حين أضاع العرب على أنفسهم فرصا تاريخية لبناء القوة الذاتية!
دمشق-سوريا-22-02-2023
في مثل هذا اليوم 22 فبرايرمن عام 1958، تم الاعلان عن قيام أول نواة للدولة العربية الموحدة، بإعلان الوحدة بين مصر وسوريا تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة التي جاء قيامها تلبية لرغبات الشعبين المصري والسوري، في إطار المناخ الدولي الضاغط آنذاك، والأحداث التي شهدها الوطن العربي من تأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر، والحشود التركية على الحدود السورية، وصولًا إلى قيام حلف بغداد بالمؤامرات والدسائس.
وكان جمال عبد الناصر قد وضع شروطاً لإتمام الوحدة في مقدمتها أن يتم استفتاء شعبي على الوحدة ليقول الشعب في سوريا وليقول الشعب في مصر رأيه الحر في التجربة ويعبر عن إرادته.
وبالرغم من عدم نجاح تجربة الوحدة بالبقاء لفترة طويلة، إلا أن المنجزات الاقتصادية كانت كبيرة، وعلى رأسها بداية مشروع سد الفرات، الذي كان يراه عبد الناصر موازيا لمشروع السد العالي، إضافة إلى حماية سوريا من تهديدات الأحلاف التي كانت تتربص بها.. كما حققت الوحدة إنجازات كبيرة لسوريا، مع تبني سياسة التوجيه الاقتصادي، وتحرير النشاط المالي من السيطرة الأجنبية والرأسمالية، وإنهاء احتكار القلة المالكة بقوانين الإصلاح الزراعي، وزيادة قدرة القطاع العام بتمليكه المصارف التي أقامتها الدولة والمصارف والشركات التي أممت، وإلغاء قانون العشائر وتشجيع الجمعيات التعاونية وبتدعيم الإنفاق على التنمية، الأمر الذي ضاعف من عدد وطاقة الطبقة العاملة في سوريا بشكل ملحوظ.
في المقابل كانت هناك ثغرات وإخفاقات تمثلت في عدم وجود التنظيم الشعبي في القطرين، وعدم توحيد الفكر والدولة، فكان هناك في جيشان وعملتان وميزانيتان، وبالتالي أصبحت الجمهورية العربية المتحدة تواجه تحديات معادية تصدر عن قوى موحدة الاستراتيجية والتكتيك.
في هذه الأجواء، لعبت المخابرات الأمريكية، بالتعاون مع نظيرتيها البريطانية والصهيونية، دورا في إنهاء الجمهورية العربية المتحدة، والقضاء على مشروع الوحدة تأسيسًا على خسارة معركة العدوان الثلاثي عام 1956 التي تم دحر الدول الثلاثة فيها بفضل التعاون العسكري بين مصر وسوريا.
واعتبرت المخابرات الغربية، أن وجود السيطرة على مسارات نقل بترول الشرق الأوسط إلى أوروبا، سواء عن طريق قناة السويس، أو عن طريق أنابيب البترول المتجهة إلى البحر الأبيض عبر الأراضي السورية تحت السيطرة الفعلية للقاهرة، يعرض المصالح الأمريكية في المنطقة لخطر أكيد، ويجعل الجمهورية العربية المتحدة في وضع يمكنها من ممارسة ضغط على الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية، من ناحية، ويمثل كماشة تحاصر كيان الاحتلال الصهيوني في فلسطين، هذا الكيان العنصري الذي أنشأه الغرب الاستعماري ليكون حاجزا يحول دون عودة الأمر الطبيعي إلى الوطن العربي في وحدته، لذلك تكالبت قوى العدوان الخارجية لإسقاط الحلم العربي الذي تجسد على أرض الواقع بعد عهود طويلة من التمزق والتشتت والاحتلال،وفي يوم 28 سبتمبر عام 1961، قامت مجموعة من الضباط السوريين بقيادة المقدم عبد الكريم النحلاوي بتنفيذ انقلاب عسكري.
وبرغم مرور 65 عاما على أول وحدة عربية في التاريخ الحديث، لا تزال الوحدة تمثل الطريق الأمثل لأمة العرب نحو القوة والمنعة والخلاص،ولمواجهة التحديات التي لا تزال تتربص بمستقبلها ومصيرها.
لقد أضاع العرب على أنفسهم فرصا تاريخية عديدة كان بالامكان التقاطها في زمن انشغال القطبين بصراعاتهما، لبناء قوتنا الذاتية، وإلا ما كنا لنجد أنفسنا اليوم نتوسل حمايتَنا من الآخرين، ويتسوّل بعضنا على أعتاب بيوتات المال العالمية