أخبار العالمبحوث ودراسات

مقاربة النفاق السياسي ومناهضته بين المنافع والمخاطر

في أربعينيات القرن الماضي، صدرت رواية “أرض النفاق” ذائعة الصيت للأديب يوسف السباعي التي بدت سردية أدبية خيالية وساخرة، لكنها شخّصت حينها واقع أزمات المجتمع والسلطة والمؤسسات[1]، وإن كان من منظور أخلاقي.

فبعدما باتت فضائل مثل الشجاعة والمروءة والصدق تجارة بائرة لا تجد من يقبل عليها، بل تجلب مشكلات على من يتمسك بها، اندفع بطل الرواية، وهو رجل عادي، إلى سرقة مسحوق الأخلاق من تاجر يبيعه ليلقيه في النهر كي يصل أثره إلى المجتمع ككل مع شربه للمياه.

على الرغم من تحذير التاجر بأن ذلك الفعل سيقود إلى انكشاف ما يضمره الناس في نفوسهم إلى العلن بما قد يؤجج الكراهية والبغضاء ويثير توترات وأزمات عديدة، لكن الرجل تمسك بتصحيح الاختلالات العامة التي سببها انتشار النفاق، كفقدان الثقة في العلاقات الاجتماعية، أو التظاهر بمعرفة دينية لا تنعكس على السلوك، أو الإضرار بالصالح العام عبر تزييف التمثيل البرلماني، أو تعطيل مصالح الأفراد في مؤسسات الدولة.

ماذا لو افترضنا أن أحد الفاعلين السياسيين (قادة، نخب، جماعات، حكومات) في عالمنا المعاصر، هو من كان يملك هذا المسحوق السحري، فهل سيفعلها، ويتخلص من ظاهرة النفاق كرذيلة تعبر عن تناقض سلوكيات المرء مع ادعاءاته أو خطاباته؟

قد يبدو السؤال متخيلاً من وحي تلك الرواية نفسها، لكنه مسار سردي بديل تتغير معطياته وتفاعلاته، وبالتالي نتائجه. مع ذلك، فإنه يخاطب أيضاً أزمات السياسة الراهنة، والتي أصبحت فيها ممارسات النفاق جزءاً شائعاً من تفاعلاتها، سواء في السياسة المحلية داخل الدول، عندما تخدع بعض الحكومات والنخب سواء في الأنظمة الديمقراطية أو التسلطية المجتمعات بخطابات عامة تتناقض مع ممارساتها الفعلية، أو السياسة الدولية عندما لا تتوقف حكومات غربية عن ممارسة المعايير المزدوجة، على نحو يبرز في مواقفها المتناقضة بين حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة والغزو الروسي لأوكرانيا، على الرغم من الادعاءات بأنها قوى مبادئية عالمية.

تخضع الإجابة عن ذلك السؤال لطريقة التفكير في السياسة وممارساتها، فلو تبنى هذا الفاعل السياسي منظوراً مثالياً يفترض الطبيعة الخيرة للبشر، ويعتبر أن القيم الأخلاقية تشمل كافة المجالات، بما فيها السياسة، فحينها قد تصبح الإجابة بـ “نعم”، أي أنه سيسلك مثل بطل “أرض النفاق” النهج نفسه.

أما لو استدمج على العكس المنظور البرجماتي الواقعي، المهيمن على ممارسة السياسة في عالمنا الراهن، فلن يستخدم مسحوق الأخلاق أو سيوظفه بطرق تعكس مصالحه، لأنه سينظر للسياسة، كلعبة لا تُعنى قواعدها بالفضائل أو الرذائل، إلا بالقدر النفعي الذي تحققه للفاعل السياسي من قوة ونفوذ.

إذ ينظر البراجماتيون إلى السياسة بشكل نسبي، كمجال لا تنطبق عليه الأخلاقيات العامة، فلكل نشاط أو نوع من العلاقات متطلباته القيمية الخاصة به، فهم يرونها تقوم على إدارة التناقضات بين القيم والقوة والمصالح، أي تحمل ضمناً “عدم اتساق ذاتي”، ومن ثم قد يشكل النفاق جزءاً لا مفر منه في تفاعلاتها لإدارة واستيعاب المصالح المتباينة لأطراف اللعبة السياسية، حيث قد يفتح الطريق أمام إمكانية الحوار، ومنع الصراعات.

يقابل هذا المنطق التوظيفي للنفاق أن إدارة السياسة ومؤسساتها في الدول الحديثة تتطلب قيما وآليات أساسية، كالنزاهة والشفافية والمساءلة، والتي إن غابت مع استشراء النفاق تنصل القادة السياسيون من المسئولية عن أفعالهم، وتدهورت كفاءة الوظائف العامة، خاصة عندما يتولاها منافقون يتظاهرون بالعمل للصالح العام، بينما لا يألون جهداً في تحقيق مصالحهم الخاصة.

وإذا كان ذلك الجدال يمس تفاعلات السياسات المحلية، ويطرح تساؤلاً حول مدى إمكانية ضمان ألا يتحول النفاق من طابعه التوظيفي إلى ظاهرة مستشرية في الدول والمجتمعات، فهل ينسحب الأمر على السياسة الدولية التي لديها طبيعة قواعد لعبة مغايرة تستند على مبدأ السيادة، وأولوية الدول في تحقيق مصالحها وأمنها أكثر من القيم والالتزامات المعيارية، خاصة إن نشأ تعارض بين المجالين.

من هنا، تحاول تلك الورقة فهم أبعاد الجدال وإشكالياته حول ظاهرة النفاق السياسي ومدى اختلاف ممارساتها وتبريراتها وآثارها من فاعل وسياق داخلي إلى آخر دولي لا سيما أنها نالت نقاشات واسعة في الدراسات السياسية والاجتماعية خاصة الغربية، والأهم مدى فعالية الاتهامات بالنفاق سواء في السياسات المحلية أو الدولية في تغيير أو إصلاح سلوكيات الفاعلين السياسيين كي يكونوا أكثر اتساقاً بين الخطاب والممارسة.

تفكيك النفاق.. الصور والخطر والمنفعة

النفاق هو رذيلة تخالف معيار الاتساق بين القول والفعل سواء في مجال الأخلاق أو الدين أو العلاقات الإنسانية بشكل عام. مع غياب هذا الاتساق، تنشأ فجوة بين المعلن والواقع تعبر عن الخداع والتضليل من طرف إزاء آخر، حيث يتظاهر المنافقون بما يناقض حقيقتهم، ما يفسر اشتقاق مفردة النفاق في الإنجليزية hypocrisy من كلمة لاتينية hypókrisis ، أي الممثل المسرحي الذي لديه قدرة على الظهور بأقنعة متعددة دون أن تعبر عن شخصيته الحقيقية[2].

لذلك، تُجرِّم مختلف المعتقدات الدينية النفاق، فالإسلام يتوعد المنافقين بـ”الدرك الأسفل من النار”، ويحدد خصالهم المذمومة بالكذب عند القول، أو خيانة الأمانة، أو الفجور عند الخصومة، فيما تعتبرتهم المسيحية “حيّات وأولاد أفاعي”. أما اجتماعياً، فالمنافق كالحرباء تتلون وتتكيف مع مختلف البيئات التي تعيش فيها، بما يجعله غير جدير بالثقة والتعاون كقيم يتأسس عليها رأس المال الاجتماعي.

لكن على المستوى الفلسفي، نشأ جدال حول النفاق، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين الكينونة والمظهر، فمال سقراط لمنطق اتساق المرء بين المعلن والحقيقي، أي إظهر أمام نفسك كما ترغب في الظهور أمام الآخرين، فيما نصح ميكيافيللي ببراجماتيته بالعكس، أي أن يظهر المرء كما يرغب أن يكون، دون أن يعبأ بما هو عليه، بل إنه سوغ استخدام النفاق في ممارسات السلطة، من خلال نصائحه لـ”الأمير” بأن الغاية تبرر الوسيلة، أو خيانة العهود إن تطلبت المصلحة ذلك[3].

 ولأن النفاق يرتبط به سلوكيات كالكذب والخيانة والتضليل والافتقار للنزاهة، لهذا ينظر له كمظلة تختبأ خلفها رذائل أخرى، ما جعل ممارساته تتجلى في صور عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر: تصرف المرء بطريقة تتعارض مع خطاباته المعلنة، أو تطبيقه لمعايير على موقف دون آخر أو رفض تطبيقها على نفسه أو ادعائه أهدافاً سامية بينما تعكس أفعاله دوافع منحطة، أو التظاهر بمعرفة يفتقر لها أو يجتزأها أو يدعي توظيفها من أجل الصالح العام بينما تخدم مصالحه الخاصة، أو ادعاء ولاء لا يملكه أو هوية لا يحمل أسسها، أو الوعد بشيء يعلم مسبقاً أنه لن يقدر على تنفيذه، أو إقدامه على نقد الضعفاء والصمت أمام الأقوياء… إلخ.

قد ينتقل النفاق من صور الممارسات المتناقضة إلى التلاعب أو التضليل اللفظي أو المصطلحي في الخطابات لإفراغ الحقائق من مضامينها، على نحو يبرز أكثر في تفاعلات الفضاء الإلكتروني، كساحة لصراع السرديات مع انتشار تأثير أدوات ثورة الاتصالات والمعلومات في المجتمعات. إذ برز نمط النفاق الرقمي Digital Hypocrisy[4]، كتعبير عن حالة من التقمص الإلكتروني، حيث يسعى العديد من الأشخاص للظهور بهويات مثالية تطرح خطابات تتظاهر بدعم الصالح العام، بينما تخفي ذواتهم الحقيقية مآرب شخصية أو لا تكون بهذا القدر من المثالية التي يصورونها عن أنفسهم أمام الآخرين.

عندما يحل النفاق في السياسة لا تختلف معانيه، إذ يظهر عندما تتكشف الفجوات بين الأقوال والأفعال، لكن أطرافه أو فاعليه تصبح ذات طبيعة سياسية (قادة، جماعات، منظمات، دول) ، فيما تختص تفاعلاته بقضايا السلطة والقوة والمصلحة، وتحكمها دوافع البحث عن المصلحة أكثر من الالتزامات الأخلاقية والمعيارية، على الأقل من منظور برجماتي. يتضمن هذا المعنى مستويين مترابطين أحدهما، الفاعل المنافق: أي من يقدم على سلوكيات سياسية متناقضة، والآخر، بيئة النفاق، أي السياق السياسي الذي يجري فيه النفاق، وهو يحدد مدى انتشاره أو تحجيمه في حدود معينة.

ولهذا النفاق السياسي ممارسات أساسية تجعل من يقدم عليها عرضة للاتهام به من الآخرين، من أبرزها:

  • ظهور تناقضات بين الخطابات العامة للفاعلين السياسيين وممارساتهم الخاصة، بما يعني الافتقار للنزاهة كون السياسة شأناً عاماً يفترض ألا يتداخل مع الشأن الخاص.
  • ازدواجية تطبيق الفاعلين السياسيين الأحكام والمعايير من مجموعة من البشر أو قضية إلى أخرى، أي توظيف مسيء للمعايير العامة كونها تستند على الاتساق والعمومية في التطبيق.
  • التضليل العام بشأن الفجوة بين ادعاءات السلطة حول السياسات العامة ومردوداتها على أرض الواقع، بما يجعلها تخالف قيمة الأمانة السياسية التي يفترض توفرها في ممارسة الوظائف العامة كونها تمثل مصالح المجتمع.
  • ممارسة تلاعب لفظي لطمس الحقائق أو التهوين من شأنها (تجري مثلاً إبادة جماعية في غزة أقرتها منظمات أممية ودولية بينما قد يصفها البعض بالمعاناة الإنسانية لتبرير مواقفه أو التهوين من شأنها كجريمة يترتب عليها محاسبة إسرائيل).

تختلف درجات إدانة النفاق في تلك الممارسات، وفقاً لطبيعة الدوافع والتبريرات. فقد يجري مثلاً نوع من التسامح مع سلوكيات الفاعل السياسي المنافق ذات الدوافع العامة التي تحقق المصالح العامة (قادة سياسيون ينافقون العدو في الحرب أو حتى المنافسين الخارجيين من أجل مصلحة عامة لبلادهم)، بينما يتم إدانة تلك السلوكيات الأخرى سواء في حالات الدوافع الخاصة (قادة سياسيون يوظفون منصبهم العام لمصالح خاصة وأنانية) أو ازدواجية المعايير أو التضليل بشأن السياسات العامة أو التلاعب أو الكذب في الخطابات بما يخالف الواقع.

 يكمن خلف الإدانة العامة لممارسات النفاق السياسي عدة عوامل جوهرية تجعله ليس فقط مكروهاً وإنما خطر على بنية السياسة في الدول والمجتمعات[5]:

  • بناء مرجعية زائفة: يسعى المنافقون إلى إقناع الآخرين بأنهم أكثرهم إخلاصاً أو نزاهة أو ثقة أو التزاماً بالمعايير على عكس الحقيقة، أي يصورون أنفسهم كأخيار، بينما هم أشرار وأكثر تدنياً. يقود هذا الخداع في مجال السياسة إلى بناء مكانة أو سلطة أو أهلية أو مرجعية معيارية زائفة تتيح للفاعل السياسي التأثير على أحكام الآخرين وشرعنة سلطته أو الدفاع عن مصالحه، مثل السياسي الذي يقنع جمهوره العام بأهمية مكافحة الرشى لإظهار تمسكه بالفضائل، بينما يتقاضاها هو نفسه من أصحاب النفوذ والمصالح، أو الدولة التي تزعم ممارسة سياسة خارجية أخلاقية لمناصرة الحقوق والحريات حول العالم، بينما تخالفها عندما يتعارض ذلك مع مصالحها.
  • تقويض حق المعرفة: يعمل المنافقون على تجهيل المخاطبين بحقائق الواقع السياسي عبر الكذب أو التجميل أو طمس الحدود بين الحقائق والواقع لأغراض خاصة أو للتهرب من المسئولية عن الأزمات، وبالتالي، قد يسهمون في خفض الوعي العام للمجتمع، وتعطيل آليات كالشفافية والمساءلة والمحاسبة، لأنه من دون معلومات ومعرفة صحيحة قد لا يتمكن المواطنون من محاسبة الفاعلين السياسيين عن سياساتهم وأفعالهم، وهو ما تسميه الدراسات بـ”الظلم المعرفي”.
  • تكريس المظالم والتفاوتات: أي أن ازدواجية المعايير للفاعل السياسي والحكم بطريقة مختلفة من حالة إلى أخرى أو ما يسمى “الكيل بمكيالين” تعني نوعاً من الظلم وعدم العدالة لمن وقع عليهم أثر ممارسات النفاق. بالمثل، فإن التضليل الذي قد تمارسه حكومة ما بشأن مردود السياسات العامة، عبر تجميل واقع مأساوي قد لا يقف أثره عند التشكيك في شرعيتها، إنما يتحمل كلفته المجتمع، عندما يقود إلى فساد عام يهدر حقوق المواطنين ويوسع التفاوتات فيما بينهم على الصعد السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.

على الجانب الآخر، هنالك منافع متصورة لممارسة النفاق السياسي لكنها ترتبط بأبعاد وظيفية وفي سياقات محددة[6]:

التهيئة للحوار:

تنطوي العلاقات السياسية، خاصة في الديمقراطيات التعددية، على احتياج متبادل لأطراف متعددة لديها مصالح متناقضة. وبالتالي، يحتاج التعامل لاستيعابها وبناء شراكات ممارسة قدر من النفاق، أي عدم الصراحة التامة لتجنب إحراج الآخرين أو إثارة العداء، وبالتالي نسج علاقات ودية تسمح بفتح الطريق للحوار. وهو نمط غير قاصر على علاقات الأفراد والجماعات إنما يمتد للأساليب الدبلوماسية بين الدول، حيث تصبح ممارسة النفاق أحياناً ثمناً لخلق فرص اللاعنف.

في هذا الإطار، تبرز استراتيجية تبادل المجاملات (الإطراء، المديح، التهنئة، التعزية) بين اللاعبين السياسيين في الأحداث الوطنية أو الكوارث أو غيرها. وترجع تلك النظرة النفعية للنفاق إلى منظور “البراجماتية اللغوية”، حيث قد يقود استخدام اللغة وفقاً لطبيعة السياقات الاجتماعية إلى بناء علاقات متناغمة لمنع الصراع. فقد ميزت لغة المجاملات اليومية سلوكيات الطبقة العليا عن الدنيا في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، ليتبلور في الثقافة الغربية إرث “النفاق المهذب” الذي ينطوي على اللباقة والتهذيب عند التعامل مع الآخرين.

تجنب التهديدات:

أي يصبح للنفاق وظائف تفاوضية وحمائية ودفاعية إن كانت تفاوتات القوة في سياق سياسي ما يمكن أن تتحول إلى تهديدات للأطراف الأضعف أو تهمشها أو تبخس حقوقها. ترتبط هنا ممارسات النفاق عادة بالبيئات المعادية أو القمعية أو العنيفة، ويسمى بـ”النفاق الاضطراري”، أي نوع من الامتثال الكاذب لتجنب التهديد، كما يظهر عندما تلجأ بعض الجماعات المهمشة في مناطق الصراعات إلى منافقة القوة المسلحة المهيمنة. من ثم، ليس شرطاً أن ينافق الفاعلون السياسيون أو يتظاهرون بدعم آراء أو معايير معينة من أجل الخداع والتضليل للآخرين، إنما أحياناً من أجل حماية أنفسهم إن كان السياق يفرض كلفة باهظة على الصدق السياسي.

ويرتبط تحول النفاق السياسي من منفعة إلى خطر بحدود انتشار ممارساته وطبيعة القضية التي يمارس فيها التناقض ووزن الفاعل السياسي وأثره في تفاعلات الواقع، والأهم ما إذا كان السياق السياسي يوظف النفاق لمصلحة السلطة أم يحوي آليات لمناهضته. فأضرار النفاق قد تفوق أحياناً منافعه، مثلاً، عندما يتجاوز النفاق القضايا الاعتيادية إلى المصيرية أو الوجودية التي تؤثر في أمن وبقاء الدول والمجتمعات أو تتسبب في إزهاق الأرواح ونشوب الحروب والدمار أو اهتزاز المرجعيات القيمية الكبرى، وهو ما سيتضح لاحقاً عند مناقشة أمثلة النفاق وملابساته المختلفة بين السياقات المحلية والدولية.

إشكاليات النفاق.. السياق والدوافع والمسار

يثير المعنى السابق للنفاق السياسي وصوره ومخاطره ومنافعه إشكاليات عديدة تعكس بالأساس مدى تعقده والتباسه وصعوبة الإمساك به بشكل محدد كونه ظاهرة سياسية تتداخل فيها الأبعاد الثقافية والمجتمعية والنفسية، فضلاً عن اختلاف السياقات التي يجري فيها ودوافعه ومساراته ومدى اكتمال عملية فضحه من عدمه.

إشكالية السياق:

تختلف طبيعة النفاق السياسي ودوافعه وآثاره وفقاً للبيئة التي يجري فيها. فالسياقات المحلية تخضع لسلطة ومؤسسات نظامية مستقرة يصبح فيها التناقض بين ادعاءات السياسة وواقعها تشكيكاً في شرعية السلطة، لأنها يفترض أن تتأسس على الاتساق بين ما تطرحه من معايير وقيم وما يلمسه الناس في الواقع. فالدول الحديثة تصوغ دساتير وقوانين تنطوي على معايير عامة كالمساواة والحريات والعدالة للمواطنين كي تطبقها على المجتمع، وتتحدد شرعية السلطة وحالة الرضا العام عنها بمدى القدرة على هذا التطبيق من عدمه.

تزداد خصوصية النفاق في السياسة المحلية، مع هيمنة فاعلين إما أفراد أو جماعات تخضع شرعيتهم أيضاً في الممارسة السياسية أمام الجمهور بمدى الاقتراب السلوكي من عدمه من العوامل الأخلاقية والمعيارية في خطاباتهم أو سلوكياتهم الخاصة والعامة، وحال أظهروا تناقضات بين الأمرين فقد يدفع ذلك الناخبين إلى اعتبارهم منافقين سياسياً، مما قد يضعف فرص إعادة انتخابهم، خاصة في سياقات الأنظمة الديمقراطية مقارنة بالتسلطية التي قد تتراجع فيها معاقبة المنافقين بسبب الهندسة المسبقة للتمثيل السياسي وضعف آليات المحاسبة.

يختلف الأمر نسبياً في السياسة الدولية، فمع هيمنة النظرة الواقعية يتم النظر للسياسة كحالة صراع وبحث عن القوة بحكم افتراض الطبيعة العدوانية والأنانية للبشر أو الفوضى في السياق الدولي، حيث لا توجد سلطة عالمية فوق الدول، قادرة على إنفاذ معايير وقيم مشتركة، فحتى في ظل وجود مؤسسات أممية وقوانين ومعاهدات دولية تظل مخرجاتها رهينة توازنات القوى ومبدأ السيادة.

لهذا، فمن منظور واقعي لا يمكن تقييد صناع القرار في إدارة السياسات الخارجية بالأطر الأخلاقية والمعيارية للأفراد أو الجماعات، وبالتالي يصبح استدعاء الفضائل أو الرذائل ومنها النفاق مرتبطاً بمدى ما تحققه من مصالح للدول أو مدى توافقها مع القيم ذات الطبيعة الواقعية للفاعلين السياسيين الدول مثل: البقاء والأمن والضرورة والمصلحة الوطنية[7].

لكن تلك النظرة الواقعية ليست مطلقة في تجاهل العامل الأخلاقي أو تسويغ ممارسات النفاق في العلاقات الدولية، ففي مواجهتها يدافع الليبراليون عن الحضور القيمي والأخلاقي في السلوكيات الخارجية بمنطق غائي نفعي لتحقيق مكاسب مشتركة من التعاون والسلام، وفي إطار هياكل ومؤسسات النظام الدولي، لا سيما مع صعود أزمات عالمية عابرة للحدود، كالحروب وتغير المناخ وتدفقات اللاجئين، تتطلب جهوداً مشتركة والتزامات معيارية وقيمية وغيرها[8].

أيضاً، قد يصعب فصل التأثيرات المتبادلة بين السياسات الخارجية والداخلية للدول، فالأولى يفترض أنها تعمل بالأساس لتحقيق أهداف الثانية، بل وتأخذ منها شرعيتها وقدرتها على التمثيل الخارجي أمام المجتمع الدولي. مع هكذا ارتباط، قد تظهر إمكانية الارتدادات الانتشارية للنفاق أو غيرها من الرذائل التي تمارسها الدول في السياسة الخارجية على أبنيتها ومؤسساتها الداخلية.

