أخبار العالمالشرق الأوسط

طرد الامارات من الجنوب اليمني: استعداد سعودي للذهاب نحو الخيار العسكري؟

في تطوّر نوعي يعكس انتقال الأزمة في جنوب اليمن إلى مستوى أكثر خطورة، أعلن التحالف العسكري الذي تقوده السعودية تنفيذ “عملية عسكرية محدودة” استهدفت أسلحة وعربات قتالية في ميناء المكلا بمحافظة حضرموت، قال إنها وصلت من دون تصاريح رسمية.

هذه الخطوة مثّلت أول استخدام مباشر للقوة من جانب التحالف ضد أهداف مرتبطة عملياً بحليف سابق داخل الإطار نفسه، ما يؤشر إلى تبدّل عميق في قواعد الاشتباك السياسي والعسكري في اليمن.

تأتي هذه العملية في سياق تصعيد متدرّج بدأ مع سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً على مواقع حساسة في حضرموت والمهرة. وتكمن خطورة هذه التطورات في بعدها الجغرافي والأمني، إذ تمتد الحدود السعودية- اليمنية على نحو 1350 كيلومتراً، يشكّل شريط حضرموت وحده قرابة 700 كيلومتر منها.

بالنسبة للرياض، لا تمثل حضرموت عمقاً يمنياً بعيداً، إنما خط تماس مباشر مع أمنها القومي، خصوصاً أن هذه المناطق كانت، تاريخياً، ضمن مجال نفوذ سعودي مستقر منذ أكثر من تسعين عاماً.

من هذا المنطلق، تنظر السعودية إلى ما جرى بوصفه تهديداً مباشراً لأمنها، وليس مجرد خلاف داخل المعسكر المناهض لصنعاء. فالتقدّم السريع لقوات الانتقالي في الشرق اليمني كشف حدود الدور السعودي، وأعاد طرح سؤال النفوذ والسيطرة في مناطق لطالما اعتُبرت حساسة استراتيجياً للمملكة.

ومع انتقال الخلاف من مستوى المناوشات السياسية والميدانية المحدودة إلى مستوى خطوات أحادية تمسّ الأمن الحدودي، بات المشهد أقرب إلى منعطف تصعيدي غير مسبوق في العلاقة السعودية – الإماراتية.

في هذا السياق، جاء بيان وزارة الخارجية السعودية الذي أعربت فيه المملكة عن أسفها لما قامت به الإمارات من ضغط على قوات المجلس الانتقالي الجنوبي للقيام بعمليات عسكرية على حدودها الجنوبية في حضرموت والمهرة، معتبرة ذلك تهديداً لأمنها الوطني ولأمن واستقرار اليمن والمنطقة. ووصفت الخطوات الإماراتية بأنها “بالغة الخطورة ولا تنسجم مع الأسس التي قام عليها تحالف دعم الشرعية، مؤكدة أن أي مساس بأمن المملكة هو خط أحمر لن تتردد في مواجهته”.

 

التصعيد السعودي تلاقى مع موقف أكثر حدّة من الداخل اليمني، إذ أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي مطالبة جميع القوات الإماراتية بالخروج من الأراضي اليمنية خلال 24 ساعة، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة 90 يوماً. كما قرر إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، وفرض حظر جوي وبري على الموانئ والمنافذ لمدة 72 ساعة.

وبرّر العليمي هذه القرارات بالسعي إلى حماية المدنيين والمركز القانوني للدولة، بعد ما قال إنه تأكد من قيام الإمارات بشحن أسلحة إلى ميناء المكلا. ودعا في خطابه المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الانسحاب من حضرموت والمهرة، موجهاً قوات “درع الوطن” إلى التحرك وتسلم المعسكرات، ومعلناً تشكيل لجنة تواصل سياسية لاحتواء التصعيد ومنع استخدام السلاح لفرض وقائع جديدة.

تكمن المفارقة المركزية في أن المجلس الانتقالي الجنوبي هو جزء من مجلس القيادة الرئاسي نفسه، ما يجعل الأزمة الحالية أزمة بنيوية داخل السلطة، لا مجرد تمرّد طرف خارجي. وهذا يفتح الباب أمام احتمالات إعادة تشكيل المجلس، سواء عبر إقصاء مكونات أو إدخال أخرى، بما يعكس انهيار التوازن الهش الذي بُني عليه بعد التغييرات السياسية الأخيرة في اليمن.

أما العملية العسكرية التي نفذها التحالف في ميناء المكلا، فهي تحمل دلالة سياسية تتجاوز بعدها التكتيكي. فهي رسالة سعودية مزدوجة، الأولى موجهة إلى الإمارات مفادها أن الخطوط الحمراء الأمنية غير قابلة للتجاوز، والثانية إلى الداخل اليمني بأن الرياض مستعدة للانتقال من الاحتجاج السياسي إلى الفعل العسكري إذا ما رأت أن أمنها القومي بات مهدداً مباشرة.

بات الصراع في جنوب اليمن ساحة تنازع إقليمي مفتوح بين حليفين سابقين، لكل منهما حساباته ومشاريعه. ومع تزايد المؤشرات على تفكك منظومة التحالف، يدخل اليمن مرحلة أكثر تعقيداً، حيث تتقاطع مشاريع النفوذ مع الأمن القومي، وتصبح احتمالات الانفجار الإقليمي أقرب مما كانت عليه في أي وقت مضى.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق