مجتمع مدني ايجابي وطني… وطن سليم… مواطن يحترم الواجب ويحصل على حقوقه
اعداد: صبرين العجرودي باحثة في قسم البحوث والدراسات السياسية
المراجعة: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية
تتعدّد المتغيرات والعناصر التي يمكن من خلالها تحقيق الاختلافات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولعلّ أبرز هذه المتغيرات التي يجدر تسليط الضوء عليها والعمل على تعزيزها ودعمها من مختلف الجوانب هو المجتمع المدني، فهي أداة للدفع نحو التغيير الايجابي اذا ما اضطلعت بأدوارها وقامت بأنشطتها في حدود الإطار القانوني الذي تكفله لها الدولة، فمن خلالها يتمكّن المواطنون من ضمان حقوقهم والقيام بواجباتهم ناهيك عن المساهمة في بناء وعيهم وتغيير تفكيرهم بما يستجيب مع متطلّبات مجتمعهم، ومن أهم التغيرات التي يمكن أن يكرسها المجتمع المدني هو تحقيق ديمقراطية المجتمعات وخاصة القيام بواجباته ليتحصل على حقوقه.
نسعى من خلال هذا التقرير الى تسليط الضوء على مفهوم المجتمع المدني ومختلف الأدوار التي يمكن ان يلعبها داخل المجتمع خصوصا في علاقة بقدرته على دعم عمل ومسؤوليات السياسي ودفعه نحو تحقيق احتياجات المجتمع والمواطنين، ليكون قوة اقتراح وقوة حلول.
الثقل الاجتماعي للمجتمع المدني
يعرّف السياسي الفرنسي “ألان ريتشاردز” Alain Richards المجتمع المدني بأنه “عبارة عن شبكة وخلية من التنظيمات والممارسات والضوابط التي تنشأ بالإرادة الطوعية الحرة لأعضائها، خدمة للمصلحة أو قضية، أو تعبيرا عن قيم ومشاعر يعتز بها هؤلاء الأفراد، مع استقلال نسبي عن سلطة الدولة وعن المؤسسات الارثية من ناحية اخرى، وملتزمة في أنشطتها بالتسامح واحترام الآخرين”.
وبالتالي وبناءًا على هذا التعريف نستنتج أنّ أهم خصائص ومميزات المجتمع المدني تتمثّل في الاستقلالية والإرادة الحرة لأعضائه في العمل ضمنه خدمة لقضية ما يمكن أن تكون متعلّقة بقضية أو فكرة أو مجموعة الخ..
وكما ذكرنا سابقا انّ المجتمع المدني كمجموعة من الأنظمة المتماسكة والمكوّنة من مجموعة من الأفراد الممارسين لجملة من الأدوار خاضعة لتنظيم وسلطة القانون مقابل حريتهم الكاملة في اختيار المنفعة التي يريدون تقديمها والحقوق الفردية والحقوق الجماعيةالتي يدافعون عنها.
في هذا الإطار أشار السياسي الفرنسي “دومنيك كولاس” (Dominique Colas) الى أنّ المنطق الذي يشتغل به المجتمع المدني لا يختلف عن الحياة الاجتماعية من حيث التنظيم والوحدة والتفاعل والأفكار المشتركة، إلاّ أنّ المجتمع المدني له اهتمامات محدودة ودقيقة تؤسس ديناميكية اقتصادية وثقافية وسياسية.
بالتالي نستخلص في هذا الاطار أنّ المجتمع المدني يجمع بين الهيئات والتنظيمات المشتغلة بصورة تطوعية ومستقلة إلى حد كبير عن إدارة الدولة وإشرافها، حيث يعمل ضمنها الأفراد بمحض إرادتهم وفقا للمصلحة أو الحق الذي يدافعون عنه ويسعون لتحقيقه أو الحفاظ عليه في علاقة بالفئات الهشّة والضعيفة او القضايا الدقيقة لأنّه قائم ومؤسس على جملة من المعايير وقيم الاحترام والتراضي والتسامح والانسانية وإدارة الاختلاف والتناقض بين عناصر المجتمع بما يضمن التعايش السليم وتحقيق النهوض الاجتماعي.
المجتمع المدني أداة فعّالة في تحقيق النهوض السياسي والاقتصادي والاجتماعي
يكتسب المجتمع المدني دورا بالغ الاهمية في تكريس الديمقراطية داخل المجتمعات، فهو يعتبر وسيطا بين المجتمع والدّولة من خلال تبليغ صوت المواطن ومعرفة احتياجاته عن قرب والنّقائص التي تعاني منها الجهات…
وبذلك فهو يدعّم التنمية المحلية والجهوية من خلال أدواره المتنوّعة التّي تستهدف كل المجالات السياسية والاجتماعية… فعمله الأساسي وطني لا يخضع لأجندات ولا لأطراف خارجية ولا لمعارضة سياسية… العمل الحقيقي للمجتمع المدني هو الاستقلالية والوطنية بمفهومها الكبير وليس الضييق.
ويعدّ النّشاط المكثّف للمجتمع المدني داخل الدولة في مختلف المجالات دليلا قاطعا على التّعددية في صنع القرار أي ديمقراطية النّظام السياسي وتعبيرا عن مدى مرونته في تشريك مختلف الفاعلين وعدم صلابته، ويندرج ذلك بشدة ضمن إطار الديمقراطية التشاركية، بحيث يُعد المجتمع المدني عنصرا رئيسا وفاعلا كبيرا ضمن هذا النموذج الديمقراطي الذي يُسمح فيه للشعب باختيار مصيره وتدبير شؤونه محليا وصولا الى السلطات العليا التي بيدها المصادقة والتنفيذ، وبالتالي يتم إلغاء المركزية والاحتكار في صنع القرار السياسي واعتماد اللامركزية الديمقراطية، حيث لا يتمّ الغاء الجانب التمثيلي بتاتا بل يتمكّن الشّعب من الحكم انطلاقا من ممثليه المنتخبين على نطاق ضيّق (معتمديات، جهات) وصولا الى السّلط المركزية، وللشعب القدرة على محاسبتهم وسحب الوكالة منهم ما لم يكونوا على قدر مسؤولية المهام الموكّلة إليهم، وهو ما لا يمكن أن توفّره الدّيمقراطية التّمثيلية التّي لا تعطي للشعب إلاّ الآلية الانتخابية لانتخاب ممثّليهم في قترة محدّدة دون أن يُسمح لهم بمراقبتهم أو المساهمة في صنع القرار.
ويجدر القول أنّ جلّ التّجارب الديمقراطية تظّل رهينة الوعي الجماهيري والتّنشئة الاجتماعية السياسية اي رهن المخيال المجتمعي، وكلّ نماذجها لها سلبيات وايجابيات، لكن لا يمكن التنكر لمزايا النموذج الاشتراكي خاصّة من جانب تشريك المواطن في الحكم، ولا يمكن التّشكيك بتاتا في أنّ أي مشروع إصلاحي ستدخل فيه البلاد في المراحل القادمة لن تُواجه بالمرصاد.
يحيلنا كل ذلك الى ضرورة استناد الأنظمة السياسية المختلفة الى المجتمع المدني واعتبار أنّها وسيط بينها وبين المواطنين من خلال التعبير عن احتياجاتهم وآرائهم حولها، فلا يمكن بأي شكل من الأشكال نجاح أي منظومة سياسية دون دعم من المجتمع المدني نظرا لقرب الاخيرة من المواطن، وفي نفس السياق قد يكون المجتمع المدني أداة لها نتائج عكسية ما لم تكن مستقلة بالقدر المطلوب باشتغالها لصالح طرف سياسي أو أطراف خارجية.