آسياأخبار العالمالشرق الأوسط

فشل الهيمنة الجوية الإسرائيلية في مواجهة الدفاعات الإيرانية وتفوّق طهران الصاروخي

شكل سلاح الجو الإسرائيلي منذ عقود حجر الزاوية في عقيدته القتالية، معتمدًا على ضربات استباقية دقيقة وقوة جوية ضاربة مدعومة بأحدث ما أنتجته الصناعات العسكرية الغربية، خاصة الأميركية. وقد مكّن هذا التفوق الجوي تل أبيب من فرض قواعد اشتباك لصالحها، بدءًا من اجتياح لبنان 1982، مرورًا بالحروب المتعددة على غزة، وصولاً إلى استهدافات دقيقة لمواقع إيرانية أو متحالفة مع إيران في سوريا. غير أن هذه المعادلة تلقت ضربة استراتيجية مؤخرًا، مع عجز سلاح الجو الإسرائيلي عن تحقيق التفوق في مواجهة إيران، التي عمدت إلى تطوير منظومة دفاعية هجومية قائمة على “الكمائن الجوية” والردع الصاروخي.

العقيدة الجوية الإسرائيلية أمام اختبار صعب

اعتمدت إسرائيل على ثلاث ركائز لتفوقها الجوي: المبادرة الهجومية، والتفوق التكنولوجي في الطائرات الشبحيّة، ودمج الهجوم الجوي بمنظومات دفاعية كـ”القبة الحديدية” و”حيتس”. غير أن هذه الركائز أثبتت فعاليتها أمام خصوم ذوي إمكانيات محدودة أو بيئات رخوة، بينما اصطدمت بعقبات عملياتية حقيقية أمام إيران، التي تختلف في بنيتها الجغرافية والعسكرية والعقائدية عن أي عدو سابق.

الكمائن الجوية الإيرانية: عقيدة متطورة ومبنية على الخداع والدقة

طورت إيران استراتيجيتها الدفاعية لتتجنب المواجهة التقليدية، مركزة على عناصر عدة أبرزها: توزيع لامركزي للرادارات، تنشيط لحظي للمنظومات الدفاعية، وتعدد طبقات الدفاع من قصيرة إلى طويلة المدى، إضافة إلى تحويل عمليات الدفاع إلى فخاخ هجومية متكاملة تنتهي بإطلاق صواريخ أو مسيرات هجومية على الطائرات المغيرة. هذا التكتيك يجعل من عملية رصد وتدمير الأنظمة الإيرانية شبه مستحيلة دون التعرض لخسائر أو الدخول في كمائن قاتلة.

العجز الإسرائيلي في تحقيق التفوق الجوي

أظهرت المواجهة مع إيران أن فرض السيطرة الجوية بات مكلفًا بل وقد يكون مستحيلاً. فالمجال الجغرافي الإيراني الواسع، وكثافة وتنوع منظومات الدفاع الجوي، ونقاط الإقلاع البعيدة للطيران الإسرائيلي، كلها عوامل تضعف من فعالية الغارات. كما أن إيران أظهرت قدرة على استهداف العمق الإسرائيلي عبر هجمات بالصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة، ما جعل قواعد مهمة في النقب والجليل عرضة للشلل.

الرد الصاروخي الإيراني: من الدفاع إلى المبادرة الهجومية

عززت طهران عقيدتها الدفاعية بتفوق صاروخي لافت، شمل صواريخ باليستية دقيقة وأخرى فرط صوتية ذات قدرة عالية على المناورة. وبدلاً من الاكتفاء بالرد، اختارت إيران سياسة استباقية محدودة عبر استهداف مواقع القيادة والمراكز الحساسة، كما لوحت بتوسيع ساحة الاشتباك لتطال القواعد الأميركية في حال اندلاع مواجهة شاملة، ما أربك الحسابات الإسرائيلية والأميركية على حد سواء.

ارتدادات على الأمن القومي الإسرائيلي

فقدان الهيمنة الجوية لا يعني خسارة معركة فقط، بل انهيار ركيزة مركزية في العقيدة الأمنية الإسرائيلية. وتكمن الخطورة في العجز عن حماية الجبهة الداخلية، وغياب القدرة على شن ضربات خاطفة في المراحل الحاسمة، إلى جانب تآكل الثقة الشعبية في الجيش، وهو ما قد يمهد لصراعات سياسية داخلية وتبدّل في تركيبة السلطة بفعل الضغوط الشعبية والأمنية المتفاقمة.

الخطاب الإيراني: من الميدان إلى طاولة المفاوضات

تستثمر إيران هذا التفوق العملياتي عبر خطاب عسكري-سياسي يُبرز الصواريخ الفرط صوتية كأداة ردع موازية للطيران الشبحي، ويتوعد بتغيير موازين القوى الإقليمية. وتكثف القيادة الإيرانية جهودها لتعزيز الحرب الإلكترونية والتشويش الراداري، مع تعميم جاهزية الجبهة الداخلية لاحتمال خوض حرب طويلة. كما تسعى طهران إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية والدخول في مفاوضات من موقع قوة، بعد أن قلبت معادلات السماء لصالحها.

إن ما تشهده المنطقة ليس مجرد مواجهة تقنية أو عسكرية محدودة، بل هو تحوّل نوعي في مفاهيم الردع والسيادة الجوية. لقد كسرت إيران، لأول مرة منذ عقود، هالة التفوق الجوي الإسرائيلي عبر مزيج من الابتكار الدفاعي والضربات الدقيقة. ومع تعمق هذا التحوّل، يبدو أن “قبة التفوق” بدأت تتشقق، إيذانًا بمرحلة جديدة من الصراع الإقليمي، قوامها التوازن بدل الهيمنة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق