حادثة محاولة اغتيال ترامب: ما هي الأسباب وأي تداعيات لذلك؟
إعداد صبرين العجرودي قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية 17-07-2024
أثار تعرّض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لمحاولة اغتيال في 13 يوليو 2024 بإطلاق النار عليه خلال تواجده في تجمع انتخابي في ولاية ينسلفانيا، جملة من التساؤلات والمشاعر السلبية في الوسط السياسي المدفوعة بحالة من الخوف والفزع من الانقسامات الحزبية والسياسية العميقة التي يشهدها الوسط الأمريكي قبل الانتخابات الأمريكية، خاصّة وأنّ العملية الاغتيالية التي لا تزال عوالمها مجهولة قد حصلت قبل أيام من تاريخ انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في مدينة ميلووكي الواقعة في ولاية ويسكونسون الأمركيية الذي سيقوم بترشيح ترامب بصفة رسمية لخوض الانتخابات الرئاسي، المنتظر حدوثها في نوفمبر القادم.
يُذكر أنّ الحادث “المبهم” أدّى الى إصابة ترامب في أذنه، في حين أنّه أسفر عن مقتل أحد الحاضرين وجروح بالغة الخطورة لدى فردين آخرين، ومقتل منفّذ العملية.
والمثير للاستغراب، أنّ هناك مصادر كانت قد ذكرت أنّ ترامب تعرّض لعديد المرات لمحاولات اغتيال لم تنجح في تحقيق هدفها.
وجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها ترامب لمحاولة اغتيال فاشلة، فجميع المحاولات التي تعرض لها، كادت تودي بحياته، ولكن منفذيها لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم في اللحظات الأخيرة.
ورقة رابحة تُضاف الى الحملة الانتخابية
لعلّ المثير للانتباه في السياسية “الترامبية” هو سعيه المتواصل لتوظيف الورقات غير المناسبة لقلب الأحداث الى صالحه، ويندرج ذلك بوضوح من خلال التهم التي بلغ عددها 34 تهمة والتي جعل منها وسيلة ضدّه الهدف منها هو النيل من نجاحه في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وينعكس ذلك على الديمقراطية الأمريكية المزعومة للولايات المتحدة الامريكية، حيث أنّ هذا الاتجاه الذي تسير ضمنه الديمقراطية المزعومة سلفا للولايات المتحدة الأمريكية سيضاعف من انهيارها بل ستكون الضربة أشد قوّة من سابقتها بسبب تسييس القضاء وجعل السجن وسيلة للدعاية الانتخابية وإخراج السجناء السياسيين على أنّهم أبطال الدولة رغم ما يوجد في حقّهم من جرائم أثبتت المؤسسات القانونية والدستورية إدانتهم بها، حيث قام مناصري ترامب مباشرة بعد تأييد المحكمة إدانة ترامب بحملة تبرّعات لصالحه بمزاعم التآمر بشأنه.
وبالنسبة لترامب، فإنّه لم يتوانى لحظة في اتهام نظام العدالة الأمريكي بالفساد ومحسوبية القضاء، وهو ما يفتح الباب أمامه للتشكيك أيضا في نتائج الانتخابات في حال عدم فوزه بأكبر عدد من الأصوات، والحال أنّ هذا كله لا يعد جديدا عن المسار التاريخي للوضع السياسي في الولايات المتحدة الامريكية، حيث أنّه في عام 1920 حصل حادث مشابه مع مرشّح الحزب الاشتراكي يوجين ديز الذي كان محكوما بعشرة سنوات سجن على خلفية تهمة التحريض على الفرقة والانشقاق وتشجيع المواطنين الأمريكيين على رفض آلية التجنيد الإلزامي. ومع ذلك فإنّه ترشّح وساهمت مسألة سجنه في الدعاية له وحصل على مليون صوت في الانتخابات الرئاسية حينها.
في نفس السياق، بعد وقوع حادث محاولة اغتيال ترامب من المتوقّع جدا أن يسير على نفس النهج، حيث حظي الرئيس الجمهوري السابق خلال المؤتمر باستقبال البطل الذي تحدى الموت ونجى من محاولة اغتيال أخرى أصيب خلالها على مستوى الأذن، وسط جمهور تفاعل بالتصفيق والهتاف، وقد أشارت مصادر الى أنّه لا يمكن تحديد الكيفية التي سيؤثر بها الحادث على الحملة الانتخابية لترامب، غير أنّ الواضح وبالاستناد الى السياسة الترامبية المتركّزة على الازمات فإنّه من المرجّح أن يستفيد وترتفع شعبيته، حيث أنّه كثيرا ما ارتفعت جاذبية القادة السابقون الذين تعرّضوا لمحاولات اغتيال فاشلة لدى الشعوب.
وقد أشار بعض المحللين الى نفس النقطة مؤكدين أنّ احتمال فوز ترامب في السباق الانتخابي الرئاسي أصبح كبيرا لدرجة هائلة وأنّه عقب محاولة الاغتيال ارتفع احتمال فوزه الى نسبة 68 بالمائة بحسب أسواق التنبؤ.
مواصلة اتقان “دور البطولة”
مواصلة في الدور الذي تقمّصه الرئيس السابق دونالد ترامب، قام ببعض السلوكات التي تدل على “سعادة” ترامب بالاغتيال الفاشل، لإدراكه الواضح بتداعياته السلبية على طموحه السياسي بنيل ولاية رئاسية أخرى، حيث قام عقب تعرضه لإطلاق النار باستعادة رباطة جأشه رافضا الاحتماء بالأمن، كما حاول في خطوة بجطولية كشف جزء كبير من جسده للحضور قائلا أنّه بخير موظّفا خلال ذلك خطابا تحريضا دعى فيه الشعب الأمريكي الى “القتال من أجل الولايات المتحدة الامريكية”.
من جهة أخرى،لم ينفك ترامب عن كتابة منشورات على منصة “تروث سوشيال” منذ بداية محاولة اغتياله، يوم السبت 13 يوليو 2024، حيث أنّ قام بعد طمأنة جمهوره بحالته طالبهم “بالاتحاد ومنع انتصار الشر”، كما دعا أنصاره إلى “الصمود بإيمان والاتحاد في مواجهة قوى الشر”، وتابع قائلاً: “في هذه اللحظة، من المهم أكثر من أي وقت مضى أن نقف مُتحدين، وأن نظهر شخصيتنا الحقيقية كأمريكيين، وأن نبقى أقوياء ومصممين، ولا نسمح للشر بالانتصار”.
كما أكّد على حضوره في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، والذي ستنطلق فعالياته 14 يوليو الجاري في مدينة ميلووكي بولاية ويسكونسن الأمريكية.
عنف سياسي وحالة من الاستقطاب الشديد
في الوقت الذي ارتفع فيه عدد التّوقعات بشأن إحداث عملية الاغتيال الفاشلة فرقا إيجابيا لصالح ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، ذكر مراقبون أنّه ليس من المستغرب ان يدبّر ترامب هذا الحادث لخدمة مصالحه الانتخابية، في إشارة منهم إلى أنّ ما حدث لا يعتبر تصرفا فرديا أو أنّ شخصا مجنونا قام بالعملية، والواقع أنّ مرتكب الاغتيال الفاشل تصدّر في مكان مناسب على سطح أحد المباني قبالة الحدث الانتخابي الذي تواجد خلاله ترامب في بنسلفانيا، وكان دقيقا في إطلاق رصاصاته.
كما أنّ اتهامات أخرى ترجّح أنّه من الممكن بعد العثور على مواد متفجرة بمنزل الجاني وعبوات ناسفة في سيارته، أن تكون هناك جماعة متطرّفة تقف وراء عملية الاغتيال، خاصّة وأنّه مثل هذه الجماعات موجودة كثيرا في الولايات المتحدة الامريكية ولا تريد أن يصل ترامب الى السلطة الرئاسية في الانتخابات القادمة.
من جهة أخرى، تدل العملية الاغتيالية الفاشلة على أنّ مستوى العنف السياسي قد ارتفع بطريقة مخيفة للغاية في الولايات المتحدة الأمريكية “وبات يستهدف الجمهوريين والديمقراطيين والمحافظين والليبيراليين” ويتواصل بوتيرة متكررة منذ السنوات القليلة.
ويمكن اعتبار أن هذه الحوادث منقسمة إلى مؤامرات مُنظمة وأعمال غير عقلانية يقوم بها مجرمون، فإنها كلّها مدفوعة باستقطاب يائس وعصي على الحل بين الجمهوريين والديمقراطيين، حيث يوظّف كل من الطرفين أساليب غير أخلاقية ولا حتى قانونية في تشويه الآخر وشيطنته.
ويرجّح محلّلون آخرون أن محاولة اغتيال ترامب لا تعتبر إلاّ نتيجة لسياسات الاستقطاب المتواترة في أمريكا. ورغم أنّ دوافع القناص لا تزال ضبابية، فإنّه من المؤكد أنّ ساسة الولايات المتحدة الامريكية أصبحوا معتمدين بطريقة مبالغ فيها على سياسة استغلال عاطفة الجماهير لإقناعهم بالمظلومية لإثارتهم للقيام بالنضال ضد الطرف الآخر، وهو ما ساهم بقدر كبير في ارتفاع وتيرة العنف السياسي في المجتمع الأمريكي.
من جهة أخرى يُتوقّع أن يواجه الديمقراطيون الكثير من الانتقادات التي تتهمهم بمحاولة اغتيال ترامب، حيث جعل هذا الحادث ترامب بصورة البطل الذي تعرّض لمظلومية قضائية وأنّ هناك أجندات تستهدفه، وهو ما أكّده جيمس ديفيد فانس المرشّح البارز لمنصب نائب ترامب في تدوينة على منصة أكس حين قال: “ما حدث ليس مجرد واقعة منفردة.
الفرضية الأساسية لحملة بايدن هي أن الرئيس دونالد ترامب فاشي استبدادي يجب إيقافه بأي ثمن، وأدى هذا الخطاب مباشرة إلى محاولة اغتيال الرئيس ترامب”.
وما يمكن حوصلته في الأخير، المحاولة الفاشلة في قتل ترامب، رغم ما يتم تداوله من ادانات طالت بشكل أوسع الحزب الديمقراطي، إلاّ أنّها في النهاية تعكس حالة من العنف والتعقيد السياسي الذي تشهده الولايات المتحدة الامريكية، وعلى المدى القريب يرجّح أن تحدث الكثير من الأحداث المرتبطة بالعنف السياسي، خاصّة بعد حدوث الانتخابات.