ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة
تقرير قسم الدراسات والبحوث: صبرين العجروي-22-2-2021
ظروف إنشاء الجمهورية العربية المتحدة
ساهمت عديد الظروف في تشكّل الوحدة المصرية السورية في 22 فبراير عام 1922 ، حيث زخرت الفترة السابقة لقيام الجمهورية العربية المتحدة بتحركات سورية تُطالب بشكيل وحدة مع مصر ، و كان من أبرزها دعوات مجموعة من الضباط السوريين ، فضلا عن قيام حملات من طرف قادة حزب البعث العربي الاشتراكي التي تدعو إلى ضرورة ضم الطرف المصري .
و أشار الدكتور في العلوم السياسية ” جورج جبور ” إلى أن الأحداث الثورية في مصر كانت محط إهتمام الرؤية السورية ، حيث ساهمت بقدر كبير في تعظيم وزن السياسات المصرية و تعظيم شأن قائدها جمال عبد الناصر ، و قد مثلت مصر بالنسبة لسوريا بلدا جاذبا خاصة على المستوى الجغرافي ، دفع ذلك إلى تيقّن سوريا في النصف الثاني من القرن الخمسين بأحقية مصر بقيادة الجماهير العربية .
الحلف البغدادي
حضيت هذه الرؤية بالتقدير الوطني السوري عندما واجهت مصر الحلف البغدادي أو ما يُسمى بحلف المعاهدة المركزية الذي تأسس في 24 فبراير 1955 كخطوة استعمارية جديدة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة التمدد الشيوعي في الشرق الأوسط و التضييق على سوريا و عزل مصر عن المشرق العربي ، فانتهج الحلف سياسة توسيع الأحلاف ، و ما كان على الرئيس جمال عبد الناصر آنذاك إلاّ السعي إلى لعرقلة توسّع هذا الحلف .
و لم يكن الدور السوري غائبا عن الواجهة في مجابهة حلف بغداد ، بل تميّز بالمقاومة الشرسة للحلف البغدادي ممّا ساهم في اتساع الحركة السياسة في سوريا ، و في ظهور حزب البعث الاشتراكي ـ المعروف بمبدأ الوحدة العربية و التحرر من الاستعمار الأجنبي ـ في المشهد السياسي ، و هو ما أدّى إلى تمتين العلاقات مع الطرف المصري المقاوم للحلف بمعزل عن التدخلات الخاريجية ، و توقيع اتفاقية للتعاون العسكري بين الطرف المصري و السوري في 2 آذار 1952 .
و بالتالي ساهمت المعركة ضد حلف بغداد إلى جانب ثقة سوريا و إعجابها بالسياسات المصرية في توحيد البلدين و التعاون فيما بينهما والسير في طريق القيام بجمهورية عربية متحدة قائدها الرئيس جمال عبد الناصر .
مبدأ إيزنهاور
لم يكن الهدف وراء تأسيس حلف بغداد الضغط على كل من سوريا و مصر فقط ، بل كانت سياسة أمريكية تهدف إلى إبراز النفوذ الأمريكي داخل المستعمرات البريطانية .
و قد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أيضا ، إثر فشل حلف بغداد في مد الحصار على كل من سوريا و مصر و تزامنا مع إبرام كلا البلدين اتفاقية السلاح التشيكية التي تنص على تسليح الجيش المصري و السوري بالسلاح السوفياتي ، مبدأ إيزنهاور Eisenhower Doctrineالذي يتيح لها استعمال القوات المسلحة للحد من الزحف الشيوعي إذا ما رأت الحاجة إلى ذلك .
و قد عبرت سوريا عن استنكارها الشديد لهذا المبدا و تشبثت بموقفها خاصة بعد فوز حزب البعث في الإنتخابات الفرعية ، حيث كانت تعتبر أن هذا المبدأ هو انطلاقة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية لتطبيق هيمنتها ، و قد تبيّن ذلك في خطاب الرئيس شكري القوتلي الذي أعلن مباشرة عدائه اتجاه أمريكا .
ساهمت هذه الظروف في القيام بمخطط أمريكي يستهدف سوريا وذلك بمشاركة تركيا ، حيث تحولت الموانئ التركية إلى مجال مفتوح للجنود و الأسلحة الأمريكية الثقيلة ، كما قامت تركيا بتحشيد قواتها على الحدود .
و عملا على توتير الأوضاع أكثر بسوريا بلّغ إيزنهاور رئيس الحكومة التركي أن الولايات المتحدة الأمريكية على استعداد لدعم البلدان المجاورة لسوريا و تعويض خسائرها الناجمة عن الحرب إذا ما قامت بشن الهجوم على سوريا و انطلقت امريكا في دعم هذه البلدان بالسلاح لتضييق الخناق على سوريا ، كما قام إيزنهاور بدعوة الشعب السوري إلى الإنقلاب ضد حكومته و قد فتح ذلك المجال للتدخل بالشؤون الداخلية لسوريا .
في خضم هذه التوترات لم تلقى سوريا الدعم من الاتحاد السوفياتي فقط ، والذي قام بتهديد تركيا مباشرة ، بل أدان الرئيس جمال عبد الناصر العداء القائم ضد سوريا معتبرا أن أي هجوم يستهدف سوريا هو هجوم على مصر ، ممّا أدى إلى الجمع بين الجيش المصري و السوري تحت قيادة واحدة .
و أمام تنامي المد الشيوعي في سوريا ، عجز حزب البعث الاشتراكي عن اللجوء للولايات المتحدة الأمريكية لمقاومة الشيوعيين تخوفا من رد الاتحاد السوفياتي بدعمهم ، لذلك وجد في مصر الملجأ الوحيد حيث تتلاقى مصالحهما .
تأسيس الجمهوية العربية المتحدة
تُعد الوحدة مع مصر مشروعا هاماّ بالنسبة للبعثيين في كبح التمدد الشيوعي ، كما رحّب شعوب البلدين بفكرة الوحدة ، و كان 12 ديسمبر عام 1958 تاريخ سفر الضباط السوريين إلى القاهرة من أجل هذا المشروع .
لم يكن الرئيس جمال عبد الناصر متحمسا من أجل تأسيس هذا الكيان ، معبرا عن عدم استعداده لحمل أعباء و توترات الدولة السورية فضلا عن وجود اختلافات بين البلدين في مختلف المجالات و انعدام وجود حدود مشتركة، إلا أن مميّزات هذه الوحدة التي من بينها تعيينه رئيسا عليها أدّت في النهاية إلى قبول الوحدة ، ضف إلى ذلك التحديات التي تواجهها سوريا و مبدأ القومية العربية الذي ما انفكت مصر تدعو إليه و التي فرضت على جمال عبد الناصر القبول لكن في إطار بعض الشروط التي قام بفرضها من بينها توحيد السياسات الإقتصادية و الإجتماعية ، و تأسيس حزب وحيد داخل الجمهورية و هو حزب الاتحاد القومي . و كانت الغاية من وراء هذه الشروط هو الإحتواء الكلي لسوريا بمعزل عن أي تدخلات اخرى . و لم يكن للحزب البعثي إلا خيار القبول ، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها .
و تم في 22 فيفري 1958 التوقيع على اتفاقية الوحدة في اجتماع جمع بين عديد الأطراف على رأسهم الرئيس جمال عبد الناصر و شكري القوتلي . و كان قرار المجلس هو الموافقة على توحيد الدولتين في دولة اسمها الجمهورية العربية المتحدة لها كل صفات الدولة الواحدة على المستوى الإقليمي و الدولي ، و كان ذلك على إثر القيام باستفتاء شعبي في كلا الدولتين و الذي كانت نتائجه موافقة الأغلبية على قيام هذه الجمهورية .
سمات الدولة الموحّدة
تُعتبر الركائز و المبادئ التي على أساسها انشئت الجمهورية العربية المتحدة بمثابة الدستور و تمّ تقديمها إلى مجلس الأمة المصري و مجلس النوّاب السوري في 5 فبراير 1958 و كانت من أبرز مبادئها تقسيم الدولة إلى إقليمين ، هما إقليم شمالي و يُمثل سوريا و إقليم جنوبي يُمثل مصر، و يحتوي كل إقليم على مجلس تنفيذي يقوم رئيس الجمهورية بتعيين رئيسه و وزراء وفقا لإقتراح رئيس المجلس ، كما تكفل الدولة حق الإنتخاب العام للشعب و تعتبره واجب وطني، يُحفظ الحق في الملكية الخاصة و يُشرفُ عليها القانون وفق مبادئ عادلة ، يتكفّل مجلس الأمة بالسلطة التشريعية و رئيس الجمهورية بالسلطة التنفيذية ، كل قررات التشريعات المعمول بها في سوريا و مصر تظل مفعّلة في النطاق الإقليمي المقرّر لها عند إصدارها و قابلة للإلغاء أو التعديل …
فشل الجمهورية العربية المتحدة
كان للجمهورية العربية المتحدة تأثير جيد على المجالات الإجتماعية والإقتصادية و السياسية ، إلا أنها لم تصمد طويلا أمام العراقيل التي اعترضتها ، فقد استمرت أقل من اربعة سنوات .
و حسب راي جمال عبد الناصر يعود فشل الجمهورية للتضييقات التي تقوم بها مختلف الأطراف المعادية للقومية العربية التي تهدد مصالحها ، على رأسها الطرف الإسرئيلي الذي ما انفكّ عن مقاومة الدولة العربية الموحدة التي شدّدت عليها الحصار ، ضف إلى ذلك السياسة التقليدية للمستعمر التي طالما اعتمدت على بث الإضطراب داخل مستعمراتها للحفاظ على وجودها و تحقيق مصالحها .
و يُرجحُ وجود أسباب اخرى ساهمت في حل الوحدة ، من بينها استغلال مصر لسوريااقتصاديا وسعيها لفرض هيمنتها
و هو ما أدّى إلى تدهور الأوضاع الداخلية و توتر العلاقات بين سوريا و مصر على مختلف المستويات ، حيث تحوّل العديد من الأطراف الداخلية عن المبدأ الرئيسي المتمثّل في الوحدة للسعيلفرض الحكم و احتكار السلطة ، و كان الإقليم الشمالي للدولة مثالا هامّا على ذلك حيث تحوّلت أهدافه لفرض السلطة و الحكم . و قد قام الرئيس جمال عبد الناصر بالتنازل عن حلفائه من حزب البعث الإشتراكي محمّلا إياهم مسؤولية تدهور الأوضاع الإقتصادية في سوريا . و كان لبروز الكتلة العسكرية المناهضة للجمهورية العربية دور هام في تفكيك الوحدة ، نظرا في أن شروط جمال عبد الناصر في الفترة الموالية لتوقيع اتفاقية الوحدة تنص على حل المجلس العسكري و استقالة ضباطه و عدم الإنخراط بالعمل السياسي ، و هو ما أثار غضب الجيش السوري و سعيه إلى لحل هذا المشروع ، حيث تحقّق ذلك في أيلول عام 1961 .