أخبار العالمأمريكاالشرق الأوسطبحوث ودراسات

خطة السلام المزعومة بين ترامب ونتنياهو “اصطدام” بالواقع و “مناورة” من أجل الشرق الأوسط الجديد والتهجير

تداولت مصادر إعلامية، أبرزها صحيفة “إسرائيل هيوم”، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توصلا إلى تفاهم يقضي بإنهاء الحرب في قطاع غزة خلال أسبوعين، ضمن خطة إقليمية شاملة تتضمن إخراج حماس من المشهد وتهجير قادتها الى دول عربية وأوروبية، وإعادة ترتيب إدارة القطاع بمشاركة دول عربية، مع توسيع “اتفاقيات أبراهام” والتوصل إلى حل سياسي شامل حسب إدعائهما في مناورة جديد.

غير أن تفاصيل هذا “الاتفاق” المزعوم تتناقض مع الواقع السياسي والميداني، وتفتقر للمقومات العملية والميدانية وحتى الحسابية، مما يجعلها أقرب إلى المناورة الإعلامية منها إلى مبادرة قابلة للتطبيق، وقد عرفا الشخصين بالبرباغندا الإعلامية وحبهما “للشو” اكثر من الاعتراف بالواقع فهما وبالرغم من الهزيمة الكبرى في عدوانهم على إيران يؤكدون على الفوز والنجاح بل أكثر من ذلك فالمجرم نتنياهو يطالب بزيارة للبيت الأبيض للإحتفال بالنصر المزعوم، وبالتالي يمكن تصنيفهما باللئيمان الكاذبان برتبة رؤساء.

الإدارة العربية لغزة غير واقعية سياسيًا وشعبيًا

فكرة أن الإمارات ومصر ودولتين عربيتين أخريين ستتولّين إدارة قطاع غزة مكان حماس، غير واقعية ولا يمكن أن تنفذ على أرض الواقع، وتتجاهل تعقيدات الواقع. إذ لا توجد دولة عربية مستعدة لتحمل الكلفة الأمنية والسياسية والإعلامية لمثل هذا المشروع الصهيوأمريكي الخيالي.

مصر رغم علاقتها الوثيقة بغزة وحدودها المباشرة معها، لن تُغامر بالتورط في إدارة ميدانية مباشرة داخل القطاع، خاصة في ظل التوتر القائم بين القاهرة وواشنطن ورفض القاهرة إطلاقا لعملية التهجير وفتح سيناء كمأوى للفلسطينين فهي لن تتورط في المخطط الشيطاني، وهو ما يفسّر جزئيًا تهميشها في الطرح.

أما الإمارات، فهي بعيدة جغرافيًا وسياسيًا عن النسيج المجتمعي في غزة، كما أن رفض الشارع الفلسطيني لها متزايد بسبب علاقاتها المتقدمة مع إسرائيل وعملية التطبيع المعلنة، ما يجعل أي وجود لها غير مقبول شعبيًا وقد يكون محفوفًا بالمخاطر الأمنية.

نفي قادة حماس والإفراج عن الأسرى… طرح غير واقعي عسكريًا وميدانيًا

مخطط قديم ومنذ بداية طوفان الأقصى قد أعلنت عنه حكومة المجرمين الصهاينة، ورجع اليوم المقترح للسطح وتزعم الخطة “نفي قادة حماس”، في حين أن معظم قيادات الصف الأول في الحركة هم أصلًا خارج غزة منذ سنوات وقد تمّ تصفية أغلب القيادات العسكرية ولا نغلم الى اليوم من يريدون نفيهم من القيادات السياسية أم العسكرية أم القيادات الشعبية، طبعا تفاصيل لن يفصح عنها المخطط الصهيوأمريكي.

أما من تبقى داخل القطاع فهم إما قيادات ميدانية يصعب الوصول إليهم أو مقاتلون يتحصنون في مناطق القتال. أي محاولة “لنفيهم” تفترض استسلامًا غير واقعي من حماس للكيان الصهيوني والذي يعلم ويفقه طبيعة الكيان المجرم فسوف يغتالهم ويقتلهم حتى في المنفى فاصل الكيان مجرم برتبة “إرهابي قاطع للرؤوس”.

كذلك، فإن الحديث عن “الإفراج عن جميع الأسرى” يتناقض مع موقف إسرائيل الرسمي، الذي يرفض أي صفقة شاملة دون مكاسب ميدانية وسياسية واضحة، خاصة في ظل الضغوط السياسية الداخلية وتوتر الرأي العام الإسرائيلي.

تطبيع سعودي سوري مع إسرائيل… خيال سياسي

من النقاط الأشد ضعفًا في هذه الخطة، الحديث عن انضمام السعودية وسوريا إلى اتفاقيات أبراهام. فالرياض، رغم المفاوضات السابقة، أعلنت مرارًا أن تطبيعها مرهون بقيام دولة فلسطينية على حدود 1967  وكان ولي العهد محمد بن سلمان قد قالها مرارا وتكرارا وفي العديد من المناسبات وموقفه ثابت وواضح.

 ومع المجازر المرتكبة في غزة، فإن أي تطبيع في الظرف الحالي سيُعتبر انتحارًا سياسيًا للأمير محمد بن سلمان وللأسرة المالكة.

أما ما يفصح عنه الجولاني عن التطبيع فهو يبقى في “إتفاقياته الشخصية” مع الكيان الصهيوني ومع ترامب مؤخرا وغير ذلك التطبيع لا مجال له على أرض الواقع بالرغم من المشاكل الميدانية في سوريا وبالرغم من تجريد سوريا من سلاحها واستباحة أراضيها من الكيان الصهيوني ولكن لا ننسى أن تركيا لن تغامر بسوريا لصالح المشروع الصهيوأمريكي… كذلك الشعب السوري الذي يرفض رفضا قطعيا هذا النوع من التفاهمات.

 فسوريا، في حالة صدام وجودي مع إسرائيل منذ عهود ومن غير المنطقي الحديث عن أي تقارب سياسي معها في ظل استمرار القصف الإسرائيلي على أراضيها بشكل شبه يومي. وكما سبق وأشرنا أن الجولاني صنيعة الصهاينة ربما يوقع إتفاقية إبراهام مع الكيان المحتل ولكن الواقع سينفلب عليه بشكل لا يضمنه الصهيوني ولا الأمريكي ولا الجولاني ولا التركي فالعمليو والواقع السوري معقد جدا.

حل الدولتين مقابل اعتراف أمريكي بضم الضفة… تناقض جوهري

تُحاول الخطة الترويج لحل الدولتين، ولكن بشروط إسرائيلية، مع منح أمريكا الاعتراف بضم أجزاء من الضفة الغربية. هذا الطرح لا يعبّر عن أي تسوية، بل عن مقايضة غير متكافئة، إذ أنه يعزز السيطرة الإسرائيلية على أراضٍ محتلة مقابل وعد لفظي بدولة فلسطينية غير قابلة للحياة والخطاب الإسرائلي واضح وصريح لا وجود لحل الدولتين وهم معروفين بنقض العهود والكذب وقول الشيء ونقيضه فلا يمكن وشبه مستحيل أن يتمّ تنفيذ حلّ الدولتين.

كما أن حكومة نتنياهو، بتحالفها مع أقصى اليمين الديني والقومي، ترفض تمامًا مبدأ حل الدولتين، بل تعمل على تكريس سياسة الضم الزاحف والاستيطان المكثف، ما يجعل هذا الطرح مجرد غلاف دبلوماسي لاستمرار الاحتلال وإحتيال من الجانبين الصهيوني و”الترامبي” لإيهام العالم والدول العربية التي تشترط حلّ الدولتين.

خطة إعلامية بمضامين تكتيكية لا استراتيجية

الطرح المسرب عبر صحيفة إسرائيل هيوم يبدو أقرب إلى محاولة سياسية منسقة بين نتنياهو وترامب لاستعادة الزخم لكليهما فلعبتهما المفضلة هي “الشو الإعلامي” وقد أمتهنا الكذب المفضوح فلهما من الوقاحة الغريبة في الكذب والإستهزاء بالجمهور.

 خاصة مع سعي ترامب للحصول على جائزة نوبل للسلام، فحلمه نوبل للسلام ووعده لشركات السلاح بحرب عالمية ثالثة ووعده لمنتخبيه بعدم خوض الحروب ولا التدخل فرجل البيت الأبيض اصبح يلهو ويتلاعب بلؤم كبير بسمعة أكبر قوة في العالم وهذا ليس بغريب على رجل قد بنى ثروته من كازيونات القمار فهو صاحب أكبر محلات القمار في العالم.

فهو يروّج لانتصار دبلوماسي مستقبلي وهمي من دون خجل وبكل وقاحة مع صديقه قاتل الأطفال ومجرم الحرب نتنياهو، دون تقديم آليات عملية أو التزامات واضحة من الأطراف المعنية.

كما يكشف عن مناورة مزدوجة تهدف إلى إعادة تلميع صورة ترامب دوليًا، مقابل منح نتنياهو مخرجًا من ورطته في غزة دون خسارة سياسية داخلية.

 ومع ذلك، فإن عناصر الخطة تنهار عند أول اختبار واقعي، ما يجعلها مجرّد “فقاعة إعلامية” في ظل توازنات دولية وإقليمية أكثر تعقيدًا مما يوحي به هذا النوع من الطروحات.

خلاصة: خطة ترامب ونتنياهو جزء من مشروع الشرق الأوسط الجديد وواجهة لتهجير منظم لسكان غزة

وما يُروَّج له تحت مسمّى “خطة ترامب ونتنياهو” لا يعدو كونه تغليفًا دبلوماسيًا لمشروع خبيث، يفتقر لأي سند واقعي أو قبول إقليمي.

فترامب، لا يستطيع فرض سيناريو بهذا الحجم، والخطة المزعومة تناقض المواقف المعلنة لجميع الأطراف الأساسية.

لا السعودية ستطبّع في ظل الدم النازف من غزة، ولا سوريا ستنقلب على عقيدتها السياسية بعد كل ما جرى فيها من تناقضات وإنتهاكات ومن يعرف تاريخ الشام لا يقنعه ما يجري فيها ورياح التغيير والكرامة الشامية قادم لا محالة.

أما نفي قادة حماس، فأغلبهم أصلًا خارج القطاع، والحديث عن إدارة عربية لغزة هو فخّ يُراد منه تفكيك الموقف العربي وإغراق دول مثل مصر والإمارات وقطر والبحرين في مستنقع ميداني وشعبي لا يمكن السيطرة عليه.

بل إن هذه المناورة تأتي لتخدير الرأي العام العربي والفلسطيني بوعود زائفة عن “حل الدولتين”، بينما يُحضّر في الكواليس لسيناريوات التهجير والتقسيم النهائي للضفة وغزة.

 ما يحدث ليس بداية تسوية، بل محاولة لتعويم نتنياهو وإعادة ترامب إلى الواجهة عبر ستار من “السلام الزائف”، تمهيدًا لإعادة رسم خرائط المنطقة وفق رؤية صهيوأمريكية لا تزال تتحرك بثبات تحت عنوان “الشرق الأوسط الجديد”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق