ما الذي يريده خصوم الرئيس..؟
تونس-27-9-2021
كتب لطفي العربي السنوسي،في جريدة(الصحافة) مقالا تحت عنوان: ما الذي يريده خصوم الرئيس؟،جاء فيه:
ما أجراه رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 جويلية 2021 ثم يوم 22 سبتمبر 2021 لم يخطر على بال “ثوار الربيع” (لا 17 ولا 14) ولا الذين جاؤوا من بعدهم.. لم يخطر على بال كل من وفدوا على تونس وكل من تعاقبوا على حكمها ما بعد الثورة ولم يخطر على بال “الإخوان” الذين رافقوا الحكم وأداروه وأقاموا في مفاصله على امتداد عقد من الخيبة الكبرى على رأس “دولة العشرية”… كلهم كانوا على طمأنينة وعلى قناعة بأن الحكم لن يخرج من تحت أيديهم أبدا..
الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وفي أوج قوته وصحته وذكائه وفي أوج شعبيته عجز ـ تماما ـ على إبعاد “الإخوان” عن الحكم ولم يجد من حل لتجنب أذائهم غير التحالف معهم والانتماء إليهم تحت عنوان توافقي كان ـ في الواقع ـ توافق مصلحة متبادلة بين الطرفين.. بل إن الباجي برغم شعبيته والإجماع من حوله وما بين يديه من صلاحيات عسكرية وأمنية (ألم يكن القائد الأعلى للقوات المسلحة..؟) فإنه لم يفكر ولم يجرؤ أصلا على الفصل 80 ولم يقترب منه خاصة عندما استعصى عليه يوسف الشاهد وارتمى في احضان “الإخوان” واستغاث بهم وقد استمر في الحكم رغما عن وليّ نعمته الباجي قائد السبسي الذي مُني بخسارة محبطة في معركته ضد يوسف الشاهد بمساندة الحركة الإخوانية وبرغم ذلك فإن الرئيس الراحل (وبرغم الخسارة والخذلان) لم يجرؤ على تشغيل الفصل 80 لإنهاء خصومه…
المجتمع المدني ـ بدوره ـ وكل الرأي العام الوطني الشعبي والحزبي والنقابي عجز بدوره عن مواجهة منظومة “الإخوان” وعلى إسقاطها وقد قاومها بكل الطرق والأساليب والأشكال.. في الشوارع وفي الإعلام وفي التلفزات إلا أن المنظومة الإخوانية كانت صلبة وقوية وممسكة بشدة بالحكم ومفاصله الأمنية وقد استعصت على التونسيين الذين عافوا وجودها واستعصت على الإتحاد العام التونسي للشغل برغم قوة “زاده وعتاده” وتحولت الى “قضاء وقدر” جاثم على صدورهم وعلى أرواحهم وتحولت الى أمر واقع فرض على التونسيين التعايش معه برغم فشله وفساده…
ما جرى على تونس وعلى المشهد السياسي بين شهري جويلية (25) وسبتمبر (22) لم يكن متوقعا بل لم يكن متخيلا أصلا ولا يمكن أن يصدر إلا عن شخص مغامر وجريء لم يطمح ـ أبدا ـ إلى الحكم لكنه وجده بين يديه فقرر تجريب “أطروحته” عليه وحوّلها إلى أمر سياسي واقع نهض لتوه على أنقاض منظومة فاسدة اهترأت ـ في الواقع ـ…. هو “حلم شخصي” يخرج باسم الشعب من رحم منظومة متوحشة اهترأت وفسدت وتعفنت ثم سقطت دون مقاومة تذكر.. منظومة كنا نعتقد واهمين بأن لها من القوة والقدرة على مواجهة خصومها بما لا يمكن تخيله إلى أن انكشف مدى ضعف وضحالة مكوناتها مع أول “مداهمة” لبنيتها الهشة…
لقد وجد الرئيس قيس سعيد الطريق سالكة للإطاحة بمنظومة 2014 .. فعلى المستوى الشعبي فإن المزاج العام كان مهيأ للقبول سريعا بسقطوها وقد احتفل بذلك ليل 25 جويلية 2021..
