أخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات

لقاء “السيسي – حفتر”… الدلالات والرسائل والنتائج؟

للمرة الأولى منذ نحو 3 سنوات، يلتقي الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بقائد القيادة العامة في ليبيا، المشير خليفة حفتر، في القصر الجمهوري، وهذا لا يعني أنها أول زيارة لحفتر منذ هذا التاريخ، لكنها الأولى التي يلتقي فيها الرئيس المصري لقاءً رسميًّا، وبحضور مدير المخابرات المصرية، خالد رشاد.

هذا اللقاء في هذا التوقيت يحمل عدة دلالات ورسائل ونتائج قد تحصل في المشهد العام في ليبيا، بعضها إيجابي يحمل في أطوائه مزيدًا من التهدئة من جانب القيادة العامة، ومنع أي تصعيد أو صدام مع قوات الغرب الليبي، والالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، وبعضها قد يكون سلبيًّا إذا ما جدّدت الدولة المصرية الدعم المطلق لحفتر؛ ما قد يجعله متعنتًا في بعض الملفات، خاصة مبادرة البعثة الأممية، وتشكيل حكومة موحدة.

خلال اللقاء شبه المغلق، الذي استمر قرابة الساعة ونصف الساعة كما قالت بعض المصادر، ناقش الرئيس المصري مع حفتر عدة ملفات أعلنت رسميًّا عبر صفحات الرئاسة المصرية والإعلام التابع للقيادة العامة، ومنها ما هو تقليدي، مثل تأكيدات السيسي أن استقرار ليبيا يرتبط ارتباطًا وثيقًا مع الأمن القومي المصري، وأن القاهرة تبذل كل ما في وسعها من جهود ومساعٍ لضمان الأمن والاستقرار في ليبيا، والحفاظ على سيادتها ووحدتها، واستعادة مسار التنمية بها، مؤكدًا دعم مصر لجميع المبادرات الرامية إلى تحقيق هذا الهدف، ومنها ما هو مكرر، لكنه يثبت الرؤية المصرية في التعامل مع الملف الليبي، وهو تشديد الرئيس المصري على ضرورة ضمان وحدة المؤسسات الوطنية الليبية وتماسكها، وأهمية التنسيق بين جميع الأطراف الليبية لبلورة خريطة سياسية متكاملة تؤدي إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن، وعلى ضرورة منع التدخلات الخارجية، وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية.

أما غير المعلن، الذي يفهم ضمنيًّا من جانب، وذكرته بعض المصادر القريبة من الطرفين من جانب آخر، فهو حضور ملفي: روسيا والسودان على قمة المباحثات، وقد تم النقاش بشأن مدى دقة وصحة التقارير الواردة بخصوص نقل معدات وجنود روس من سوريا إلى شرق ليبيا ووسطها، خاصة في قاعدتي الخادم والسارة، وكذلك استقبال مطارات الشرق الليبي قيادات عسكرية في نظام بشار الأسد، وهو ما أجاب عنه حفتر بأنه غير دقيق، وأن الأمر فقط يخص قيادات سورية حاولت اللجوء إلى الخارج عبر ترانزيت في مطار بنغازي، لكنها غيرت وجهتها إلى دولة مالي، أما القوات الروسية فهي موجودة بالفعل في بعض القواعد، ولكن في شكل فنيين ومهندسيين عسكريين، وربما هنا تحدث الجنرال حفتر عن تخوفاته وقلقه هو شخصيًّا من تغول هذه القوات، أو خروجها عن السياق لتشكل خطرًا على قواته ومشروعه، ومؤكد أنه نقل تخوفاته هذه إلى الرئيس السيسي (هذا تحليل وتوقعات وليست معلومات).

الرؤية المصرية بخصوص ملف المرتزقة والقوات الأجنبية في ليبيا واضحة وثابتة، وتتلخص في ضرورة إخراج هؤلاء المرتزقة شرقًا وغربًا، سواء أكانوا روس أم أتراكًا أم سوريين أم مرتزقة أفارقة، وأن مصر لن تتهاون أبدًا مع أي وجود غريب بالقرب من حدودها، ولن تتوانى في ردع أي يد تحاول تهديد أمنها القومي، أو العبث مع حدودها، وهي رؤية الرئاسة والقوات المسلحة المصرية الموجودة بقوة في المنطقة الغربية على حدود مصر مع ليبيا.

كذلك فإن وجود مرتزقة سوريين وجنود أتراك في غرب ليبيا، خاصة في مصراتة وطرابلس، يزعج الدولة المصرية، ولو كان هذا الوجود رسميًّا من خلال اتفاق أُبرم بين حكومة الوفاق الليبية السابقة وتركيا، لكن القاهرة تتحفظ على هذا الاتفاق؛ لأنه جاء في وقت ابتزت فيه تركيا الحكومة الليبية مقابل الدفاع عنها ضد قوات حفتر القادمة من شرق البلاد، وأيضًا لأن هذا الاتفاق لم يأخذ البعد القانوني باعتماده وإقراره من المؤسسة التشريعية المتمثلة في مجلس النواب الليبي.

الملف الثاني الذي حضر طاولة “السيسي- حفتر” هو ملف السودان، والحديث عن تقارير أيضًا ذكرت دعم حفتر قوات حميدتي بأسلحة قادمة من الخارج، واستقبال حفتر قيادات في قوات الدعم السريع للعلاج في مستشفيات في الجنوب الليبي مثل مستشفى الكفرة مثلًا، من جانب آخر، وهنا كانت الدولة المصرية واضحة في طرحها ورفضها أي دعم مقدم لميليشيا “حميدتي” لأنها تربطها علاقة إستراتيجية مع قوات “البرهان”، وترى فيه الشرعية والجيش الذي يجب دعمه، ولأن حفتر حليف للدولة المصرية فليس من المنطقي دعم عدو لها في منطقة ساخنة مثل السودان، وهنا لم ترد أي معلومات عن ردود حفتر بخصوص هذا الملف، لكنه قد يكون برر ذلك بأنه يقع تحت ضغط وإجبار من الإمارات التي ما زالت أيضًا حليفة له.

ما سبق مجرد تكهنات وفقًا للنظر في تحليل الزيارة والصور الحميمية التي جمعت بين الطرفين، وربط ذلك بالمتغيرات المحلية والإقليمية في المنطقة، وآخرها سقوط نظام بشار الأسد في سوريا بدعم تركي قطري.

أما الرسائل التي تحملها هذه الزيارة وهذا الاستقبال، فتتلخص في:

إثبات الرؤية المصرية في التعامل مع الملف الليبي، وهو دعم الاستقرار والوحدة، والدفع نحو انتخابات متزامنة.

منع تكرار أي عمليات اقتتال أو تصعيدات عسكرية بين معسكري الشرق والغرب في ليبيا؛ لأن ذلك سيسبب لها القلاقل على حدودها.

رفض القاهرة أي عبث أو وجود مرتزقة أو أجانب بالقرب من حدودها وأمنها القومي، وأنها ستكون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه الاقتراب، وأن حدودها خط أحمر ممنوع الاقتراب منه.

تجديد الدعم السياسي فقط لحفتر بعيدًا عن دعمه عسكريًّا بشرط اندماجه في الحلول المقترحة إقليميًّا ودوليًّا بخصوص الانتخابات الليبية، أو تشكيل سلطة تنفيذية موحدة.

إيصال رسائل إلى الدولة المتداخلة في ليبيا بأن مصر ما زالت تملك أوراق قوة وتفاوض في الداخل الليبي، وأنها لن تتخلى عن حلفائها إذا دعمت قوى منافسة حلفاء آخرين.

رسالة إلى الدولة التركية لإعادة التنسيق من جديد في الملف الليبي بعد استقبال الرئيس التركي “أردوغان” لرئيس حكومة الوحدة الليبية، عبد الحميد الدبيبة، وتأكيد أردوغان أن “حكومة الدبيبة هي الحكومة الشرعية الوحيدة”، وهو تصريح مستغرب؛ لأنه جاء في توقيت سعي أممي ودولي وبرلماني إلى تغيير الحكومتين في ليبيا، وتشكيل حكومة جديدة.

رسالة أخيرة للدولة المصرية ملخصها أن “القوات المسلحة المصرية على دراية تامة بكل المتغيرات في المنطقة، وأنها لن تسمح أبدًا بالمساس بحدودها، ولا بتهديد أمنها القومي، سواء أكان هذا التهديد نابعًا من روسيا، أو تركيا، أو حفتر، أو غيرهم”.

وعليه،

فإن الزيارة تعد خطوة جديدة وغير تقليدية، وليست مجرد زيارة بروتوكولية، لكنها حملت عدة ملفات مختلطة بين النقاش والحسم والحزم؛ نقاش بشأن متغيرات المشهد الليبي، وضرورة تماهي حفتر مع الخطوات الإيجابية الداعمة للعملية الانتخابية، وتخليه تمامًا عن أي عنف أو تعنت مقابل تجديد دعمه سياسيًّا فقط، وحزم ملخصه لن نسمح بأي تهديد للأمن القومي المصري، وأنك (حفتر) المسؤول عن أي تهديد قادم من مناطق نفوذك، سواء الشرقية أو الجنوبية، وعليك منع ذلك، والتعاون والقيام بدور إيجابي في المساعدة في ملف إخراج المرتزقة والأجانب من ليبيا، وهنا ستكون الأمور مستقرة، والتهديات منعدمة، أما غير ذلك فلا تحالف، ولا تعاون تكون نتيجته المساس بالسيادة والأمن القومي للدولة المصرية.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق