فالذين يعرفون الحقيقة هم قلة في مكتب الإرشاد، أما البقية فيقولون بالسمع والطاعة حتي وإن تظاهروا بأنهم على علم بكل ما يجري داخل الجماعة والتنظيم.
إن اثبات تبعية أيٍّ من مسؤولي وموظفي الدولة في ليبيا للإخوان يعتبر جرما قانونيا أولا .. فمبجرد اعتراف مسؤول ليبي أو إثبات دليل على أنه إخواني منخرط في التنظيم يجعله متهما بالتخابر مع دولة أخرى بلا أدنى شك.
من جهة أخرى، يعتبر تنظيم الإخوان”دكانَ بقالة سياسي مصري” غير مسموح لغير المصري بإدارته مهما علا كعبه ..
لقد مات حسن الترابي المفكر والمثقف والسياسي المخضرم والكاتب السوداني المعروف أحد أهم مفكري الإخوان بل وأشهرهم دون تقلد منصب المرشد الذي سعى إليه مرارا ..
كما سعي لاحقا عضو التنظيم راشد الغنوشي ، الذي خرج مؤخرا ليقول إن حركة”النهضة” في تونس انفصلت تنظيميا عن التنظيم الدولي للإخوان ليحمي نفسه قانونيا من تهمة التخابر مع أجنبي ، وليس كما فعل خالد المشري رئيس مجلس الدولة في ليبيا في لقاء مع قناة فرنسا 24 حيث أعلن على الهواء أنه يتبع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين،وبالتالي هم تابعون لمرشد في بلد المنشإ هو مصر التي قطعت مع هذا التنظيم واعتبرته إرهابيا بعد الجرائم المتكررة والعمل السري والتخابر مع دول أجنبية..
لقد تأسست جماعة الإخوان في مدينة الإسماعيلية بمصر سنة 1928 على يد مدرس الخط العربي حسن البنّا الذي كانت لديه علاقة قوية مع بريطانيا ثم لاحقا مع أمريكا وهذا ما أشار إليه مؤلف كتاب(( مسجد في ميونخ)) الكاتب الكندي اين جونسون الذي يرصد في مقال نشر في الوول ستريت جورنال تاريخ العلاقة بين الإخوان والأمريكان ويقول : إنه تحالف سري بدأ في الخمسينات ، حي تم الإتفاق على القتال ضد الشيوعية وتهدئة التوتر في أوروبا.
لقد خرجت معظم الجماعات التكفيرية من عباءة الإخوان.. فالقاعدة مثلا أسسها عبدالله عزّام، الإخواني وتبنتها المخابرات الأمريكية لإسقاط “العدو السوفياتي” في أفغانستان قبل أن تتحول إلى عدو لأمريكا بعد أن تركتها للعراء في نهاية الإنتصار على الإتحاد السوفياتي الذي تفكك على يد الرئيس الروسي ( بوريس يلتسين ) فوجهت القاعدة بنادقها إلى حليف الأمس: أمريكا، عبر تفجيرات نيروبي ودار السلام والخُبَر ثم توجت بغزوة برجيْ التجارة العالمي في نيويورك. جاء مشروع (أوباما/ هيلاري كلينتون/ فيلتمان ) تتويجا للعلاقة التاريخية لقيادة فصيل الإخوان جماعة الإسلام السياسي في منطقة “الربيع العربي” وإصلاحا للخطإ الفادح لتعويض الأفغان العرب وتمكينهم في بلدانهم وبتوصية من مؤسسة راند التي تغذي تقاريرها الدوائر الأمريكية الفاعلة مثل الكونغرس والبنتاجون والمخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي.
لكن المشهد تغير برمته بعد وصول ترامب إلى السلطة في أمريكا الذي أفشل المشروع كليا عقب انتصار الجيش المصري لرغبة الشارع الذي خرج ضدهم باكثر من ثلاثين مليون متظاهر. و كان مشهد سقوط الإخوان في بلد المنشإ مروعا وفاضحا لكل سلوكيات التنظيم الإجرامي ..
وفَقَدَ الإخوان روح الشارع في تونس بعد أدائهم السيء خلال فترة حكم الترويكا بعد سقوط نظام الرئيس بن علي …
وجاري مشهد السقوط في ليبيا بعد تحرر إقليم برقة نهائيا بفضل الجيش الليبي ومعركته ضد الإرهاب وجماعة الإخوان الذين لم يتبقَّ لهم من وجود سوى في طرابلس( وقى الله الأبرياء شرهم) ..طرابلس التي ستكون فيها مراسم دفن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين فيها قريبا ..
إنه مكر السياسة ولعنة التاريخ .. ونتائج تلبيس المقدس”الدين” على المدنس”السياسة”.