وعلى المستوى السياسي ولدى الرأي العام المدني أحزابا ومنظمات فإن كل الأطراف مقتنعة بأن المنظومة قد تعفنت ولم يعد ممكنا القبول باستمرارها وقد فشلت في إدارة شؤون البلد على كل المستويات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وصحيا بل تحولت إلى منظومة معادية للمواطنين لم تتردد في التنكيل بهم عندما خرجوا إلى شوارع الإحتجاج لإدانة فشلها..والمساحة ـ هنا ـ لا تتسع لتعداد الموتى والمفقودين ضحايا “البوليس الاخواني” زمن الترويكا الأولى والثانية ثم في فترة يوسف الشاهد ومن بعده فترة هشام المشيشي الأكثر بؤسا وضحالة..إضافة إلى هذا كله وعلى المستوى التشريعي والبرلماني فإن الإجماع كان واسعا شعبيا وحزبيا على ضرورة حل البرلمان وإنهاء المهزلة التي كانت تحدث وقائعها يوميا على مرأى ومسمع الرأي العام الوطني والدولي.. لقد تعفن البرلمان إلى حد لم يعد ممكنا استمراره بتلك الصورة والمشاهد الفضائحية ما أجمع عليه كل التونسيين أفرادا وجماعات وكيانات حزبية ونقابية وإعلامية وأكاديمية…
لقد كان مطلب حلّه مطلبا شعبيا وقد هيأ البرلمانيون كل الفخاخ المناسبة لحله دون مقاومة ودون ضجيج وذلك في غياب المحكمة الدستورية وهي المحكمة المرجعية التي تَعَطّل قيامها وتَعَطّل انتخاب اعضائها داخل البرلمان ذاته الذي سقط في “شرّ ممارساته”… وهو يجني اليوم ثمار سياسة مناورات فاشلة اتّبعها “إخوان” المجلس وارتدّت عليهم الآن كالهباء..
لقد تجرأ الرئيس قيس سعيد على هذه المنظومة الفاسدة وكنسها برمتها وأجرى عليها قراءته التأويلية الواسعة للفصل 80 وذهب به إلى الأقصى وهو في كل ذلك إنما يستجيب أو هو استجاب لمطلب شعبي كان يجري في الإعلام وفي التلفزات على لسان قيادات نقابية وحزبية وإعلامية وأكاديمية وعلى لسان المواطنين في الشوارع وفي الفضاءات العامة ويكفي العودة إلى ما هو موثق في المنابر الإعلامية التلفزيونية لنكتشف أن كل الذين مروا على هذه المنابر الحوارية من شخصيات سياسية وإعلامية وأكاديمية إنما كان سؤالهم الأساسي هو كيف نضع حدا للمهزلة البرلمانية ولمهزلة الحكم الإخواني..؟
الرئيس قيس سعيد انجز هذا الدور بنجاعة وبلا تردد ما لم يجرؤ عليه كل من سبقه إلى قرطاج وأنهى منظومة 2014 بكل أدبياتها(…)
فما الذي يريده خصومه وما الذي بدّلهم وكانوا قبل ذلك يستغيثون مطالبين بحل البرلمان وبرحيل منظومة 2014..؟ وما الذي تسعى إليه الجبهات الحزبية التي اجتمعت في ما يشبه “حزام الصدّ” لمواجهة ما تسميه “انقلاب قيس سعيد” و”استحواذه” على السلطة…؟
يمكن أن نفهم موقف حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة الرافضة لتدابير قيس سعيد الذي دمرها وطردها من الحكم… لكننا صراحة لم نفهم موقف حزب العمال وحمة الهمامي المتناغم ـ تماما ـ مع موقف “الإخوان” رغم لبوسه لبوس المدافع عن الحريات والحقوق وعن الدستور وموقفه متشدد بما أنه “يجرّم” ما أقدم عليه الرئيس.. إضافة الى موقف التيار (سامية عبو خاصة ومحمد عبو) وهو موقف انتهازي مخجل بحيث كانت سامية عبو أول من ساند تدابير 25 جويلية على قناة الجزيرة ثم تراجعت واتهمت الرئيس “بالتحيّل” بعدما تأكد لها أنها لن تكون لا هي ولا زوجها محمد عبو ولا حزبها ضمن من سيعول عليهم قيس سعيد في مشروعه…
أما بقية “المرتزقة” على غرار رئيس الصدفة الأسبق المنصف المرزوقي المقيم على عتبات “قناة الجزيرة” فإنه لا أحد ينصت إليهم في تونس فالكل يعلم أنهم مرتزقة في طابور الـ250 دولار..
ما أقدم عليه الرئيس قيس سعيد لم يعد ممكنا التراجع عنه مهما كان حجم قوى الصدّ التي تخروج الى شوارع الإحتجاج(…)
سؤال أخير إلى كلّ المعترضين على تدابير قيس سعيد وعلى الأمر 117 وهم يستعدون لمواجهة “ديكتاتورية الرئيس”: أين كنتم بالأمس القريب زمن ديكتاتورية “الإخوان” ووكلائهم…؟ أين كنتم على امتداد عشر سنوات نكّل خلالها “الإخوان” بالشعب وأذاقوه الأمرين في عشرية الفرز والإحباط… سؤال نوجهه إلى الطابور الذي يتزعمه وكيل الجزيرة في تونس رئيس الصدفة المنصف المرزوقي وجوهر بن مبارك وأبو يعرب المرزوقي وعياض بن عاشور والشابيان عصام ونجيب وأنور معروف وحمّة إله الى آخر… الطابور… ألم تكونوا شهود زور على امتداد عقد زمني لم نسمع منكم ولو همسة احتجاج على ديكتاتورية “الإخوان”… ففكّوا عن سماء هذا البلد..!