أخبار العالمبحوث ودراسات

موقع “medium”: هل انتهى عصر القيادة العالمية المنفردة؟

يؤكد المقال الذي نشره موقع “medium” أنه بالرغم من ان الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تلعب دورا مهماً، لكن أيامها كزعيمة بلا منازع للعالم قد ولت.

مبيناً بأن العالم يمر بتحول عميق، تتسارع وتيرته مع رئاسة دونالد ترامب، الذي كشفت دبلوماسيته التحويلية وسياساته الحمائية وازدرائه للتعددية عن هشاشة الزعامة الأميركية العالمية.

هل انتهى عصر القيادة العالمية المنفردة؟

هل انتهى عهد الزعامة الأميركية؟

لماذا لم يعد العالم في حاجة إلى قوة مهيمنة واحدة؟

خلال أغلب القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، وقفت الولايات المتحدة كزعيمة بلا منازع للنظام العالمي. وكانت قوتها الاقتصادية وهيمنتها العسكرية ونفوذها الثقافي سبباً في تشكيل المعايير والمؤسسات الدولية.

ومع ذلك، يمر العالم بتحول عميق، تسارعت وتيرته برئاسة دونالد جيه ترامب، الذي كشفت دبلوماسيته التحويلية وسياساته الحمائية وازدرائه للتعددية عن هشاشة الزعامة الأميركية العالمية. وهذا يثير سؤالاً بالغ الأهمية:

هل يحتاج العالم إلى زعيم جديد، أم أن عصر الزعامة العالمية الفردية يقترب من نهايته؟

انحدار الزعامة الأميركية العالمية

إن تراجع أميركا عن الالتزامات العالمية في عهد ترامب ليس شاذاً بل هو أحد أعراض التحولات البنيوية العميقة. وقد أبرز الاجتماع الأخير بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هذه الديناميكية، وكشف عن نهج قيادي مدفوع بالإكراه بدلاً من بناء الإجماع. إن تفكك الهيمنة الأميركية يمكن أن يعزى إلى أربعة عوامل رئيسية:

  • تآكل التعددية:

لقد أضعف مبدأ “أميركا أولا” الذي تبناه ترامب المؤسسات العالمية مثل حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية. كما أدى انسحابه من الاتفاقيات الرئيسية، بما في ذلك اتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي مع إيران، إلى تآكل الثقة في القيادة الأميركية وأشار إلى تفضيل الأحادية على حل المشاكل الجماعية.

  • تراجع القوة الناعمة:

 لقد عانت السلطة الأخلاقية الأميركية تحت قيادة ترامب غير المنتظمة. كما أدى موقفه العدائي تجاه الحلفاء وتجاهله الصريح للمعايير الديمقراطية إلى تقليص جاذبية الولايات المتحدة التقليدية كنموذج عالمي يحتذى به. كما عززت أحداث مثل أعمال الشغب في الكابيتول في الـ6 من يناير تصورات عدم الاستقرار الأميركي، مما قوض قدرتها على القيادة بالقدوة.

  • التحولات الجيواقتصادية:

كانت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وانفصال واشنطن الاقتصادي المتزايد عن بكين بمثابة انتقال من العولمة إلى القومية الاقتصادية. في حين كان المقصود من حروب التعريفات الجمركية التي شنها ترامب وسياساته الاقتصادية المتهورة حماية الصناعات الأميركية، فقد ساهمت في عدم الاستقرار العالمي وعززت الشكوك حول موثوقية الولايات المتحدة كشريك اقتصادي مستقر.

  • عدم الاستقرار السياسي الداخلي:

لطالما ارتبطت الزعامة الأميركية على المسرح العالمي بقوتها المحلية. ومع ذلك، فإن الاستقطاب السياسي المتزايد والتوترات العرقية وأزمات الحكم أضعفت الولايات المتحدة من الداخل. يتساءل الحلفاء والخصوم على حد سواء الآن عما إذا كانت واشنطن قادرة على الحفاظ على دورها القيادي في حين تكافح الفوضى الداخلية.

من الذي قد يحل محل الولايات المتحدة كزعيم عالمي؟

في حين أن انسحاب أميركا من الشؤون العالمية واضح، لا يبدو أن أي دولة واحدة مستعدة لتولي مكانها. وبدلاً من ذلك، يتحول العالم نحو التعددية القطبية، حيث يتم توزيع القوة بين العديد من اللاعبين الرئيسيين بدلاً من تركيزها في قوة مهيمنة واحدة. ومن بين المنافسين الأكثر أهمية:

  • الصين:

 إن الصعود الاقتصادي السريع لبكين، والاستثمارات الاستراتيجية من خلال مبادرة الحزام والطريق، وتوسيع القدرات العسكرية تجعلها لاعباً عالمياً هائلاً. ولكن حكمها الاستبدادي، وسياساتها الإقليمية العدوانية، وافتقارها إلى الجاذبية الإيديولوجية تحد من قدرتها على فرض نفس النفوذ العالمي الذي تتمتع به الولايات المتحدة. ومن غير المرجح أن يقبل العالم الصين كزعيم جديد بسبب نظامها السياسي، وسجلها في مجال حقوق الإنسان، وافتقارها إلى التوافق مع القيم الديمقراطية.

  • الاتحاد الأوروبي:

يظل الاتحاد الأوروبي، الذي يتمتع بالقوة الاقتصادية والتطور الدبلوماسي، لاعباً حيوياً في الشؤون العالمية. ومع ذلك، فإن الانقسامات الداخلية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واعتماده على القوة العسكرية الأميركية تحد من قدرته على العمل كزعيم عالمي موحد. وفي حين يتمتع الاتحاد الأوروبي بإمكانات هائلة، فإنه يفتقر إلى قيادة واحدة متماسكة قادرة على توجيه النظام العالمي بمفرده.

  • القوى الإقليمية والعالم المتعدد الأقطاب:

بدلاً من وجود زعيم واحد جديد، يتشكل النظام العالمي بشكل متزايد من قبل القوى الإقليمية – الهند واليابان والبرازيل وروسيا – وتحالفات القوى المتوسطة مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا والاتحاد الأفريقي. ويشير هذا الانتشار للقوة إلى التحول نحو الحكم العالمي التعاوني بدلاً من هيمنة دولة واحدة. ومع ذلك، فإن الصراعات الإقليمية والاختلافات الإيديولوجية والمصالح المتنافسة تشكل تحديات لنظام متعدد الأقطاب فعال حقًا.

عصر جديد من الزعامة المشتركة

بعد تبادل حاد للآراء بين دونالد ترامب وفولوديمير زيلينسكي، حيث اتهم ترامب الرئيس الأوكراني بـ “المقامرة بالحرب العالمية الثالثة”، أعلنت رئيسة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، “إن العالم الحر يحتاج إلى زعيم جديد”، مؤكدة أنه من واجب الأوروبيين أن يرتقوا إلى مستوى هذا التحدي، وهو الشعور الذي ردده العديد من القادة الأوروبيين الذين أعربوا عن دعمهم الثابت لأوكرانيا بينما انتقدوا بشكل خفي موقف ترامب، مما أدى إلى تفاقم الخلاف المتزايد بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين فيما يتعلق بالصراع الجاري.

بدلاً من البحث عن هيمنة عالمية جديدة، يجب على المجتمع الدولي أن يتبنى نظامًا أكثر لامركزية وتعاونًا. إن عصر الزعيم العالمي الفردي يفسح المجال لنظام مترابط حيث تتقاسم القوى الإقليمية والمؤسسات الدولية والكتل الاقتصادية المسؤولية عن الاستقرار العالمي. قد لا تزال الولايات المتحدة تلعب دورًا مهمًا، لكن أيامها كزعيم بلا منازع للعالم الحر قد ولت. إن التحدي الآن لا يتلخص في إيجاد زعيم جديد بل في بناء نظام عالمي قادر على إدارة التحديات المشتركة ــ بدءا من تغير المناخ إلى الأزمات الاقتصادية ــ دون الاعتماد على دولة واحدة لإملاء الطريق إلى الأمام.

إن رئاسة ترامب لم تخلق تراجع الزعامة العالمية للولايات المتحدة؛ بل إنها عملت فقط على تسريع التحول الحتمي. ولم يعد العالم في حاجة إلى زعيم واحد، ولا من المرجح أن يظهر زعيم واحد. بل إن المستقبل سوف يتشكل من خلال توازن القوى المتطور، حيث يحل التعاون المتعدد الأطراف محل الهيمنة الأحادية الجانب. والسؤال الحقيقي هو ما إذا كان العالم مستعدا للتعامل مع هذا الواقع الجديد دون الانزلاق إلى الفوضى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق