محاكمة رياك مشار تعمّق الانقسام السياسي وتفتح الباب أمام عودة الحرب الأهلية في جنوب السودان

قسم الأخبار الدولية 22/09/2025
دخلت الأزمة السياسية في جنوب السودان مرحلة أكثر خطورة مع بدء محاكمة زعيم المعارضة ونائب الرئيس السابق رياك مشار بتهم «القتل والخيانة وارتكاب جرائم ضد الإنسانية»، وهي اتهامات يعتبرها أنصاره ذات دوافع سياسية هدفها إقصاؤه قبيل انتخابات 2026.
ومثل مشار وسبعة من قيادات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» المعارضة أمام محكمة خاصة في جوبا، بعد اتهامهم بإصدار أوامر لميليشيا «الجيش الأبيض» بمهاجمة قاعدة عسكرية في مدينة ناصر شمال شرقي البلاد في مارس الماضي، ما أسفر عن مقتل أكثر من 250 جندياً بينهم لواء بالجيش وطيار أممي. وقد ظهر مشار لأول مرة علناً منذ وضعه قيد الإقامة الجبرية، مرتدياً بزة داكنة وربطة عنق زرقاء، قبل أن تُرجأ الجلسة لأسباب إجرائية.
ويرى مراقبون أن محاكمة مشار تهدد بانهيار ما تبقى من اتفاق السلام الموقّع عام 2018 مع الرئيس سلفا كير، وهو الاتفاق الذي أنهى حرباً أهلية دامية بين عامي 2013 و2018 أودت بحياة نحو 400 ألف شخص. وبالرغم من مشاركة مشار في السلطة بموجب الاتفاق، فإن الترتيبات الأمنية وتعهدات توحيد القوات لم تُنفذ، ما جعل الاستقرار هشاً والانتخابات المؤجلة إلى 2026 مهددة بالفشل.
ويعتبر خبراء قانونيون أن التهم الموجهة لمشار تثير إشكاليات قانونية، إذ إن جرائم ضد الإنسانية غير منصوص عليها في قوانين جنوب السودان، وكان يُفترض أن تنظرها محكمة مختلطة تابعة للاتحاد الأفريقي نصّ عليها اتفاق 2018. وهو ما دفع أنصاره إلى وصف المحاكمة بـ«الصورية»، متهمين النظام بـ«إفشال عملية السلام والاستيلاء على الدولة بطرق غير شرعية».
في المقابل، حذّر ناشطون من المجتمع المدني من أن الخطوة قد تشعل موجة جديدة من العنف، خصوصاً مع انخراط ميليشيا «الجيش الأبيض» المرتبطة بقبيلة النوير – التي ينتمي إليها مشار – في هجمات متفرقة شمال البلاد، ما يذكّر ببداية النزاع الأهلي السابق بين قوات النوير ومقاتلي الدينكا الموالين لسلفا كير.
ويؤكد محللون أن الأزمة الحالية تتجاوز مسألة محاكمة مشار، إذ تكشف هشاشة العملية الانتقالية منذ استقلال جنوب السودان عام 2011، حيث فشلت الحكومات المتعاقبة في بناء مؤسسات ديمقراطية أو تحقيق اندماج فعلي للقوات المسلحة. ويرى الخبير عبد المنعم أبو إدريس أن «البلاد بحاجة إلى مقاربة جديدة شاملة تعيد الثقة بين الفرقاء السياسيين، بعد أن أثبت اتفاق 2018 عجزه عن وضع الدولة على الطريق الصحيح».
ومع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في 2026، يتخوف المجتمع الدولي من أن تؤدي هذه التطورات إلى عودة الصراع الأهلي، وهو سيناريو ستكون كلفته الإنسانية والسياسية باهظة على دولة ما زالت تعاني الفقر وانعدام الأمن وتعتمد بشكل كبير على دعم المنظمات الإغاثية.