أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

ديفيد هيرست: العدوان على الدوحة أثبت أن الاعتراف بـ”إسرائيل” لا يحقق سلاما

قال الكاتب البريطاني، ورئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي”، ديفيد هيرست، إن العدوان الإسرائيلي على الدوحة مثّل لحظة كاشفة، إذ أكد أن الاعتراف بإسرائيل أو توقيع اتفاقيات تطبيع لا يحقق سلاما، بل يمنح إسرائيل شعورا بالتفوق يمكنها من قصف عاصمة خليجية دون اعتبار للسيادة.

العملية التي فشلت في تحقيق هدفها بقتل وفد التفاوض التابع لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، نجحت في توجيه رسالة تهديد إلى قطر وتركيا ودول المنطقة بأن الجيش الإسرائيلي قادر على الوصول إلى أي مكان.

ورغم الدمار، عززت العملية الفاشلة مكانة حماس كما حدث بعد محاولة اغتيال خالد مشعل عام 1997، وكشفت عن تآكل مصداقية نتنياهو داخلياً وإقليمياً، بحسب مقاله المنشور على الموقع.

وعلى المدى البعيد، باتت دول الخليج، خصوصا السعودية والإمارات والأردن، أمام تحد في مواجهة غضب شعوبها بعد تقارير عن سماح بعضها للطائرات الإسرائيلية بالمرور بحسب هيرست.

نص المقال كاملا: العدوان على الدوحة أثبت أن الاعتراف بـ”إسرائيل” لا يحقق سلاما

في كل مرة يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اغتيال زعيم حماس خالد مشعل، تنتهي العملية بالخزي والعار لإسرائيل.

كانت المرة الأولى في عام 1997، عندما قام عملاء للموساد بأوامر من رئيس الوزراء الإسرائيلي بالدخول إلى الأردن منتحلين شخصيات سياح كنديين. تربص اثنان منهم عند مدخل مكتب خالد مشعل في عمان، وعندما توجه هدفهم نحو المبنى، صوب أحدهما جهازاً إلى أذنه اليسرى انطلقت منه مادة سامة سريعة المفعول.

طارد حارس خالد مشعل العميلين، بينما لاذ آخرون بالفرار ولجأوا إلى السفارة الإسرائيلية التي كانت قد أقيمت حديثاً. في البداية، ظن الجميع أن الهجوم قد فشل. وصف خالد مشعل الهجوم بأنه “ضجيج صاخب في أذني” وبأنه “صعقة كهربائية”. إلا أن السم بدأ يسري مفعوله، وبدأت حالته الصحية تتدهور.

كان خالد مشعل مواطناً أردنياً حينذاك. أسخطت محاولة الاغتيال الملك حسين الذي طالب إسرائيل بتسليم الترياق المضاد للسم، وهدد بمحاكمة عميلي الموساد وبالانسحاب من اتفاق السلام التاريخي الذي كان قد وقع عليه قبل ثلاث سنين في وادي عربا، واعترف بموجبه بإسرائيل.

أجبر الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون نتنياهو على الانصياع. فقام رئيس الموساد حينذاك، داني ياتوم، مخزياً بالسفر جواً إلى عمان ومعه الترياق. وبذلك نجا مشعل، الذي كان حينها قد دخل في غيبوبة.

ليس هذا فقط. لم يطلق الملك حسين سراح سوى عميلي الموساد اللذين أمسك بهما حراس حماس، وبقي ستة آخرون من أعضاء الفريق قابعين داخل السفارة الإسرائيلية، ولم يسمح لهم الملك بالخروج إلا بعد أن أفرجت إسرائيل من السجن عن مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، إلى جانب عدد ضخم من السجناء الفلسطينيين.

شكل الحدث بأسره صفعة كبيرة لإسرائيل. فقد بدأ الشيخ يجول منتصراً في أرجاء المنطقة، وتعززت مكانة خالد مشعل داخل حركة حماس. لقد كان قبل الهجوم يشغل منصباً صغيراً نسبياً في الحركة، التي ما لبثت أن اكتسبت مكانة مرموقة باعتبارها حركة لديها القدرة على تحدي القوى المتنمرة.

ما إذا كان نفس السيناريو سيتكرر اليوم، هذا أمر آخر، ولكن إسرائيل باءت بنفس الحالة من الخزي.

توجيه رسالة

إن الذي أنجى مشعل وكل أعضاء فريق التفاوض من حركة حماس هو الالتزام باتخاذ إجراء أمني اعتيادي يتمثل في تغيير الموقع بعد اجتماع المشاركين في اللقاء، وفصل المشاركين عن أجهزة هواتفهم النقالة.

كان المبنى الذي اجتمعوا فيه قريباً جداً من المبنى الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية. كان توقيت القصف صحيحاً، ولكنهم استهدفوا المبنى الخطأ، بحسب ما أخبرتني به مصادر عليا في حركة حماس.

بمجرد أن بدأت الحقيقية تتكشف، تحول رد الفعل الإسرائيلي مباشرة من الشعور بالنشوة والابتهاج بأنهم قضوا على قيادة حماس بأسرها، بنفس الشكل الذي تمكنوا من خلاله من دفع قيادة حزب الله وقيادة الحرس الثوري الإيراني إلى تبادل الاتهامات.

في البداية، سارع يائير لابيد، زعيم المعارضة الذي طالما حرص على المشاركة في الحملة المطالبة بإطلاق سراح الرهائن، إلى تهنئة سلاح الجو الإسرائيلي وجهاز الشين بيت “على العملية الاستثنائية التي استهدفت النيل من أعدائنا.”

إلا أن تغريدته عبر منصة إكس سرعان ما استبدلت بالنص التالي: “إن أعضاء حماس هم أبناء الموت، ولكن في هذه المرحلة ينبغي على الحكومة الإسرائيلية أن تشرح لماذا لن تفضي عملية [الجيش الإسرائيلي] إلى قتل الرهائن، وما إذا تم الأخذ بالاعتبار الخطر المحدق بحياة الرهائن عندما اتخذ قرار تنفيذ العملية. لا يجوز بحال الانتظار أكثر من ذلك. ينبغي إنهاء الحرب ويجب أن يعادوا إلى منازلهم.”

“قمة من النار” كان الاسم الذي أطلقته إسرائيل على العملية التي استهدفت قتل قيادة حماس بينما كانت تجتمع لمناقشة وثيقة التفاوض التي بعث بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

كان هذا من فعل دولة يهودية تؤمن بالتفوق العنصري لليهود، ليس فقط فيما يتعلق بفلسطين، وإنما بما يتعلق بالمنطقة بأسرها. ولم يكن الأمر كما لو أن نتنياهو ومن خططوا معه لهذه العملية لم يفكروا بالتداعيات المتوقعة لقصف قطر.

بل على العكس تماماً. لقد أرادوا توجيه رسالة إلى قطر، أو إلى أي دولة عربية أخرى تستضيف حماس، مفادها أن إسرائيل بإمكانها أن تفعل ما تريد: وأن جيشها قادر على التجول في أرجاء المنطقة لضرب أي هدف ترغب في ضربه في أي وقت تشاء، بغض النظر عن السيادة، أو بغض النظر عن المجال الجوي الذي سوف تحلق عبره لتصل إلى هدفها. كما هدد نتنياهو بضرب أعضاء حماس في تركيا. لقد أخبر الهجوم على قطر تركيا بأنها قد تكون التالية.

قصف المفاوضات

بحسب ما يقوله الخبير في العلوم السياسية مناحيم كلاين، لقد غدت إسرائيل مجتمعاً يمارس الإبادة الجماعية، إذ تخلى عن الدبلوماسية وبات عازماً على ألا ينجز الأمور إلا بالقوة.

وقال في تصريح لموقع ميدل إيست آي: “إن إسرائيل مجتمع يمارس الإبادة الجماعية، إنه مجتمع قرر ألا وجود للدبلوماسية، لا يوجد سوى القوة. وهذا يتجاوز فلسطين، فإيران مستهدفة، وكذلك سوريا. لقد هددت إسرائيل بضرب أعضاء حماس في تركيا، وتبادلت التهديدات مع الرئيس رجب طيب أردوغان.”

وأضاف إن إسرائيل أثبتت “عدم وجود أي اعتبار لمصر، ولا لليمن بكل تأكيد. من حيث الجوهر نحن بصدد هندسة يتم فرضها على المنطقة بأسرها. إن العلة من وراء هذا الائتلاف هو الإيمان بالتفوق العرقي اليهودي. إنه نظام يؤمن بالتفوق العرقي، نظام يسعى إلى فرض التفوق العرقي اليهودي ليس فقط في فلسطين بل وفي المنطقة بأسرها، وباستخدام القوة – وكذلك داخل إسرائيل نفسها، ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وكذلك ضد الفلسطينيين في مناطق 1948.”

تنذر حملة نتنياهو لإعادة هندسة المنطقة بتداعيات ضخمة ليس فقط على جيران إسرائيل وإنما على جميع الدول القريبة والبعيدة من حدود البلد على حد سواء: بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك بالنسبة لمن قاموا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل من خلال التوقيع على اتفاقيات أبراهام.

على المدى القصير، يعني قصف حماس قصف المفاوضات. لو أن الهجوم نجح، لما بقي في حماس شخص واحد يمكن التفاوض معه، لما بقي أحد مخول بأن يقول لمن بقي من الحراس في غزة إن عليهم إطلاق سراح سجنائهم.

وليس هذا فقط، بل لو نجحت الضربة الجوية، لكانت عملية “قمة من النار” تعني نهاية جميع المحاولات المبذولة لاستعادة من بقي من الرهائن على قيد الحياة.

بقصفها حماس، كانت إسرائيل تقصف عملية التفاوض نفسها. لقد انتهت الوساطة المصرية، ويصعب الآن تصور كيف يمكن للوساطة القطرية أن تستمر. فحتى الآن، ومع بقاء فريق حماس التفاوضي على قيد الحياة، لربما انتهت جميع المفاوضات لإطلاق سراح الرهائن.

باتت الحقيقة جلية لكل من يتابع المفاوضات على مدى العامين المنصرمين. لقد أجهض نتنياهو سبع محاولات منفصلة للتوصل إلى صفقة، بما في ذلك صفقات وقع عليها فريق التفاوض التابع له. ولكن الآن، بات واضحاً للجميع أنه يريد إنهاء جميع المفاوضات وحل الإشكال في غزة بالقوة، وبالقوة وحدها.

تداعيات مقلقة

لم يبق أمام المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلا أن يتولى بنفسه العملية ويتفاوض مع حماس بنفسه بشكل مباشر، متجاوزاً إسرائيل. ولكن ذلك يعني أن يقوم رئيسه بإجبار إسرائيل على وقف عمليتها البرية في مدينة غزة، وهو الأمر الذي ما لبث يتردد في الإقدام عليه.

هذا إلى جانب أنه لو كان ترامب يعلم مسبقاً بعملية إسرائيل ضد الدوحة ومنحها الضوء الأخضر من خلال الإخفاق في منعها من المضي قدماً فيها، فأي قيمة توجد لأي ضمانة مستقبلية قد يقدمها لحركة حماس بأنها لو أطلقت سراح جميع الرهائن فإن الحرب سوف تتوقف وأن إسرائيل سوف تنسحب؟

هذه هي المرة الثانية التي تستخدم فيها إسرائيل عملية مفاوضات حية للتمويه على شن هجوم مباغت. كانت المرة الأولى في شهر يونيو / حزيران عندما شنت هجوماً على إيران، وهو الهجوم الذي بدأ قبل بضعة أيام من موعد مقرر للقاء كان سيتم بين الإيرانيين والأمريكيين في سلطنة عُمان للتفاوض حول برنامج التخصيب النووي الإيراني.

في هذه الحالة، كانت لجنة المفاوضات التابعة لحركة حماس تجتمع لمناقشة مقترح لوقف إطلاق النار صاغه ترامب بنفسه. يجب أن يكون جلياً للجميع أن ضمانات ترامب لا قيمة لها على الإطلاق.

ولكن على المدى البعيد، تعتبر تداعيات هذه الضربة الفاشلة أكثر إزعاجاً لرؤساء الدول العربية.

دعونا لا نخدع أنفسنا. وذلك أن الجيل الثاني من الحكام المستبدين في العالم العربي، والذين تولوا مقاليد الأمور في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المحتلة والبحرين، يكرهون حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين وحزب الله أكثر حتى مما يكنه نتنياهو لهذه الجماعات من كراهية.

ولكن آثار عملية إسرائيل أوسع نطاقاً من هذا الأمر. فهي تتحدى كل واحد منهم شخصياً، كزعماء من المفروض أن تكون لهم السيادة على مجالاتهم الجوية وعلى بلدانهم.

كما حصل في عام 1997، سرعان ما يعزز الهجوم الفاشل على حماس من مكانة الحركة، والتي تصنف جماعة إرهابية محظورة في بريطانيا وفي غيرها من البلدان.

لم يعد بإمكان أي من المعلقين المحليين اتهام القيادة السياسية في الدوحة بأنها تعيش في فنادق فاخرة من فئة الخمسة نجوم بينما يتضور أهل غزة جوعاً. سوف ينظر إليهم الآن باعتبارهم صامدين في خط المواجهة الأول في جبهة النضال ضد إسرائيل.

كما سيقدم ذلك درساً للحكومة في لبنان، والتي تسعى لإجبار حزب الله على التخلي عن سلاحه في أرجاء البلاد. لسوف تكتسب مزيداً من القوة حجة حزب الله القائلة إن نزع سلاحه لسوف يكشف لبنان بشكل كامل ويعرضه للنزوات الإسرائيلية.

كما أن أولئك الذين يدفعون قدماً بالخطة الأمريكية السعودية لتجريد حزب الله من سلاحه تم توقيفهم مؤقتاً من قبل قيادة الجيش اللبناني، بسبب المخاوف من أن القتال قد ينشب فيما لو تم فرض قرارات الحكومة بهذا الشأن.

لسوف يتوجب على المملكة العربية السعودية والإمارات والأردن بشكل خاص التفكير حول مدى إمكانية الاستمرار في تحدي الرأي العام في بلدانهم، وإلى أي مدى سوف يعريهم ويكشف ضعفهم الكشف عن أنهم، حسبما تزعم الآن المصادر الإسرائيلية، مكنوا سراً الطائرات الإسرائيلية من الوصول إلى الدوحة. فطبقاً لما أورده المراسل العسكري لموقع واي نيت، “لقد تم الهجوم على قطر بالتنسيق مع بلدان أخرى.”

تتمثل الخيارات المتاحة أمامهم في إغلاق مجالاتهم الجوية في وجه جميع الرحلات الجوية الإسرائيلية، وفي أن تسارع كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين إلى الانسحاب من، أو إلى تعليق عضويتهما في، اتفاقيات أبراهام. وخاصة أن الإماراتيين كانوا قد أعلنوا بأن قيام إسرائيل رسمياً بضم الضفة الغربية “خط أحمر” بالنسبة لهم.

نتنياهو يفقد المصداقية

لقد أمضى نتنياهو أسبوعاً سيئاً، بدأ يوم الاثنين بحادث إطلاق النار في القدس، والذي نجم عنه قتل ستة إسرائيليين، ثم هلاك أربعة جنود في غزة، بينما أعلنت حماس مسؤوليتها عن العمليتين.

بالنسبة لشخص أعلن أكثر من مرة خلال العامين المنصرمين أن إسرائيل توشك تحقيق النصر، ها هو نتنياهو يفقد مصداقيته محلياً، وبشكل متسارع.

لم تزل حماس تقاتل بباسلة كما كان عليه حالها في اليوم الأول، ويهلك المدنيون والجنود الإسرائيليون بأعداد متزايدة.

ويوم الثلاثاء فشل نتنياهو في القضاء على قيادة حماس، ولعله بدلاً من ذلك يكون قد قضى على كل المحاولات التي تبذل عبر التفاوض لإنهاء الصراع المستمر منذ عامين. بالمقابل، لم تزل تتعزز مكانة حماس وتكتسب المزيد من الشعبية.

رسمياً، ترامب “غير مسرور” بشأن العملية العسكرية الفاشلة، ولقد حاول النأي بنفسه عنها، قائلاً إنه سمع عنها للوهلة الأولى من قادته العسكريين. هذا على الرغم من أن البيت الأبيض سارع في أول إحاطة له للصحفيين بالإعلان أنه كان يعلم عن الضربة.

إذا لم تبعث الضربة الإسرائيلية إلى ترامب برسالة مفادها أن الاتباع المستخذي لخطى دولة مارقة يقودها الأصوليون الدينيون لسوف يضر بمكانته كزعيم عالمي، فإن شيئاً آخر لن يجدي معه نفعاً. إن ترامب امرؤ من النوع الذي يتأثر بما يوجه إليه من إهانات شخصية، ولا ينسى ذلك بتاتاً. وهذه الإهانة الأخيرة أتته من قبل أقرب حلفائه.

إلا أن هذه الضربة، أولاً وقبل كل شيء، هي بمثابة نداء صحوة للمنطقة بأسرها، مفاده أن مظلة الحماية الأمنية الأمريكية، التي دفعوا مقابلها أموالاً طائلة خلال زيارة ترامب الأخيرة إلى المنطقة، لا قيمة لها على الإطلاق. كما أن اتفاقيات أبراهام مجرد خرافة. لا يمكن للسلام أن يتحقق من خلال الاعتراف بإسرائيل.

فقط من خلال تحالف أمني إقليمي قوي لاحتواء إسرائيل – من خلال إجبار إسرائيل على الإحساس بمدى ضآلتها، ومن خلال حملها على دفع ثمن عزلتها الدبلوماسية والاقتصادية – يمكن أن تنتهي طموحات الهيمنة التي لدى نتنياهو.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق