توجه فرنسا لتعزيز نفوذها في شرق أفريقيا وسط التنافس الدولي
![](https://i0.wp.com/strategianews.net/wp-content/uploads/2025/02/AFP__20241221_Djibouti-1738763031.webp?resize=770%2C470&ssl=1)
قسم الأخبار الدولية 06/02/2025
عملت فرنسا على إعادة ترسيخ نفوذها في شرق أفريقيا، مستفيدةً من خبرتها التاريخية في القارة، ومُوظِّفةً أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لمنافسة قوى صاعدة مثل الصين وتركيا. إلا أن نجاحها في تحقيق هذا الهدف يظل مرهونًا بعدة عوامل جوهرية، أبرزها طبيعة علاقاتها بالأنظمة الحاكمة، ومدى قدرتها على تقديم مشاريع تنموية جذابة، إضافة إلى تفاعل المجتمعات المحلية مع هذا النفوذ، في ظل الإرث الاستعماري الذي ما زال يلقي بظلاله على المشهد.
التنافس الدولي والرهانات الفرنسية
شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في التنافس بين القوى الكبرى على النفوذ في شرق أفريقيا، حيث باتت الصين الشريك الاقتصادي الأبرز للعديد من دول المنطقة، من خلال استثمارات ضخمة في البنية التحتية ومشاريع الموانئ والطرق. في المقابل، عززت تركيا حضورها عبر الدبلوماسية الناعمة، مستفيدةً من روابط ثقافية ودينية، فضلًا عن توسعها في مجالات البناء والتعليم والمساعدات الإنسانية.
في ظل هذا المشهد، تحاول فرنسا تقديم نفسها كبديل قادر على تحقيق توازن بين المصالح الاقتصادية والتنموية للدول الأفريقية وبين الأجندات السياسية والأمنية، خاصة في دول محورية مثل جيبوتي، كينيا، وإثيوبيا. تعتمد باريس في استراتيجيتها على اتفاقيات عسكرية، وتوسيع نطاق استثماراتها في مجالات الطاقة والتكنولوجيا، إلى جانب تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب، وهو ملف يمنحها ميزة تنافسية مقارنة بباقي اللاعبين الدوليين.
المرتكزات والتحديات أمام النفوذ الفرنسي
- العلاقات مع الأنظمة الحاكمة:
تنتهج فرنسا سياسة مرنة في إدارة علاقاتها مع القادة الأفارقة، معتمدةً على شراكات اقتصادية وعسكرية لضمان استقرار وجودها في المنطقة. غير أن التحولات السياسية المتسارعة، كما هو الحال في إثيوبيا، تفرض عليها إعادة تقييم تحالفاتها بشكل مستمر، خاصةً في ظل تنامي النزعة الوطنية لدى بعض الحكومات، والتي قد تجعلها أكثر تحفظًا في التعاون مع القوى الغربية. - القدرة على تقديم بدائل تنموية:
تسعى فرنسا إلى تقديم نفسها كداعم رئيسي لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة، لكن نجاحها في هذا المجال يبقى محدودًا مقارنةً بالصين التي تمتلك قدرة تمويلية أكبر، ما يضع باريس أمام تحدي زيادة استثماراتها وتحسين شروط تمويل مشاريعها كي تبقى قادرة على المنافسة. - التفاعل الشعبي مع النفوذ الفرنسي:
على الرغم من محاولات فرنسا تقديم نموذج جديد لعلاقاتها مع أفريقيا، إلا أن الإرث الاستعماري يظل عاملًا مؤثرًا في تصورات المجتمعات المحلية تجاه دورها. يبرز هذا التحدي بشكل خاص في الدول التي شهدت تاريخًا من المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، حيث تتعالى بعض الأصوات الرافضة للعودة الفرنسية، مطالبةً بأن تكون الأولوية للتعاون مع شركاء جدد غير مرتبطين بالماضي الاستعماري.
المستقبل: فرص النجاح وحدود التأثير
نجاح فرنسا في ترسيخ نفوذها شرق أفريقيا سيعتمد بشكل كبير على مدى قدرتها على تطوير استراتيجيات أكثر ديناميكية، تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات السياسية والاقتصادية في المنطقة. وفي ظل التنافس المحتدم، سيكون عليها تقديم مشاريع تنموية أكثر إغراءً، وتبني مقاربة جديدة أكثر تفاعلية مع الشعوب المحلية، لضمان بقاء مصالحها في مواجهة النفوذ الصيني والتركي المتصاعد.
في المحصلة، شرق أفريقيا أصبح ساحة مفتوحة لتنافس القوى الكبرى، وفرنسا تدرك أن مستقبل حضورها هناك لا يمكن أن يُبنى فقط على التحالفات التقليدية، بل يحتاج إلى رؤية متجددة تأخذ في الاعتبار الحقائق الجديدة على الأرض.