مُسافر على طريق الحرير ( 6 )
الدكتور وليد جاب الله: عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع
الحزام والطريق، وتحديات الأسواق من المعلوم أن الإنتاج وحده لا يكفي لنجاح الاقتصاد، فلابد لكي يتحقق التوازن أن يكون للعرض طلباً يُعادله، ومهما كان نجاح اقتصاد الدولة فإنه لن يتحقق له الاستدامة إلا من خلال اندماجه في أسواق لأكبر عدد من المُستهلكين، وهناك تجارب دولية عديدة لفتح الأسواق والحفاظ عليها، فمثلاً في الماضي حاول الاتحاد السوفيتي توسيع دائرة أسواقه من خلال دعم المد الاشتراكي والدخول في شراكات مع الدول الاشتراكية، وحالياً نجد تركيا تُحاول بسط هيمنتها السياسية على أكبر عدد من الدول للنفاذ لأسواقها من خلال دعم حكومات تكون موالية لها (وإن كانت فشلت في ذلك حتى الأن مما أضر بالاقتصاد التركي)، والصين كذلك، فقد وصلت الآلة الصينية إلى أبعد مدى من الإنتاجية، وارتفع حجم الإنتاج الكلي الصيني بنسب كبيرة ومُستدامه وأصبح من غير المُتصور أن يستمر نفاذ تلك المُنتجات للعالم دون وجود تحالفات اقتصادية حقيقية، سيما وأن مُنافسيها أصبحوا يخشون من أن تأخذ من حصصهم بالسوق العالمي، ويُمارسوا الكثير من الضغوط على دول العالم للحد من انطلاقة التنين الصيني.
ومع استفادة الصين من التجارب السابقة تقدمت للعالم بمبادرة الحزام والطريق التي استوحتها من دور طريق الحرير في ربطها بالعالم في القرن التاسع عشر، ولكن المبادرة أكبر من ذلك، حيث تستهدف الصين ضخ استثمارات ربما تتجاوز ما يُعادل 120 مليار دولار في الدول التي تنضم للمبادرة، وذلك في مجالات مثل البنية التحتية، والتعليم، ومواد البناء، والسكك الحديدية من خلال قروض زهيدة الفائدة تُقدم من خلال البنك الأسيوي للاستثمار في البنية التحتية، لتتولى الشركات الصينية القيام بتلك المشاريع مما يخلق تحالفات تجارية بحكم الواقع مع أكثر ممن 68 دولة يشملها الحزام البري والطريق البحري، تُمثل نحو 65% من سكان العالم، بحيث تؤسس المشروعات الصينية أرضية للتبادل باليوان الصيني مُباشرة دون تحويل للدولار مما يخفض تكلفة التبادل ويفتح الباب أمام المُنتجات الصينية، والتي لكي يكون لها سوق حقيقي تحرص الصين على أن تربح الدول الشريكة بما يكفل شراكة مُستدامة على قاعدة الكل رابح التي يمكن أن تحقق النفع للجميع، وتلك الفلسفة بالتأكيد ستُقنع شركائها التجاريين، بينما لن يقتنع منافسيها الذين يتابعوها تؤسس لنظام اقتصادي موازي لمؤسسات بريتون وودز الحاكمة للاقتصاد العالمي منذ منتصف الأربعينات من القرن الماضي، وسيحاولون عرقلة تقدمها، وستُستخدم ضدها أدوات امتلكها منافسيها مثل وسائل التواصل الاجتماعي وعدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني بدول العالم التي يُمكنها أن تؤثر على صناعة القرار في الدول وتُشكل رأي عام مُعارض للخطط الصينية، وهنا يجب على الصين أن تعيد تنظيم ما تمتلكه من قوى ناعمه لدى حلفائها، وأتصور أنه يمكنها (ولن يُعرض ذلك شركائها التجاريين) اتخاذ إجراءات مثل تنظيم كيانات تضُم المفكرين المحليين، ورواد الأعمال من شركاء الصين لنقل الصورة الصحيحة لما تريده الصين، وكذلك تبني مبادرة لتجديد الآلات القديمة بمصانع دول الحزام والطريق بأخري جديدة صينية، كما أنه المهم تبني مبادرة لتدريب الفقراء والعاطلين بدول الحزام والطريق على الحرف البسيطة ودعم تمويلهم لكي يعملوا في حرف منتجة تُقدم لهم فيها الصين بتمويل منافي المعدات والمواد الخام الأمر الذي يُساعد على كسب قبول ومحبة الشعوب للصين وتحول نظرتهم إليها من كونها تغزوهم بمُنتجاتها إلى كونها شريكة نجاح معهم، مما يُحقق النفع لجميع.