يطرح تلك الإشكالية جون ميرشمر عند تحليله لرذيلة مثل كذب القادة من منظور واقعي، والتي قد تنسحب على النفاق كرذيلة رئيسية مرتبطه به. إذ يفرق بين ما هو كذب شخصي لتحقيق مصالح ذاتية، وآخر استراتيجي يحقق منافع عامة للدولة في وقت السلام أو الحرب، مستدلاً بكذب الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي على شعبه في أزمة الصواريخ الكوبية، بما ساعد على منع الحرب بين القوتين العظميين إبان الحرب الباردة. لكن ميرشمر عاد ليحذر من ارتدادات الكذب، خاصة أنه يتطلب إقناع المجتمع بأن مشكلات صغيرة هي خطيرة حتى يُصدِّق الأكاذيب، بخلاف الخشية من أن منطق الكذب في الدفاع عن مصالح الدولة في الخارج قد يقود إلى تسرب قيم عدم الأمانة للمؤسسات السياسية داخل الدول[9].

إشكالية الدوافع:

 أي أن التناقض وحده قد لا يكون دليلاً كافياً على الاتهام بالنفاق، لأنه قد ينشأ بفعل دوافع مختلفة قد لا يكون منها استهداف الخداع والتضليل، مثل: ضعف الإرادة أو مواجهة مواقف ملتبسة تثير قيماً متضادة لا يمكن التمييز بينها، أو أن الخبرات المتراكمة قد تقود إلى التراجع عن مباديء تم تأييدها بالماضي بفعل اكتشاف خطئها أو عدم صلاحيتها للتعامل مع الأوضاع الراهنة أو نقص الموارد اللازمة لإنفاذ سياسات معينة على أرض الواقع أو كما أسلفنا أيضاً الاضطرار للنفاق السياسي تجنباً للتهديدات.

لهذا، يجادل البعض بأن هنالك تناقضات “مقبولة العذر” أو “نفاق غير متعمد” يختلف عن النفاق المتعمد “غير مقبول العذر” الذي يصبح العامل الحاسم فيه هو استهداف الخداع والتضليل، والسعي لتحقيق أغراض خاصة على حساب الصالح العام، فضلاً عن استدماج عدم الاتساق بين القول والفعل كمبدأ استباقي عند التعامل مع بناء الخطاب والواقع.

يثير هذا الطرح إشكالية مضادة تتعلق بمدى اختلاف آثار النفاق السياسي غير المتعمد والمتعمد في الواقع. فقد يتساوى أثر الخطأ ونقص الموارد والاضطرار أو الخداع الناجم عن تناقض المنافقين، كأن يدعي مسئول سياسي مثلاً في خطاباته العامة مناصرة الفقراء، بينما تشير ممارساته الخاصة وسياساته الفعلية إلى دعمه للأغنياء. وسواء أكان ذلك يتم عن ضعف إرادة في تطبيق الادعاءات أو نقص موارد أو أنه بيّت النية بالفعل لممارسة الخداع والتضليل، فإن النتائج قد تكون واحدة في وقوع ضرر التناقض على المجتمع[10].

إشكالية المسار:

يأخذ النفاق مساراً في المجال السياسي قد يكتمل أو لا يكتمل، وفقاً لمدى انكشاف التناقض، فهو يبدأ من طرح الفاعل السياسي الخطابات لإقناع المخاطبين بسردية معينة عن الأحداث أو القضايا، على النحو الذي يتظاهر فيه ذلك الفاعل بأنه يؤمن بما يطرحه من معايير، ثم تنكشف تلك الفجوة مع سلوكياته.

هنا، تكمن معضلة الاتهام بالنفاق، لأنه يظل أحياناً “رذيلة خفية”، عندما يتعلق بالممارسات الخاصة للفاعل السياسي، حيث يصعب معرفة نوايا المتحدث في الخداع بمجرد طرح ادعاءاته، والتي قد لا تنكشف لفترة زمنية، إلا مع اعتراف المنافق نفسه بتناقضاته أو ظهور أدلة وقرائن على تضليله. أما في حالة ازدواجية تطبيق المعايير، فقد يصبح النفاق “رذيلة علنية”، عندما يقارن المخاطبون بالنفاق بين أحكام وسلوكيات المنافق المتباينة من موقف إلى آخر أو يجدون أن ما تطرحه حكومة ما من ادعاءات وخطابات لا تلامس واقعهم.

ما إن يفتضح النفاق، فإن عواقبه تتراوح بين تحويل الفاعل السياسي المنافق إلى منبوذ وغير موثوق فيه، أو محاسبته إن قاد النفاق إلى فساد عام، أو عدم الثقة في ادعاءات المنافق أو أحكامه العامة دون إحداث قطيعة معه لاعتبارات المصلحة وتفاوت موازين القوة أو حتى الصمت عليها لاعتبارات الخوف والقمع. لكن قد لا يثير أحياناً انكشاف النفاق تلك التبعات المتصورة، أي لا يصير هنالك مشكلة من أساسه إن كان النفاق جزءاً أساسياً من اللعبة السياسية، وبالتالي يصعب أن يتهم به طرف الآخر. مع ذلك كله، تتباين تلك التبعات ودرجاتها بين مستويات الأفراد والقادة والجماعات والدول، ومن السياقات المحلية إلى الدولية.

آثار النفاق بين سياقات الاستبداد والديمقراطية

تختلف آثار ممارسة النفاق المحلي داخل الدول باختلاف سياقاتها السياسية، فهي قد تحد منه أو تسمح له بالتغلغل في بنية المؤسسات والمجتمع والثقافة. هنا، يمكن النظر في طبيعة العلاقة بين النفاق المحلي وسياقات الأنظمة الاستبدادية والديمقراطية، حيث يظهر منها تباين النظرة لمخاطر ومنافع النفاق، والعواقب المحتملة لانتشاره.

توطيد الاستبداد مع التمهيد لانهياره:

ثمة علاقة وثيقة بين النفاق والاستبداد سواء أخذ صيغة الأنظمة الشمولية (تهيمن على المجالين العام والخاص من خلال القمع والرقابة وسيطرة الحزب الحاكم وهيمنة الزعيم كالنظام النازي لهتلر في ألمانيا ونظام ستالين في الاتحاد السوفيتي) أو الأنظمة التسلطية التي تبدو نسخة أقل تطرفاً (تسيطر على المجال العام لكن قد تسمح ببعض الحريات والتنوع السياسي والاجتماعي).

تتجلى صور النفاق في سياقات الأنظمة الشمولية والتسلطية عبر تملق أفراد أو نخب وجماعات للسلطة بغية الحصول على مزايا مستحقة أو غير مستحقة لا يمكن الوصول لها إلا عبر التظاهر بدعم السلطة أو قد يجد الناس العاديين أن الخطابات التي تطرحها السلطة تضليلية كونها لا تنعكس على واقعهم، مع ذلك قد ينافقونها إما خوفاً أو طمعاً، أي يصبح هنالك نمط من “النفاق المتبادل” بين السلطة والمجتمع.

أكثر من جسد علاقة النفاق بالأنظمة الشمولية هو الكاتب البريطاني جورج أورويل من خلال روايته الشهيرة “1984”، والتي نالت اهتماماً واسعاً بالنقد والتحليل في الدراسات السياسية الغربية[11]. إذ ناقش أورويل كيف أن النظام الشمولي الذي يقوم على عبادة زعيمه وهيمنة الحزب الحاكم ومراقبة سلوك الأفراد في المجالين العام والخاص، يتلاعب معرفياً بعقول المواطنين عبر منطق التفكير المزدوج وتزييف التاريخ والحقائق. وفي مواجهة ذلك، لا يجد بعض الأفراد سوى إعلان ولاءهم لـ”الأخ الكبير” والحزب المهيمن علناً، بينما يخالفونه سراً. لكن ما إن يتم اكتشاف أمرهم، كحال وينستون سميث بطل الرواية، فلا يتعرض فقط إلى التعذيب الجسدي، إنما كسر إرادته وتغيير أفكاره، بما يعيده إلى الولاء لـ”الأخ الكبير”[12]. 

