سلاسل التوريد ومنطقة البحر الأحمر ” إسرائيل خطر قائم على الاقتصاد الدولي”
إعداد: فاتن جباري قسم العلاقات الدولية الشؤون الاستراتيجية
مراجعة الدكتورة بدرة قعلول
تونس 30-11-2023
مع ازدياد نسبة عودة “إسرائيل” إلى مربع التصعيد بعد انتهاء الهدنة التي مُددت أخيراً، تتزايد مخاوف المستثمرين الدوليين من تداعيات مخلفات الحرب على الاقتصاد الدولي والتي بدأت بالظهور مع بدء ارتفاع أسعار النفط والغاز.
فيما يكمن القلق الأكبر من توسع رقعة الصراع ليشمل جبهات عدة خصوصا في منطقة البحر الأحمر أين يتموقع الممر الرئيسي للنفط والبترول كمورد لكل مناطق العالم كما يمر 1.5 مليون برميل من النفط الخام يوميًا عبر الممرات المائية الاستراتيجية وهو ما يدخل الاقتصاد العالمي في حالةٍ من اليقين وأن تواصل أمد الحرب سيجعل إسرائيل المتهمة الأولى بتفريع الاقتصاد والأمن الدولي. كما تُعد الحرب الغربية الروسية في أوكرانيا، الدليل الأقرب الذي يظهر الترابط المعقد بين المشهد الاقتصادي والجيوسياسي كما هي أزمة الولايات المتحدة الأمريكية وتايوان ومشروع طريق الحرير الذي يتحدى طريق بن ٌغريون الرابط بين الهند والقارة الأوروبية.
أولا – ممرات الاقتصاد العالمي وتهديدات أمن الملاحة البحري
تتأثر الأسواق المالية وأسعار الصرف والسلع بالصراعات الداخلية وبين الدول بل تؤدي الى ارتفاع الأسعار قبل وخلال بدء العمليات العسكرية وعادة ما يكون تقييم التأثير الاقتصادي على المدى الطويل، أكثر تعقيداً لصعوبة التنبؤ بالآثار الدائمة حتى للأحداث التي تبدو دراماتيكية على سلوك المستثمرين ذلك أن انعدام الأمن هو عدو لأي إستثمار كان.
أما الصراعات في الشرق الأوسط على وجه الخصوص فقد أدت مباشرة إلى ارتفاع أسعار النفط فالأحداث التي جرت في سبعينيات القرن الماضي خير دليل، من الحظر الذي فرضته منظمة أوبك إلى انتصار الثورة الإسلامية في إيران ثم الحرب الإيرانية العراقية ثم حرب الخليج الأولى وهذه المخلفات بقيت أثارها حتى اليوم.
يقول الخبراء أنه إذا كانت المنطقة تحتوي على ما يقرب من ثلث إمدادات النفط العالمية، فإن أي عدم استقرار يمكن أن يخلق حالة من عدم اليقين في السوق بناء على المخاوف بشأن انقطاع إمدادات النفط العالمية.
ومن هنا يتطلع المستثمرون إلى قدرة الولايات المتحدة في حصر المعارك ضمن حيز ضيق ” قطاع غزة ” كما تسعى إلى كبح مشاركة بقية الجبهات إلا أن الوضع القائم اليوم يبدو مختلفا وليس في صالح ما تريد أمريكا تجنبه على المدى الطويل، بداية من التهديد الإيراني ثم اليمني الذي أخذ على عاتقه مهمة “إستفزاز” السفن الإسرائيلية والأميركية في البحر الأحمر وباب المندب، حتى لو لم يأخذ منحى تصاعدياً ان طال أمده سيكون كفيلاً بإدخال سلاسل التوريد حول العالم في دوامة من القلق.
ثانيا – الدور اليمني في شلّ حركة الاقتصاد الإسرائيلي
تدخل اليمن بقوة في معركة طوفان الأقصى الى جانب جبهات لبنان والعراق، وقد ظهرت نتائجه التي جعلت المشهد الدولي أكثر تعقيداً، وشكلت ضغطاً مباشراً على الاسرائيلي ومن ورائه الأميركي، وساهم في التوصل الى الهدنة الراهنة، لكن الأهم ان الاقتصاد الإسرائيلي تضرر بشكل مباشر وثمة خسائر مالية واضحة وفق مقال نشره موقع” إسرائيل ديفنس”:
فمنذ إعلان اليمن المشاركة العلنية في الحرب ضد الكيان الصهيوني قام الجيش اليمني بإستهداف السفن التابعة والمتجهة أو العابرة من الكيان، وميناء إيلات بالذات ومواقع أخرى إستراتيجية شلّت المدن الإسرائيلية وعرقلت حركة التجارة وانتقال البواخر من وإلى إسرائيل وإضعافها باعترافات قادة العدو.
وقد غيّرت قواعد المعركة وفتحت جبهة قتال مباشرة في البر والبحر والجو، ومازالت جبهة القتال مستمرة إذ أطلق الحوثيون أيضًا صواريخ بالستية على المدمرة الأمريكية ومع ذلك، فإن تهديد الصواريخ وعمليات الاختطاف لا يزال قائما، ويهدد شركات الشحن التجارية.
وفي ضوء التهديد الذي تتعرض له التجارة العالمية في بحر العرب والبحر الأحمر إلى جانب إختطاف السفن التجارية، حيث تضيف مصادر ان شركة N-Y-K، المالكة للسفينة الإسرائيلية والتي كانت قد اختطفت إلى اليمن قبل أسبوع أعادت بالفعل سفنها التي تنقل المركبات التي كان من المفترض أن تمر قبالة سواحل اليمن في طريقها إلى أوروبا، ويضيف مصدر آخر أن شركة الشحن العملاقة في الدنمارك، “ميرسك”، أن زوجًا من السفن المستأجرة، ليزا وميرسك باجاني، سيتم تحويلهما عن مسارهما عندما يتم تفريغ حمولتهما في موانئ الإمارات المتحدة وهذا ما سيؤدي إلى تأخير لأكثر من أسبوع لأصحاب البضائع…
ثالثا – خزانات النفط العالمي أمام طريق مسدود
وفقاً لتحليل أجراه كبير الاقتصاديين في” بنك لئومي” جيل بوفمان، فإن الارتفاع الأخير في أسعار النفط من 86 دولاراً إلى 93 دولاراً للبرميل يشير إلى أن التأثير بدأ ينعكس بالفعل على أسعار الطاقة العالمية ويأتي وقف تدفق “خزان تمار النفطي” كثاني أكبر خزان في الأراضي المحتلة بسبب قرب الخزان من ساحل غزة وتعرضه للهجمات، ضمن هذا الإطار أيضاً اذ أن المساهم الأكبر فيه هو العملاق الأميركي “شيفرون”.
التوقف الإستباقي لتدفق الغاز من الخزان أدى إلى توقف الغاز إلى مصر عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط، ومن المتوقع أن يؤثر ذلك على صادرات مصر من الغاز الطبيعي إلى أوروبا ودول أخرى كما أن التوترات التي حركتها الحرب الإسرائيلية في منطقة الخليج العربي أثرت على دول الخليج وهي مصدر رئيسي للغاز بما يكون لذلك آثار أخرى على أسعار الغاز العالمية.
رابعا – التحالفات العالمية الموازية و”المقاطعة” الاقتصادية
هناك عامل آخر خطير بالنسبة للمستثمرين أيضاً:
لقد شنّت إسرائيل حربها على غزة توازياً مع إعادة تنظيم مختلف التحالفات العالمية ويمكن رؤية هذا من خلال التحول المستمر في السياسات التجارية في السنوات الأخيرة، فلقد عمدت الولايات المتحدة وبريطانيا مثلاً، الى نقل النشاط الاقتصادي بما في ذلك مصادر أو تصنيع المنتجات من دول مختلفة خوفاً من الاعتماد على الموردين في المناطق التي يحتمل أن تكون معادية للقطب الأمريكي، وموالية للمعسكر الشرقي، بما فيها المناصرة للقضية الفلسطينية، خاصة وأن دولاً عظمى كالصين وروسيا امتنعتا عن إدانة المقاومة الفلسطينية وأعلنت موقفها الداعم للفلسطينيين ضد العدو الصهيوني وهذا يشير إلى أن القضية الفلسطينية ترتبط بالاتجاه الأوسع نحو الانقسامات الجيوسياسية الجديدة.
أما من ناحية أخرى، فتقول مجلة “فور اين بوليسي” الاميركية عن جدوى المقاطعة الاقتصادية لعدد من الشركات والعلامات التجارية وتشير في تقرير كيف أثرت على شركات عدة لصالح دول أخرى، فالحرب التي تقودها إسرائيل ساعدة في إسقاط صناعة المشروبات الكحولية بأكملها في الولايات المتحدة ذاتها فكانت كوكاكولا واحدة من أولى العلامات التجارية التي أصبحت عالمية، وواحدة من أوائل العلامات التجارية التي وجدت نفسها على جانبي الحرب في تاريخه للشركة بل حتى كبرى الدول المروجة لهذه العلامة وجدت نفسها قيد الأغلاق، فمصر مثلا كانت تعد سوقاً رئيسياً لشركة كوكاكولا منذ الحرب العالمية الثانية حيث أعلن فرع الشركة المصري انحدار رقم معاملاته بعد حملة المقاطعة.
خلاصة :
ننتهي بالقول وأن توسعت الحرب والدخول الأمريكي العسكري الشامل يخدم مصلحة كل من الصين وروسيا وقد يعيد مسار السباق الأمريكي الصيني الروسي التنافسي إلى الوراء لصالح كل من بكين وموسكو. فالحرب الموسعة ارتدت لا فقط على الاقتصاد الدولي بل من صنعوا الحرب أصلا، فأمريكا التي تعاني اساساً من أزمات سياسية واقتصادية زادت أعبائها، ولم يعد لديها القدرة على حرب إقليمية أشمل، ويعود هذا إلى عدة اعتبارات.
والتداعيات العسكرية الخطيرة على الوجود الأمريكي في المنطقة والدول الغنية بالنفط التي تستضيف القواعد الأمريكية والغربية كما أن الشعب الأمريكي قد تعب من الحروب المكلفة منذ 2001 بما كلفها تريليونات الدولارات، أزمة اللاجئين في أوروبا النزاع في أوكرانيا الذي يدمر أوروبا ويستنزف موارد الغرب ويعمق الانقسام والكراهية بين روسيا وأوروبا. ايضا الصراع المتنامي مع الصين في ملف تايوان والتحديات الاقتصادية وهذه العوامل مجتمعة في حال توسع الحرب ستجعل الأمر أسوأ للغرب وللاقتصاد العالمي لذلك إن إطالة أمد حرب إسرائيل على الشعب الفلسطيني خاصة بمشاركة القوى الإقليمية الكبرى، يمكن أن يزيد من تسريع عملية إعادة الاصطفاف العالمية ويكون له عواقب وخيمة على النمو الاقتصادي العالمي.
المراجع المعتمدة
- مركز الدراسات العالمية لجامعة طهران
- المجلة الأمريكية ريدرز دايجست
- المجلة الأمريكية فور اين بوليسي
- مجلس التعاون الخليجي