كيف أصبحت الحرب أقرب لمياه اليونان وتركيا من ليبيا؟
فادي عيد وهيب: محلل وكاتب
برغم تغير شكل الصراع في الميدان الليبي، من الحرب بين الجيش الوطني وحكومة الصخيرات، الى الصراع بين السراج وباشأغا، إلا إن الصراع في مياة اليونان وتركيا بالمتوسط صار أكثر سخونة، بعد أن تواجد الجيش اليوناني على أغلب الجزر اليونانية، حتى أن رئيسة اليونان “إيكاتيريني ساكيلاروبولو” تعتزم زيارة جزيرة “كاستيلوريزو” التي تقع على مسافة 2.8كم من السواحل التركية، مما سيتطلب وجود العسكرية اليونانية على تلك الجزيرة، والتي تنص اتفاقية لوزان على عدم عسكرة تلك الجزيرة وما حولها، في تصعيد جديد بين اليونان وتركيا، اللذان تعاملت معهم الولايات المتحدة بمبدأ “ماما أمريكا” فأرسلت حاملتي طائرات لكل دولة لإجراء تدريبات مشتركة مع كل جيش على حدة في وقت واحد، كي تحتوي الطرفين، في ظل زيادة الحضور السياسي والجود العسكري الأمريكي بشكل قوى بالجزر اليونانية.
.
🖋 ولكن فرنسا التي أخذت على عاتقها حماية أوروبا من الهجمة العثمانية الجديدة كانت أكثر وضوحا، ولم تكتفي بإرسال حاملة الطائرات شارل ديجول لشرق المتوسط، أو مقاتلات “الرافال” وحاملة المروحيات “تونر” والفرقاطة لا فايت لقبرص، بل والتوجه نحو توقيع عقود توريد للجيش اليوناني تشمل فرقاطات طراز فريم ومقاتلات رافال عبر وساطة مصرية، حتى صار هناك محور عسكري واضح المعالم وهو محور فرنسا، اليونان، قبرص، مصر، الإمارات وللأخيرة عدد ليس بالقليل من مقاتلاتها F16 بقبرص واليونان، وستذهب لدعم تسليح الترسانة العسكرية اليونانية، وللعب بورقة التطبيع مع إسرائيل للحصول على أحدث ما بحوزة العسكرية الأمريكية وفي المقدمة مقاتلات F35 بجانب تحجيم تركيا في سوريا وليبيا، وهو ما يفسر صمت دمشق عن التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، والذي جاء صمت تكتيكي بإمتياز، كحال صمت طهران على دور الرئيس الفرنسي في لبنان.
.
🖋 وإن كان ذلك شكل المحور المناهض لتركيا، فيبقى أهم داعمي تركيا بجانب قطر كالأتي:
◆ روسيا التي منحت تركيا دفاعات جوية قادرة على تغيير نتيجة أي مواجهة في سماء جزر اليونان القريبة منها، والأهم منحها مظلة من الدولة الأرثوذكسية الأكبر، كي لا يكون صدام أردوغان مع اليونان حرب على المسيحية، أو على نادي أوروبا المسيحي (كما لقبها بابا الفاتيكان الأسبق)
.
◆ المانيا التي سمحت لتركيا أن تلتقط أنفاسها وتستعيد قوتها بالميدان الليبي، عبر إتفاق برلين، ثم لدعمها الصريح لحكومة الوفاق على حساب الجيش الوطني الليبي.
.
◆ الجزائر التي واجه فيها أردوغان خصومه بليبيا من المسافة صفر، ويكفي الدور الكبير الذي لعبته الجزائر في سقوط الغرب الليبي بيد تركيا، ودور جهاز مخابراتها DSS بالتواصل مع أمازيغ نالوت وقبائل الغرب وظباط الزنتان بالجيش الليبي، مما جعل قاعدة الوطية تسقط في يد الأتراك في أقل من ساعة بالخيانة وليس بالحرب.
.
🖋 وهو ما جعل أردوغان يرد للجزائر الهدية عبر تسليم المخابرات التركية في بداية أغسطس الماضي قرميط بونويرة الكاتب الخاصً لقائد الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح (حليف الإمارات)، كي يسقط العسكري المتقاعد الذي غادر الجزائر متجها لتركيا يناير الماضي بجواز سفر قطري مصطحبا معه ملفات هامة جدا تخص المؤسسة العسكرية الجزائرية قبل أن يبيعه أردوغان لعبد المجيد تبون، في مشهد قد يشبه سقوط القيادي الإخواني البارز محمود عزت في يد الأمن المصري.
.
■ كما يلاحظ الجميع حجم اللجان الإلكترونية المعادية لمصر التي أنطلقت مؤخرا من الجزائر بدلا من الدوحة أو أنقرة أو لندن كما أعتدنا من قبل، وتأتي زيارة وزير الخارجية الجزائري لتركيا حاليا لإستكمال الشراكة بينهم، وهو ما يزعج فرنسا بشدة، في ظل خسارة مالي (جنوب الجزائر)، وإستعداد تركيا لإحداث خسارة جديدة لفرنسا في السنغال، لذلك زيارات ماكرون للبنان والعراق جائت في المقام الأول لضرب مخططات تركيا تجاه تلك الدول.
.
✪ خلاصة القول اذا كان الكبار يعدوا من حين لأخر طبخة جديدة لتقسيم ليبيا حسب مصالحهم، فتركيا وما حولها يستعد لـ “سيفر” أو “لوزان” جديدة، يحدد على أساسها شكل تركيا وشرق المتوسط لمئة عام قادم، ومصير ليبيا وكل دولة تمس مياة شرق المتوسط سواحلها مرتبط بنتيجة ذلك الصراع، فالأمر تم عكسه الأن، وصارت الحرب أقرب لجنوب أوروبا من ليبيا، ويعود الفضل في ذلك للخط الأحمر المصري “سرت-الجفرة” الذي أوقف أي مواجهة كارثية على الأرض الليبية، وجعل الصدام ينتقل شمالا نحو البحر المتوسط بجنوب أوروبا.
.
✪ وستبقى كلمة الحسم سواء في البحر أو على الأرض للولايات المتحدة التي تعيد تشكيل كل الأجسام السياسية الليبية من جديد بمشاورة الأطراف المتداخلة في ليبيا، وأيا من الوجوه المرغوب بها كي تستمر، وأيا من الوجوه التي ستختفي بلا رجعة سواء بالشرق أو الغرب الليبي.