هنا، ترى المُنظِّرة السياسية حنة أرندت أن الأنظمة الشمولية تعتمد على الحشد الجماهيري والأيديولوجي واستخدام العنف تجاه الأعداء المفترضين حتى يصبح مقبولاً أو أمراً عادياً بفعل “الافتتان بالشر”، أي تنشأ حالة من اللامبالاة من الجماهير عند استخدام العنف تجاه الآخرين أو حتى عدم إدراك أنه قد يطالها هي نفسها. لهذا، لم يكن صدفة، من وجهة نظرها، أن تندر الاحتجاجات ضد الفظاعات التي ارتكبت من النازيين ضد اليهود وشعوب أوروبا.

مع تمدد حالة العنف والخوف، تدفع السلطة الشمولية الجماهير إلى ممارسة الازدواجية السياسية، أي تعبر عن أفكار لا تؤمن بها، مما يقود إلى إضعاف التفكير النقدي في المجال العام، وتضخيم البعد الأيديولوجي في الثقافة العامة، مما قد يسهم في خلق بيئة ينتشر فيها النفاق السياسي، وفي الوقت نفسه مناهضته، خاصة للمخالفين للسلطة عبر مأسسة التطهير للمنافقين، كما الحال بعد الثورة البلشفية الروسية أو الفرنسية. لكن أرندت تنظر لتلك الحرب على النفاق وبفعل العنف، على أنها حولت دكتاتورية روبسبير بعد الثورة الفرنسية إلى عهد الرعب[13].

لا يمر النفاق كسبب ونتيجة لسياقات الأنظمة الشمولية دون عواقب. تشير هنا إحدى الدراسات[14] إلى أن العلاقة بين النفاق وتلك الأنظمة تمر عبر مرحلتين أساسيتين، مستدلة بثلاث تجارب تاريخية (ألمانيا إبان حكم النازي، الاتحاد السوفيتي من حكم ستالين حتى جورباتشوف، إيران إبان حكم الشاه رضا بهلوي). المرحلة الأولى هي التوطيد، حيث يلعب النفاق دوراً في إرساء دعائم وهياكل تلك الأنظمة، فمع ضعف الوعي العام وطمس الحدود بين الحقيقة والخيال يجري إعادة إنتاج النفاق مرة أخرى كبيئة عامة تعكس حالة الاستسلام السياسي.

أما المرحلة الثانية، فهي الإنهيار، فمع اتساع الفجوة تدريجياً بين ادعاءات وتفضيلات السلطة والواقع الذي يعيشه الناس، تبرز الاحتجاجات والقمع المفرط وصعود معارضة ترفع الوعي العام أو قد يواجه النظام هزيمة عسكرية على غرار نظام هتلر أو تظهر اتجاهات إصلاحية، مثل سياسة جورباتشوف في الإصلاح، والتي فتحت الطريق – من وجهة نظر البعض- أمام انهيار الاتحاد السوفيتي السابق كونها عززت الفجوة بين الادعاءات وواقع النموذج الشمولي التي أقيمت عليه السلطة.

نفاق ديمقراطي قد يمهد للشعبوية:

 يظهر النفاق في سياقات الأنظمة الديمقراطية بسبب طبيعتها القائمة على منطق الحلول الوسط والمساومة والتنازلات. فالسياسيون قد يقبلون بمواقف قد لا يؤيدونها، كي يجري تعايش بين التعدديات المختلفة في المجتمع. بل إن الديمقراطية، في حد ذاتها، تطرح مباديء وأهدافاً طموحة قد لا تلامس كلها الواقع، بالتالي قد ينشأ التناقض نفسه نتاج سوء تقدير السياسيين لمدى إمكانية تطبيق تلك الطموحات[15].

لكن تفهم وجود نفاق وظيفي في الديمقراطيات– كما تبنته جوديث شكلار وديفيد رانسميان وغيرهما من الباحثين الغربيين[16] لا يعني التخلي عن المباديء المعلنة، فحتى لو انحرفت الأخيرة عن التطبيق، فإنها تصير أداة للمحاسبة. مع ذلك، عبر أولئك الباحثين عن الخشية من تمدد النفاق في الديمقراطيات ليلتهم كل شيء في المجال العام، لهذا بدا هنالك تركيز من قبلهم على أن التعايش مع النفاق في الديمقراطيات يتطلب آليات فعالة لمناهضته كالمحاسبة.

ربما ترجع حالة عدم الانزعاج العام من النفاق في الديمقراطيات ليس فقط لأن طبيعتها تقتضي ممارسة بعض التناقض بالأساس، لكن لوجود نظرة عامة بأن هنالك ما هو أخطر من النفاق، فعلى الرغم من أن أرندت اعتبرت النفاق “رذيلة الرذائل”[17] لأنه ينكشف من خلالها الفساد، مع ذلك نظرت له كـ”مشكلة صغيرة”، لأن الناس يمكنهم فضح النفاق أكثر من قدرتهم على تغيير الظلم داخل المجتمعات. بالمثل، اعتبرت شكلار النفاق “رذيلة عادية”، حيث رأت أن القسوة هي الأكثر سوءاً بين الرذائل في السياسة، لأن التسامح مع انتهاك حقوق البشر قد يصبح الباب الخلفي لانتشار النفاق[18].

تجادل أيضاً جرانت[19] بأن رذيلة الكذب أكثر خطراً من النفاق، برغم الارتباط النسبي والتداخل الوثيق بين الرذيلتين، فمن وجهة نظرها، فإن إخفاء معلومات أو نشر أكاذيب تجعل الخطوط غير واضحة بين الصواب والخطأ أو الخيال والحقيقة مما يقوض قدرة المجتمع على محاسبة السلطة، وهو أخطر من مجرد التظاهر بادعاءات دون القدرة على تطبيقها.

تزداد تلك الخطورة في ظل عالم ما بعد الحقيقة، حيث تصبح العواطف أكثر تأثيراً من الحقائق في اتجاهات الرأي العام، وبالتالي تقود إلى حالة الاستقطاب السياسي، حيث يستهدف كل طرف الآخر بإطلاق الأكاذيب عليه، معتمداً على العامل العاطفي في دعم جمهوره، وهو ما وظفته تيارات الشعبوية في صعودها السياسي في أوروبا والولايات المتحدة.

إلا أن المنطق التعايشي بين النفاق والديمقراطية، كون الأخيرة تملك آليات انتخابية تتيح معاقبة المنافقين سياسياً عبر آلية الانتخابات لم يحل دون توسع عواقب تلك الرذيلة في الواقع، خاصة عندما تصبح الفجوة هائلة بين الوعود والأداء، بحيث لا يمكن احتمالها، بما قد يدفع المجتمع إلى استنتاج أن الديمقراطية “ثمرة فاسدة”[20]، وهو ما أسهم في تفاقم أزمة التراجع الديمقراطي في الغرب خلال العقدين الأخيرين، وصعود قادة شعبويين أمثال ترامب وغيره، كرد فعل غاضب من المجتمعات على نفاق النخب الحاكمة النيولبيرالية التي تدافع عن مصالحها الخاصة، وتتحدث عن خطابات المساواة، بينما تتسع التفاوتات الاقتصادية – الاجتماعية بسبب أثر سياساتها العامة على أرض الواقع.

لذلك، ينظر إلى الخيارات الشعبوية الصاعدة في أوروبا والولايات المتحدة على أنها نوع من العقاب السياسي على خداع النخب الحاكمة في الديمقراطيات الغربية، خاصة أن أحد عوامل انجذاب قطاعات من الناخبين في الولايات المتحدة للنموذج الشعبوي لترامب أنه لا يدعي الفضيلة، ولا يخفي رذائله أو عدم تهذيبه أو حتى مواقفه المتناقضة، أي لا يخادع جمهوره بشخصية منسجمة في الخطاب السياسي خلافاً للواقع، وهو ما وظّفه ترامب نفسه ومعه التيار الشعبوي عندما أسس خطابه الاستقطابي على إدانة نفاق الديمقراطيين في الولايات المتحدة[21].

ولم يكن مأزق النفاق الديمقراطي قاصراً على التجربة الغربية، بل إن تعثرات الديمقراطية في مناطق أخرى خاصة في دول الجنوب قاد أيضاً إلى ظهور أنماط من الشعبوية. إذ يُظهر، على سبيل المثال، استطلاع للرأي أجراه البارومتر العربي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين عامي 2023 و2024 أن الديمقراطية لا تزال مفضلة، لكن هنالك تزايداً في تقبل الرأي العام لنظم بديلة أخرى منها “الديكتاتورية الرشيدة” أو “حكم الرجل القوى” أو “الحكم المستند للشريعة”، بفعل الإحباط من الحكم السلطوي والانتقال الديمقراطي المُعطَّل بالمنطقة في مرحلة ما بعد ثورات عام 2011[22].

الإمبريالية والمواءمة المنظمة في النفاق الدولي

تختلف آثار النفاق الدولي عن نظيره المحلي، إلا أن هنالك محددين أساسيين يتحكمان في مدى تلك الآثار: الأول، متغير علاقات القوة، حيث قد يجري نوع من التعايش الحذر مع الدول المنافقة الأكثر قوة في النظام الدولي. أما العامل الآخر، فيتعلق بالقوانين والاتفاقات والأطر الدولية، والتي قد تواجه عند تطبيقها نوعاً من المواءمة بين الالتزامات المعيارية والمصالح الوطنية أو التسييس. يظهر هذان العاملان بجلاء في حالتي “النفاق الإمبريالي” و”النفاق المنظم” في السياسة الدولية.

معايير الإمبريالية لا تشمل الغرباء:

 يعني النفاق الإمبريالي أن هنالك قوة توسعية لديها خطابات وادعاءات ومعايير، لكن تخص مجتمعاتها بالتطبيق فقط، ولا تشمل من تغزوهم أو تحتل أراضيهم أو الغرباء بشكل عام، وهو نوع من النفاق يستند على تفاوت القوة وسرديات عنصرية تتعلق بالتفوق على الآخر[23].

برز ذلك النفاق الإمبريالي كتعبير، من جهة، عن الخبرة الاستعمارية للقوى الغربية في مناطق أفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، تحت ذرائع نشر التحضر الإنساني وتفوق الرجل الأبيض، بينما راكمت القوى الغربية رأسمالها من نهب ثروات الشعوب المُستعمَرة، وهو ما استمر بعد استقلال تلك الشعوب. من جهة أخرى، نشأت بعض الدول الغربية بطريقة عنصرية، فالولايات المتحدة تأسست على العنف والإبادة ضد السكان الأصليين، على الرغم من أنها صاغت بعد ذلك نموذجاً ديمقراطياً ليبرالياً يستوعب التعدديات المجتمعية.

 صاغت هذه المدخلات العقلية الغربية في القرن العشرين، حيث بنت النظام الليبرالي الدولي ومؤسساته بعد الحرب العالمية الثانية، على أسس متناقضة أو غير متسقة هيكلياً عبرت عن تفاوتات القوة وهيمنة معايير القوى الغربية، وفرض مصالحها على الآخرين، من خلال أطر مؤسسية وقواعد منظمة تتيح لتلك القوى التفلت من الالتزام بالمعايير، وامتلاك أدوات لمنع تطبيقها مقارنة بالقوى الأضعف (نموذج حق الفيتو للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن).

يفسر ذلك السياق إلى حد كبير ممارسات النفاق الغربي في العلاقات الدولية، مثل سياسة المعايير المزدوجة من قبل أوروبا والولايات المتحدة، فبينما تدعم حق أوكرانيا في مقاومة الغزو الروسي لأراضيها يتم إنكار هذا الحق نفسه بالنسبة للفلسطينيين في مواجهة المحتل الإسرائيلي، برغم ما يكفله القانون الدولي للسكان المحليين من مقاومة أي محتل لأراضيهم. صحيح أن المعايير المزدوجة تعكس أيضاً نوعاً من المصالح الجيوسياسية والأمنية الغربية، لكن لا يمكن فصلها عن إرث العقلية الإمبريالية[24].

بل إن غرور تفاوتات القوة يدفع إلى تحفيز النفاق الغربي في الأزمات الجيوسياسية الكبرى، فعندما غزت الولايات المتحدة العراق في عام 2003 تظاهرت أمام العالم بأنها تسعى إلى تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان ومنع نظام صدام حسين من امتلاك السلاح النووي، ولم يكن كل تلك الادعاءات سوى أكاذيب انكشفت لاحقاً سواء في انتهاكات سجن أبو غريب أو تحويل هذا البلد إلى حالة من الفوضى والإرهاب لأكثر من عقد.

يمكن أيضاً تلمس النفاق الإمبريالي، ذي الطابع العنصري، في حالة الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في حرب غزة، فإسرائيل تطرح نفسها على أنها نموذج غربي يتمسك بقيم ومعايير ديمقراطية معينة، لكن تطبقها على مواطنيها فقط[25], فالقانون الأساسي الذي صدر في إسرائيل عام 1992 يحظر انتهاك حياة وكرامة أي شخص وحقه في الحياة، لكن تلك الحقوق تخص فقط الإسرائيليين دون أن تمتد إلى من يخضعون لاحتلالها، أي الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يصبح الفلسطينيون في وضعية الاستباحة والقتل والتجويع وعدم حيازة المكانة الأخلاقية المتساوية مع الإسرائيليين.

يتلاقي نفاق بعض الحكومات الغربية مع نظيره الإسرائيلي سواء بتبريرات مصلحية أو أيديولوجية وغيرها ليحفز على ممارسات الإبادة الجماعية تجاه الفلسطينيين في حرب غزة، لا سيما أن المواقف والإدانات الخطابية الغربية لتلك الممارسات لم تتزامن معها تدابير وإجراءات كافية أو قوية لردع إسرائيل أو حتى لا تقارن بالعقوبات الغربية التي فرضت على روسيا إثر غزوها لأوكرانيا، خاصة إن أدركنا أن إسرائيل نفسها تعتمد على الدعم الأمريكي تسليحياً ودبلوماسياً[26].

مع ذلك، لا يمكن إنكار أن تلك الإدانات الخطابية، فضلاً عن اتساع ضغوطات الرأي العام العالمي لعبا دوراً في عزلة إسرائيل وتصويرها كفاعل منافق ومنبوذ، بل وتحفيز العديد من الدول الغربية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حتى لو بدا الأمر يعكس عوائد معنوية ورمزية وهوياتية في ظل تآكل أرض تلك الدولة على يد الاحتلال.

تأييد المعايير علناً مع تقييد تطبيقها:

يعبر النفاق المنظم (organized hypocrisy)[27] عن فجوة بين الأفعال والأقوال تقدم عليها الدولة عبر تلبية الالتزامات المعيارية المعلنة في خطاباتها السياسية، لكن تنفذها في الواقع بطرق قد تفرغها من مضمونها أو تقيد تطبيقها. لا يعني ذلك الانفصال أن الدولة ضد القيم والمعايير المعلنة في المنظمات الدولية والأمميةـ لكن قد لا تجد من مصلحتها تطبيق تلك المعايير. لهذا، ينظر لذلك النفاق كمواءمة بين القيم والمصالح تعبر عن ضعف آليات تطبيق الالتزامات الدولية بسبب مبدأ السيادة وأولوية مصالح الدول، لكن آخرين يرونه أداة برجماتية لحفظ الاستقرار والنظام الدولي، حتى لو بدا استقراراً شكلياً.

يظهر ذلك في قضية الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية في تقرير مصيرها في الاتفاقيات الدولية (المادة 3 من إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية)، فعلى سبيل المثال، تعترف السويد كدولة ديمقراطية في دستورها بتلك الحقوق وتلتزم بها علناً أمام المنظمات الأممية، لكنها تعمل بشكل معاكس عند إنزال هذا المبدأ في السياسة المحلية. مع ذلك، هنالك حدود لممارسة النفاق المنظم في السياسة الدولية بحيث لا يصل وصم سياسات الدولة بأنها مخادعة أو لا يمكن الثقة في التزامها بالاتفاقات المبرمة[28].

من جهة أخرى، قد تنطوي استخدامات القانون الدولي على ممارسات نفاق يشوبها التسييس، فعلى سبيل المثال، انتقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاستفتاء على انفصال شبه جزيرة القرم عام 2014 التي ضمتها روسيا، إذ أعلنت أنه لا قيمة قانونية له، وهو ما دفع حينها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرد بأن قضية القرم مماثلة لقضية كوسوفو التي رفض المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة إدانتها، حيث اعترفت واشنطن بكوسوفو بعد انفصالها عن صربيا في عام 2008.

قد يعبر التعامل الغربي المزدوج مع قواعد القانون الدولي عن مصالحه الجيوسياسية وصراعه مع روسيا كقوة صاعدة في النظام الدولي تسعى نحو دفعه للتعددية القطبية. مع ذلك، يظل هذا القانون معياراً قانونياً دولياً مهماً للمحاسبة ومحاكمة الواقع، وهو المنطق الذي تعمل به مؤسسات للعدالة الدولية، كمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، لإنتاج الامتثال الدولي حتى لو لم تملك قوة للتطبيق[29].

أخيراً، ينكشف النفاق الغربي بجلاء عند تقييم السياسة الخارجية الأخلاقية لأوروبا والولايات المتحدة التي يفترض أنها تعطي وزناً أكبر لحماية الحقوق والحريات عالمياً. إذ أظهرت إحدى الدراسات أن دولاً كفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة لم تمارس ضوابط في تصدير الأسلحة للدول النامية التي تنتهك حقوق الإنسان في فترة ما بعد الحرب الباردة، حيث أعطت أولوية لمصالحها الاقتصادية والأمنية على الالتزامات الحقوقية[30]. 

جدوى فضح النفاق وإصلاح السلوك السياسي

إذا كانت ممارسات النفاق جزءاً أساسياً من بنية التفاعلات في السياسات المحلية والدولية، فهل هنالك جدوى من فضحها؟.

 محلياً، يكتسب ذلك الفضح أهمية في ردع انتشار الفساد أو توظيف السلطة الشأن العام للصالح الشخصي أو الحد من الادعاءات والسياسات غير القابلة للتنفيذ في الواقع، ومن ثم إصلاح أو تغيير السلوك السياسي ليصبح أكثر اتساقاً مع المعايير، لكن بشرط امتلاك أدلة دامغة على اتهامات النفاق، وإلا فقدت أثرها، أو تحولت إلى توظيف سياسي بين الخصوم.

ذلك أن الاتهامات بالنفاق قد تستهدف أحياناً إظهار من ينتقد في ثوب الفضيلة مقارنة بمنافسيه أو هدم المكانة الأخلاقية للخصم والتشكيك في قدرته على تنفيذ الوعود التي يروجها أمام جمهوره أو نزع أهليته في ممارسة الأدوار في المجال العام، عبر التركيز على تناقضات سلوكه الشخصي. قد تقود اتهامات النفاق أيضاً في بعض السياقات إلى تشتيت النقاش حول القضايا الجوهرية، لتجنب مناقشة الادعاءات التي يطرحها المنافق، كالمسئول السياسي الذي يحث المجتمع على الالتزام بقواعد الإغلاق وقت جائحة كورونا، ثم يخرقها شخصياً. هنا، يوصف سلوك ذلك المسئول بالنفاق، لكن المعضلة تظهر عندما يقتصر الأمر على ذلك الاتهام، ولا يتم مناقشة أثر سياسات الإغلاق نفسها على المجتمع[31].

في السياسة الدولية، يشكل فضح النفاق سلاحاً للضعفاء في مواجهة تفاوتات القوة مع القوى الكبرى التي تخترق المعايير والالتزامات القيمية. وعلى الرغم من أن الفضح هنا قد يؤدي إلى كلفة معنوية لتشويه السمعة والمكانة، دون التأثير في توازنات القوى، لكن البعض يجادل بأنه حتى تلك الكلفة المعنوية للفضح قد تؤثر على قوة مهيمنة، كالولايات المتحدة، كونها تقوض شرعية النموذج القيمي والمعياري التي تستخدمها في فرض نفوذها ومصالحها على الدول الأخرى، لا سيما أن ممارسة الهيمنة لا تعتمد فقط على العوامل المادية العسكرية والاقتصادية وإنما قبول الآخرين بسرديتها القيمية والمعيارية.

إذ تدفع حالة عدم الثقة في واشنطن دول الجنوب إلى البحث أكثر عن بدائل دولية قد تكون أكثر توازناً في التعامل مع المعايير والقيم العالمية، وهو ما يقود إلى اهتزاز المرجعية القيمية في النظام الدولي، على النحو الذي برز في أعقاب تداعيات حرب إسرائيل على غزة وتوسع عدوانها على دول عديدة في منطقة الشرق الأوسط دون رادع، وهو ما يفسر دعم دول الجنوب لاتجاهات التعددية القطبية، خاصة مع صعود روسيا والصين والهند وغيرها. مع ذلك، فإن تلك القوى الصاعدة ليست بمنأى هي الأخرى أيضاً عن ممارسات النفاق السياسي.

وعلى الرغم من أنه لا يمكن إنكار تسييس عملية فضح النفاق في مجالات كحقوق الإنسان أو استخدامه في سياق الصراعات الدولية لدوافع مصلحية وجيوسياسية، كما يجري بين القوى الغربية دول الجنوب، مع ذلك، فقد يلعب دوراً في تحسين السلوك السياسي للدولة، أي دفعها لتكون أكثر اتساقاً بين ادعاءاتها وسلوكياتها، حيث تحرص عادة الدول على الظهور بمظهر الملتزم بمعايير تلك الحقوق، كجزء من بناء صورتها ومكانتها الدولية.

لذا، لا يبدو الحل – من وجهة نظر البعض- في تخلى القوى الغربية علناً عن فكرة المعايير والالتزامات الحقوقية أو الأخلاقية أو لا تبرر تصرفاتها وفقاً لتلك المعايير كي لا تصنف كقوى منافقة[32]، حيث إن نموذج سياسات ترامب في العلاقات الدولية يُظهر أن عالماً فجاً بلا معايير، وصريحاً لا يدعي الفضيلة في تعبيره عن السعي إلى المصالح سيكون أكثر عنفاً واضطراباً وقسوة، وسينال بشكل أكبر من القوى الأضعف. 

يظل في الأخير أنه برغم التسليم بأن النفاق مدان أخلاقياً ودينياً بل وإنسانياً، لأنه لا أحد ببساطة يفضل الخداع والتضليل، لكن يظل وجوده في السياسة أمراً لا يمكن تجاهله، في ظل عالم تغلب عليه علاقات القوة والمصالح أكثر من المعايير والالتزامات الأخلاقية. مع ذلك، فإن تعزيز آليات مناهضته هو السبيل لمنع تحوله من طابعه الوظيفي في استيعاب التناقضات أو التكيف مع توازن القوى أو المواءمات السياسية إلى “نفاق بنيوي” يهدم أبنية السياسة ومؤسساتها، ويفقدها مقومها الأساسي، وهو الثقة، سواء على صعيد العلاقة بين الدولة والمجتمع أو على مستوى منظومة المؤسسات والهياكل الدولية.

————

المراجع

[1] صدرت هذه الرواية عام 1949، ونظر لها  البعض على أنها توجه نقداً لحالة الفساد الأخلاقي والاجتماعي والسياسي في مصر قبل اندلاع ثورة يوليو 1952: يوسف السياعي، أرض النفاق، دار مصر للطباعة،  صعيد جودة السحار وشركاء، 1977.

[2] David Runciman , Political Hypocrisy: The Mask of Power, from Hobbes to Orwell and Beyond ،Princeton University Press, 2010. Pp1-15

 [3] حنة أرندت، في الثورة، ترجمة عطا عبد الوعاب، المنظمة العربية للترجمة، 2008، ص 140، نيقولا ميكيافيللي، كتاب الأمير، ترجمة أكرم مؤمن، القاهرة، 2004، ينصح ميكيافيللي الأمير بعدم الوفاء بالعهود قائلاً: “على الأمير ألا يحفظ عهداً يكون الوفاء به ضد مصلحته، وألا يستمر في الوفاء بوعد انتهت أسباب الارتباط به”، ص 90.

[4]  للمزيد حول تلك الظاهرة، أنظر:

Samia BADI, Souhem BADI ,The Impact of Information and Communication Technology on the Social Value System: A Theoretical Approach to the Phenomenon of  Digital Hypocrisy, The journal of El-Ryssala for media studies Volume : 08 / Nᵒ : 02/ june 2024.

[5]Brian Carey , Hypocrisy and Epistemic Injustice Ethical Theory and Moral Practice , 2024, https://doi.org/10.1007/s10677-024-10442-3

Maggie O’Brien & Alexandra Whelan, “Hypocrisy in Politics”, Ergo an Open Access Journal of Philosophy ,2023 https://doi.org/10.3998/ergo.3588

Mark Alicke, Ellen Gordon & David Rose , Hypocrisy: What counts?, Philosophical Psychology, 2012, DOI:10.1080/09515089.2012.677397

[6]  أنظر في ذلك:

 Sandrine Sorlin  Tuija Virtanen , A pragmatic model of hypocrisy in The Pragmatics of Hypocrisy, (eds) Sandrine Sorlin and Tuija Virtanen, Amsterdam: John Benjamins, Pragmatics & Beyond New Series, 2024 https://hal.science/hal-04489080v1/file/Ch2_Sorlin%26Virtanen.pdf

Ruth W. Grant, Lying and Hypocrisy in Morality and Politics. Ethics, Politics & Society, 2, 2023 . https://doi.org/10.21814/eps.2.1.86

[7]  د. علي جلال معوض، القوة الأخلاقية .. مصادر التأثير ومعضلات التبعات، ملحق اتجاهات نظرية، مجلة السياسة الدولية، العدد 209، يوليو 2017، ص 6، 12.

[8]  المرجع السابق مباشرة.

[9]  جون جي. ميرشيمر، لماذا يكذب القادة؟ حقيقة الكذب في السياسة الدولية، ترجمة د. غانم النجار، عالم المعرفة، العدد 443، ديسمبر 2016.

[10]Mark Alicke, Ellen Gordon &David Rose ,Hypocrisy: What counts?  Philosophical Psychology, 26 (5), 2012, https://doi.org/10.1080/09515089.2012.677397

[11]  يرى ديفيد رانسميان في دراسته لظاهرة النفاق في كتابات جورج أورويل أنه برغم صدقه مواجهة النزاعات الفاشية، لكن لم يكن أيضاً محصناً تجاهه، حيث اعتبر النفاق نفسه وسيلة مضادة لمواجهة الأنظمة الشمولية. أنظر:

David Runciman ,op.cit,pp 168-193

[12]  جورج أورويل، ” 1984″، ترجمة الحارث محمد النبهان، دار التنوير للطباعة والنشر، 2014

[13] أنظر: حنة أرندت، في الثورة، مرجع سابق، وأيضاً حنة أرندت، أسس التوتاليتارية، ترجمة أنطوان أبو زيد، دار الساقي، 2016.

[14] hosein Ahmadi ,Mohammad Salar Kasraie  ,Sociological explanation of political hypocrisy and its consequences for authoritarian governments (Nazi Germany, Soviet Union and pre-revolutionary Iran) 2021 https://www.ipsajournal.ir/article_470_85360fa873e82a5ac35154ca629f44bc.pdf?lang=en

[15] Christie L. Maloyed Hypocrisy: The Not-So Vicious Vice Western Political Science Association 2011 https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=1766938

[16] David Runciman ,op.cit Pp1-15

 [17] حنة أرندت، في الثورة، مرجع سابق، ص 139.

[18] David Runciman ,op.cit. Pp1-15

[19] Ruth W. Grant, op.cit.

 

[20] John Keane , Hypocrisy and Democracy – The gap between ideals and perceived reality is widening ,WZB-Mitteilungen n. 120 June 2008. https://www.johnkeane.net/wp-content/uploads/2008/01/jkeane_wzb_gesamt_30_32_hypocrisy.anddemcoracy.pdf

[21] Roger Berkowitz ,The Age of Hypocrisy The Hannah Arendt Center Jun 1, 2025 https://medium.com/amor-mundi/the-age-of-hypocrisy-0321c3d7c78a

[22] مؤشر البارومتر العربي، الديمقراطية الليبرالية لا زالت مفضلة، لكن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن تقبل الرأي العام للنظم الأخرى في تزايد، 4 سبتمبر 2025 https://shorturl.at/3tzQ0

[23] Robert Knox , Imperialism, Hypocrisy and the Politics of International Law ,2022  https://twailr.com/wp-content/uploads/2022/12/2.-Knox-Imperialism-Hypocrisy-and-the-Politics-of-International-Law.pdf

[24]Katharine M. Millar, Limitations of hypocrisy as a strategy of critique  in international politics , International Theory 2024, https://eprints.lse.ac.uk/124334/3/limitations-of-hypocrisy-as-a-strategy-of-critique-in-international-politics.pdf

[25] Eric Heinze, But Israel claims to be a democracy! – Hypocrisy, double standards, and false equivalences, Queen Mary Law Research Paper No. 417/2024 https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=4700534

[26] مجموعة الازمات الدولية، عار العالم في غزة، سبتمبر 2025

https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/east-mediterranean-mena/israelpalestine/worlds-shame-gaza

[27] Richard Perkins, Eric Neumayer,  The organized hypocrisy of ethical foreign policy: Human rights, democracy and Western arms sales, Geoforum, Volume 41, Issue 22010, https://doi.org/10.1016/j.geoforum.2009.09.011

[28] Ulf Mörkenstam, Organised hypocrisy? The implementation of the international indigenous rights regime in Sweden. The International Journal of Human Rights, 23(10), 2019. https://doi.org/10.1080/13642987.2019.1629907

[29] Robert Knox ,op.cit.

[30] Richard Perkins, Eric Neumayer,op.cit.

[31] Maggie O’Brien & Alexandra Whelan, A., op.cit

[32] Matias Spektor ,The Upside of Western Hypocrisy How the Global South Can Push America to Do Better. July 21, 2023 https://www.foreignaffairs.com/united-states/upside-western-hypocrisy-global-south-america

———–

إعداد الدكتور د. خالد حنفي علي باحث مصري، مؤسسة الأهرام

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق