كيفت تتحرك ايطاليا في أزمة السودان ولماذا؟
اعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية
حرصت إيطاليا على إظهار موقف محايد تجاه تصاعد الاشتباكات بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في السودان، وأكدت تصريحات وتحركات الحكومة الإيطالية على دعوة الطرفين إلى وقف إطلاق النار، والتواصل مع طرفي الصراع البرهان و حميدتي، إضافة إلى التنسيق والتشاور مع دول جوار السودان، ولعل ذلك الانشغال الإيطالي مرهون بالبحث عن حليف موثوق به في السودان، ومخاوف إيطاليا من تزايد معدلات الهجرة غير الشرعية للسودانيين هربا من الحرب الدائرة في السودان، وخطر استمرار الاشتباكات على استقرار ليبيا ودول الشمال الأفريقي، والقلق من توسع نفوذ روسيا في السودان.
في 18 مايو، أبرزت وكالة آكي الإيطالية للأنباء تصريحات وزير الدفاع الإيطالي، غويدو كروزيتو، أن “الوضع الذي انفجر هذا العام في السودان بالمواجهة العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع هو الذي يثير قلقا أكبر في الوقت الراهن”.
وهو ما يثير التساؤلات حول أسباب القلق الايطالي وتزايد الاهتمام الإيطالي بتطورات الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؟
تمثل الموقف الإيطالي تجاه تطورات الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع فيما يلي:
1- دعوة الطرفين إلى وقف إطلاق النار:
حيث أعلن نائب رئيسة الوزراء ووزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي، أنطونيو تاياني، أن حكومة بلاده تعمل على وقف إطلاق النار والهدنة في السودان. وقال تاياني، أمام مجلس النواب الإيطالي حول المبادرات التي تم إطلاقها فيما يتعلق بالأزمة في السودان مع الإشارة بشكل خاص إلى مساعدة المواطنين وموظفي السفارة، أن “الحكومة الإيطالية تعمل لصالح وقف إطلاق النار والهدنة في السودان، وهي الطريقة الوحيدة لتجنب المزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة واحتواء التدفقات الجديدة للهجرة غير الشرعية”.
2- تعزيز التواصل مع الطرفين:
وأكدت تصريحات المسؤولين الإيطاليين على التواصل مع الطرفين في السودان، وأكد وزير الخارجية الإيطالي أنه أجرى محادثات مع البرهان قائد الجيش السوداني وحميدتي، مما أتاح إبقاء القافلة الإيطالية في مأمن من الهجمات. لا تزال السفارة في الخرطوم مغلقة، لكنني أعطيت إشارات على أنها لا تزال تعمل من خلال نقل الموظفين إلى مكتب أديس أبابا لمواصلة مراقبة الوضع وتعزيز الحوار بين أطراف النزاع”.وفي هذا السياق،نفذت وحدة الأزمات بوزارة الخارجية الإيطالية عملية تأمين أكثر من 140 شخصا، من بينهم مواطنو أوروبا ودول أخرى. وفي 21 أفريل الماضي، عاد 19 سائحا إيطاليا من بورتسودان إلى إيطاليا عبر مصر، ومكّن الجسر الجوي من الوصول إلى القاعدة العسكرية في جيبوتي، حيث تمت مساعدة المواطنين قبل وصولهم إلى شيامبينو بفضل رحلتين من القوات الجوية.
3- التنسيق والتشاور مع دول جوار السودان:
حيث ركزت روما على التنسيق مع دول الجوار وبخاصة ليبيا ومصر، وفي هذا الإطار جاءت زيارة قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، إلى روما في 4 ماي 2023، حيث أجرى مباحثات مع عدد من المسؤولين في روما.
الخلاصة:
ثمة جملة من العوامل التي أدت إلى تزايد الاهتمام الإيطالي بتطورات الأوضاع في السودان، ويمكن إيجازها فيما يلي:
- البحث عن حليف موثوق به في السودان، فبرغم ما يتردد عن علاقة حميدتي مع روسيا وفاجنر، لكن ثمة تقارير تشير إلى علاقة إيطاليا بحميدتي. وعلى سبيل المثال، حذّرت المنظمة غير الحكومية “ميتراليا لإنقاذ البشر” ومقرها بولونيا من فشل سياسة إيطاليا في دعم “حميدتي” بهدف وقف الهجرة غير الشرعية، وشددت على أن استراتيجية “تخليص الحدود الخارجية لم تنجح في ليبيا، ولن تنجح في تونس، ولن تنجح في السودان”. وأشارت تقارير أخرى إلى علاقة الحكومة الإيطالية بحميدتي الذي وجه الشكر لإيطاليا خلال مقابلة تلفزيونية باعتبارها الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تعاونت مع قواته لمدة عامين في “التدريب من الناحية الفنية”. وقد يكون اهتمام إيطاليا هذا متصلاً بنشأة حميدتي في إقليم دارفور في غرب البلاد المتاخم لدولتي ليبيا وتشاد، وهو يملك نفوذا واسعا في المنطقة، مما يتيح إمكانية التعاون معه في محاولة للحد من الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط نحو إيطاليا ودول أوروبية أخرى.
- مخاوف إيطاليا من تزايد معدلات الهجرة غير الشرعية، إذ من المتوقع أن يؤدي تصاعد الاشتباكات في السودان إلى ظهور موجة جديدة وتزايد المهاجرين السودانيين عبر ليبيا هربا من الحرب الدائرة في السودان، خاصة وأن السبيل الوحيد إلى ذلك هو المثلث الحدودي بين ليبيا والسودان وتشاد. وقد حذرت تقارير دولية من خطر تدفق جديد للأشخاص الذين يسافرون إلى إيطاليا من السودان بسبب القتال الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع، بالإضافة إلى الإدارة الصعبة بالفعل للاجئين والمهاجرين القادمين من تونس وليبيا. وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن شرق تشاد يستضيف بالفعل أكثر من 400 ألف لاجئ من السودان، ويفرض الوافدون الجدد ضغطا إضافيا على الخدمات والموارد في البلاد فوق طاقتها.
- تهديد استقرار ليبيا ودول الشمال الأفريقي، إذ حذّر وزير الدفاع الإيطالي، غويدو كروزيتو، أمام لجنتي الخارجية والدفاع بمجلسي النواب والشيوخ، من أنّ حربا أهلية في السودان تخاطر بأن تكون لها تداعيات سلبية ليس فقط على البلد نفسه، ولكن على مصر وليبيا، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار دول تضررت أصلا من الأزمة الأوكرانية. كما حذر وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تايانيمن أن “هناك حالة من عدم الاستقرار الشديد. كثير من الناس يذهبون إلى تشاد وإلى الدول المجاورة، ربما سيذهبون إلى مصر. قبل أن يصلوا إلى إيطاليا سيتعين عليهم المرور عبر ليبيا أو تونس، الأمر يتطلب الكثير”.
- حماية المصالح الاقتصادية في الخرطوم، حيث تشير العديد من التقارير إلى اهتمام إيطاليا بتعزيز الاستقرار في السودان وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع هذا البلد، حيث بلغت الصادرات الإيطالية إلى السودان 100.8 مليون يورو عام 2022، بزيادة 21.5 في المائة عن 83.1 مليون في العام السابق، وتصدر إيطاليا بشكل رئيسي الآلات والمعدات إلى السودان، بقيمة 42.6 مليون يورو في عام 2022. تليها المنتجات الغذائية 13.7 مليون والأدوية 7.5 مليون. وقد شكل النفط الخام 80% من واردات إيطاليا من السودان في عام 2021، والتي تشمل أيضا الذهب والكيماويات الأساسية والأسمدة ومركبات النيتروجين والبلاستيك والمطاط الصناعي والمنتجات النباتية غير الخشبية والزيوت النباتية والحيوانية.
- القلق الإيطالي من توسع نفوذ روسيا في السودان، حيث تراقب إيطاليا بقلق بالغ تحركات قوات فاجنر داخل السودان، وخاصة في سياق علاقتها بقائد قوات الدعم السريع، وبرغم الدعم الإيطالي الذي قدمته إيطاليا لحميدتي فإنها تنظر بقلق إلى علاقته بروسيا ولديها مخاوف من أن تؤدي تطورات الأوضاع في السودان إلى توسع قوات فاجنر بشكل يهدد مصالح إيطاليا في ليبيا ومنطقة الساحل الأفريقي، ويؤثر على قدرة إيطاليا على السيطرة على تدفقات الهجرة وتسلل العناصر الإرهابية إلى الجنوب الأوروبي.