كلمة الدكتورة بدرة قعلول في مؤتمر: “التفاعل بين روسيا والعالم الإسلامي في عصر التعددية القطبية الناشئة”
إعداد الدكتورة بدرة قعلول: رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية14-12-2024
السيد الرئيس السيدات والسادة ابحثوا عن السلام في الشرق
ابدأ كلمتي بالترحم على شهداء الأقصى شهداء فلسطين ولبنان وسوريا، اترحم على الأمة الإسلامية التي تعيش أصعب فترة في تاريخها… أبدأ كلمتي وأنا اشفق على سوريا التي أصبح فيها الإرهابي معارضا سياسيا، وفيها يتقدم الكيان المارق النازي الجديد الصهيوني على أراضي الشام والكل قد ابتلع الطعم الصهيوامركي بأن الديمقراطية قد دخلت دمشق فهي نفسها التي دخلت الى العراق في 2003 ونفسها التي دخلت ليبيا واليمن ولا نعلم الدور على من؟
اليوم نفس المشهد نشاهده اليوم وذاكرة العرب والمسلمين قصيرة فيا أمّة المليار و600 مليون الإسلام يباع ويشترى فمن الإسلام المتطرف الداعشي الى المعارض نسخة جديدة المعارض السياسي الذي يبحث عن ديمقراطية الكيان الصهيوني الغربي الذي يأخذ الأوامر من العدو الإمبريالي الغربي.
السيد الرئيس السيدات والسادة/ ابحثوا عن السلام في الشرق
تولي روسيا أهمية كبرى للعالم الإسلامي والتي تعتمد على التوجه نحو الشرق، أي نحو الدول الإسلامية، وهذا التوجه يعد مهم لروسيا وللدول الإسلامية لمواجهة الضغوط الغربية باعتبار الدول الإسلامية تحمل نفس الرؤية والهواجس من الغرب الامبريالي الذي يشن حربا ايديولوجية ودينية على العالم الاسلامي.
ومنذ عام 2014، بدأت هذه السياسة التوجه الى الشرق تتغير تدريجيًّا، وحتى عام 2022، تغيرت السياسة الروسية تغييرًا كاملًا، وتحولت إلى سياسة عدائية ضد الغرب، بسبب عداء الغرب تجاه روسيا فيما يتعلق بالملف الأوكراني، الذي يرتبط ارتباطًا أساسيًّا بالسياسات الحالية للرئيس الروسي، الذي بدأ بتغيير ملامح روسيا.
السياسة البوتينية ترسم بوضوح صورة جديدة لروسيا، وهي أن الغرب تخلى عن روسيا وخذلها، ولذلك فإن الطريق الصحيح هو التوجه نحو الشرق وليس الغرب. وإستراتيجيًّا، يمكن القول إن روسيا سوف تستفيد من هذا التوجه في السنوات المقبلة، خاصةً في الملف التعاون والشركات الاقتصادية، الذي يعد من أهم الملفات التي تمتلكها الدول الإسلامية، مثل ملف النفط والغاز، وحتى التجارة، وهذا التحوّل يزعج كثيرا الغرب لأنه يسيطر على ثروات الدول الإسلامية بل ويعتبرها ملكا له ولهذا نرى الضغط الكبير من الدول الغربية على الدول الشرق الإسلامية بصفة عامة.
كما أن التوجه نحو الشرق يعزز التعاون الثقافي والديني مع العالم الإسلامي، مما يمكن أن يؤدي إلى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا تسعى إلى تعزيز موقفها في المنظمات الدولية التي تضم دولًا إسلامية، مما يمكن أن يسهم في تحقيق توازن في مواجهة الضغوط الغربية.
باختصار، يمكن القول إن روسيا ترى في العالم الإسلامي شريكًا إستراتيجيًّا يمكن أن يساعدها على تحقيق أهدافها المستقبلية على مختلف الأصعدة كذلك نفس الاستراتجيا التي تتوخها الدول الإسلامية فالمصالح والاستفادة متبادلة بين روسيا والعالم الإسلامي ضمن الملامح الجديدة لعالم متعدد الإقطاب يعتمد على مبدأ الرابح رابح وتكريس العدالة الإنسانية ونبذ القطب الواحد الذي أصبح كرئيس عصابة يريد أن يهيمن وينفرد بكرسي طاولة العالم.
1- تحولات العلاقات الروسية مع العالم الإسلامي.. تفاعلات متعددة الأبعاد
مع أن التركيز التقليدي في النظام المتعدد الأطياف للعلاقات الخارجية لروسيا مع دول العالم الإسلامي كان ينصب على العلاقات الثنائية، فقد شهدت هذه العلاقات تطورات ملحوظة منذ انضمام روسيا بصفة دولة مراقب في منظمة التعاون الإسلامي عام 2005.
هذا الانضمام سمح بتحول العالم الإسلامي إلى كيان متفاعل على نحو مستقل مع موسكو، مما أسهم في تعميق الروابط المتبادلة، وتوسيع نطاق المشاركة الروسية في جدول أعمال العالم الإسلامي. وقد أسرع تزايد تأثير الأمة الإسلامية الروسية ونفوذها في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من عملية التقارب هذه.
2- التحديات والفرص المستقبلية
التوجهات الروسية الجديدة تتماشى مع رؤية شاملة لتعزيز النظام العالمي الديمقراطي والعادل الذي يحترم فعلا الشرعية الدولية وحق الشعوب في ممارسة “وطانيتهم” بحسب خصوصية بلدانهم وليس بشرعية الديمقراطية الأمريكية الغربية الكاذبة والمسقطة والتي ليس لها علاقة بواقع شعوبنا، مما يتطلب تعاونًا متزايدًا وتفهمًا مشتركًا بين روسيا والعالم الإسلامي. هذه العلاقات محورية لدعم الأمن الإقليمي والعالمي، وتنمية التراث الثقافي الغني، الذي يسهم في تعزيز الحوار بين الحضارات والأديان.
3- آفاق واعدة لعالم متعدد الأقطاب (المهم الإيمان بقدرتنا على مواكبة التحولات العالمية والإيمان بقدرتنا على التغيير)
في الأفق المستقبلي للعلاقات بين روسيا والعالم الإسلامي، نرى توجهًا نحو تعميق التعاون الإستراتيجي الذي يمتد عبر مختلف المجالات، من الاقتصاد والتجارة إلى الثقافة والتكنولوجيا.
الجسور التي تُبنى اليوم لا تُعزز الروابط الثنائية فقط؛ بل تفتح آفاقًا جديدة لتحالفات إقليمية قد تغير ملامح السياسة الدولية المتعثرة وبداية انهيار للشرعية الدولية ومنظماتها التي لا تقوى إلاّ على الضعفاء.
المبادرات الحديثة مثل المنتدى الاقتصادي “روسيا- العالم الإسلامي”، والدور النشط الذي تضطلع به روسيا في منظمة التعاون الإسلامي، تشير إلى رغبة موسكو في استثمار مواردها وقدراتها في إقامة شراكة مستدامة مع الدول الإسلامية.
هذه الشراكة لا تهدف إلى تحقيق منافع اقتصادية فقط؛ بل تسعى أيضًا إلى إيجاد قاعدة قوية للحوار الثقافي والحضاري. والاعتراف بالتعدد الثقافات والحضارات والأديان.
كما يمكن أن يسهم التقارب بين روسيا والعالم الإسلامي في تعزيز الاستقرار العالمي، وفتح أبواب جديدة للتقدم في عصر يتسم بالتغيرات السريعة، والتحديات المعقدة. مع توسع الروابط الاقتصادية، وتعميق الحوار الثقافي والعلمي، تتكون ملامح مستقبل يعد بكثير من الفرص لكل من روسيا والدول الإسلامية لتحقيق التنمية المتبادلة، والرخاء المشترك، وخاصة الخروج من جلباب الأحادية القطبية.
في العام 2003 لاحت بوادر تحسن العلاقات بين روسيا وعدد من الأقطار الإسلامية حين حضر رئيس الدولة الروسية فلاديمير بوتين ولأول مرة جلسة أهم مؤسسة دولية في العالم الإسلامي، منظمة المؤتمر الإسلامي في العاصمة الماليزية كوالالمبور.
وقد شدد بوتين في كلمته التي ألقاها في المؤتمر في العاصمة الماليزية على عدة نقاط مفصلية:
- أكد على أهمية التقارب بين روسيا وأقطار العالم الإسلامي، وسيرها للقاء بعضها البعض.
- أشار بوتين إلى المقدمات التاريخية لهذا التقارب المتبادل قائلا “على امتداد قرون عديدة ارتبطت روسيا كدولة أوراسية ارتباطا متشابكا مع العالم الإسلامي بأواصر طبيعية وتقليدية… وعلى مدار القرن العشرين أيدت روسيا العديد من بلدانكم في سيرها نحو الاستقلال الوطني… وكنا الحلفاء الرئيسيين لعدد كبير من الأقطار العربية والإسلامية”.
- أعرب الرئيس بوتن عن رأيه بوضوح في شأن محاولات ربط الاسلام بالإرهاب فقال :”لا يجوز الخلط بين الإرهاب، و بين أي دين أو تقليد ثقافي أو نمط حياتي. ونحن نرفض قطعاً أية نعوت تلصق بالمسلمين، ولا يضع علامة المساواة بين المسلم والإرهابي إلا المغرضون”.
- أعلن فلاديمر بوتين عن الآفاق الإستراتيجية للتعاون بين روسيا والعالم الإسلامي قائلاً: “إن تعاوننا في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي يمكن أن يغدو من اليوم عنصراً من أهم عناصر العالم الآمن العادل. وهو قادر على توفير ساحة حل للعديد من المشاكل الدولية والإقليمية. والجمع بين مواردنا المالية والتقنية والإدارية يمكن أن يغدو عاملاً فعالاً في السياسة العالمية وبدايةً للتقدم في العديد من الاتجاهات في الاقتصاد العالمي. ومن مصلحة العالم الإسلامي أن يكون له حليف قوي و وفي يسهل التكهن بنواياه مثل روسيا الاتحادية”.
3- روسيا ترى في العالم الإسلامي شريكا والغرب بعتبر العالم الإسلامي عدوا بجب السيطرة عليه
التنافس على إقامة “علاقات خصوصية” مع العالم الاسلامي يشتد في الوقت ذاته بين اللاعبين العالميين على الساحة الدولية. ومن حيث المستقبل القريب والمتوسط ستجد روسيا دوماً في الساحة العالمية منافسين يبدون استعدادهم لتطوير العلاقات مع الدول الإسلامية بمصالحهم ومبادئهم العدائية للإسلام، ويعود ذلك من الناحية البراجماتية إلى ثلاثة عوامل أساسية: وجود القدرات النووية الروسية، والموارد التصديرية للنفط والغاز، والموقع الجيوسياسي والجيوإقتصادي الخصوصي لروسيا.
اللاعبون العالميون الرئيسيون لا يريدون عودة روسيا إلى مكانة الدولة العظمى القادرة على استعادة مصالحها الطويلة الأجل والذود عنها. فلا أحد بحاجة إلى منافس قوي جديد في منظومة العالمية النفعية المصلحية المستبدة خاصة من معسكر الشرق الذي إذا استفاق فيمكن أن يقلب كل الموازين ولن يبقى الغربي الأمريكي الصهيوني النازي يترأس طاولة العالم.
والسؤال المبدئي الذي يطرح نفسه هو: لماذا تصر الولايات المتحدة على اعتبار روسيا أحد أخطر خصومها الاستراتيجيين المحتملين؟
توضح الخارجية الأمريكية في وثائقها الرسمية أن روسيا وقدراتها النووية الصاروخية تشكل تحديا فعليا لأمن اميركا على المدى البعيد، وذلك لان القيادة العسكرية والسياسية الروسية، لن تتقبل مطلقا نظرية العالم الأحادي القطبية وهيمنة الولايات المتحدة الشاملة عليه.
ويرى كثير من الخبراء أن العالم الإسلامي هو موضوعيا القوة العالمية التي لها مصلحة في وجود روسيا قوية سائرة نحو التطور والرقي كدولة عظمى. ويقوم هذا الموقف ليس فقط على التعامل البرجماتي مع اصطفاف القوى الحالية على الساحة الدولية وليس فقط على التجربة التاريخية المشتركة، وإنما أيضا وبالدرجة الأولى على توافق وتقارب المصالح الجيوسياسية والاقتصادية.
وفي التطبيق العملي تتوفر لروسيا، وهي تنظم الحوار الاستراتيجي مع العالم الإسلامي، فرص سياسية واقتصادية فعلية للتعاون مع باقي اللاعبين العالميين وتحقيق مهماتها الإستراتيجية. وقد ارتسم تقارب المواقف السياسية لدى روسيا والعالم الإسلامي في الأحداث المتأزمة الكثيرة، ومنها ما يحصل اليوم في الشرق الأوسط من تصعيد خطير جدا وتجاوز للشرعية الدولية وشبه انهيار لمنظمات العالم الذي لم تقدر على تفعيل القرارات ضدّ الكيان الصهيوني المارق.
الخلاصة:
- لروسيا مصلحة في تقوية أية جهة عالمية تدعم جهود بناء العالم العادل الجديد المتعدد المراكز والأقطاب.
- التكامل الناجح للعالم الإسلامي يوفر الإمكانية للنجاح في مكافحة “الإرهاب العالمي”.
- تعجيل العمليات التكاملية في العالم الإسلامي يعطي دفعا إضافيا لتطوير العلاقات الاقتصادية بين روسيا الاتحادية والأقطار الإسلامية. فالتكامل الاقتصادي للعالم الاسلامي يفترض ويتطلب بناء مجمعات صناعية ضخمة ذات طاقة هائلة، تعوض عن الاستيراد من الخارج.
- يمكن للعالم الإسلامي في المستقبل أن يغدو أكبر شريك استراتيجي للمجمع الصناعي العسكري الروسي.
- تطور العلاقات بين روسيا والعالم الإسلامي المتضامن يفتح مجالا جديدا لتكامل المجال الذي تشكل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
- لا يمكن الذهاب بعيدا في عالم متعدد الأقطاب إذا لم تلعب روسيا دورا أقوى هي وشركائها الإستراتيجيين من أجل العدالة الإنسانية وتعدد الفرص وإيقاف نزيف التصعيد الذي تريد أمريكا والدول الغربية من خلاله إيقاف مشروع التحوّل العالمي وتعدد الأقطاب.