جنوب أفريقيا تعيد ترتيب تحالفاتها الدولية بين أوروبا وأميركا وسط تحولات جيوسياسية متسارعة

قسم الأخبار الدولية 21/02/2025
شهدت العلاقات بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة توترًا متزايدًا في ظل السياسات الحمائية التي تبنتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي شملت تعليق بعض البرامج الاقتصادية مع بريتوريا، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين. هذا الفتور منح الاتحاد الأوروبي فرصة لتعزيز نفوذه في جنوب أفريقيا، في وقت تتغير فيه موازين القوى العالمية، ويتراجع النفوذ الأميركي في القارة الإفريقية لصالح قوى متعددة.
الشقاق مع واشنطن وأسبابه العميقة
تدهور العلاقات بين جنوب أفريقيا وواشنطن لم يكن وليد اللحظة، بل تصاعد تدريجيًا بسبب عدة عوامل، أبرزها الإجراءات الاقتصادية العقابية التي فرضتها إدارة ترامب، والرسوم الجمركية المتزايدة التي أثرت على صادرات جنوب أفريقيا. زاد التوتر بعد تعليقات مستفزة من شخصيات أميركية، مثل الملياردير إيلون ماسك، الذي اتهم حكومة جنوب أفريقيا بانتهاج “إبادة جماعية” ضد المزارعين البيض، وهو تصريح أثار استياء بريتوريا التي اعتبرته تدخلًا غير مقبول في شؤونها الداخلية.
من جهة أخرى، حاولت الولايات المتحدة الضغط على جنوب أفريقيا لاتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه الصين وروسيا، خاصة في قضايا التجارة والأمن. إلا أن بريتوريا حافظت على سياسة خارجية متوازنة، معتمدة على استراتيجيتها التقليدية التي تقوم على عدم الانحياز والانفتاح على شراكات متعددة، وهو ما عمّق الخلافات مع واشنطن.
أوروبا تستغل الفرصة لتعزيز حضورها في جنوب أفريقيا
في ظل هذا الفراغ، كثّف الاتحاد الأوروبي جهوده الدبلوماسية والاقتصادية لتعزيز العلاقات مع جنوب أفريقيا. خلال الأشهر الماضية، شهدت بروكسل وبريتوريا لقاءات مكثفة بين كبار المسؤولين، وركزت المناقشات على قضايا التجارة والاستثمار، خاصة في قطاع الطاقة النظيفة والمعادن الاستراتيجية، حيث تبرز جنوب أفريقيا كأحد أهم منتجي المعادن النادرة عالميًا، وهي موارد بالغة الأهمية للصناعات الأوروبية في ظل التحول نحو التكنولوجيا الخضراء.
تأتي هذه الشراكة أيضًا ضمن توجه أوروبي أوسع يسعى إلى تقليل الاعتماد على الصين في توريد المعادن النادرة والمواد الخام، خصوصًا بعد التوترات التجارية المتزايدة بين بكين وبروكسل. ومن المتوقع أن تشهد القمة الأوروبية-الجنوب أفريقية المقررة في مارس المقبل الإعلان عن استثمارات جديدة في البنية التحتية للطاقة المتجددة، في خطوة تعزز الشراكة الاقتصادية بين الطرفين.
تحولات أعمق في التحالفات الدولية
على المستوى الدبلوماسي، سعت جنوب أفريقيا إلى توظيف علاقاتها المتعددة لصالح مصالحها الإستراتيجية. خلال اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين الذي استضافته جوهانسبرغ، دعا الرئيس سيريل رامافوزا إلى تعزيز التعاون الدولي المتعدد الأطراف، مشددًا على ضرورة إصلاح المؤسسات المالية والتجارية العالمية لضمان علاقات أكثر عدالة بين الدول النامية والدول المتقدمة.
هذا التوجه يعكس رغبة جنوب أفريقيا في تعزيز استقلالية قراراتها الخارجية، بعيدًا عن الضغوط الأميركية، مستفيدةً من تنوع خياراتها الاستراتيجية بين أوروبا، الصين، وروسيا. ويبدو أن بريتوريا تفضل نهجًا مرنًا يسمح لها بالاستفادة من الاستثمارات الأوروبية، دون الدخول في صدام مباشر مع الولايات المتحدة، خاصة أن الأخيرة لا تزال شريكًا تجاريًا مهمًا رغم التوترات الحالية.
إعادة رسم خريطة التحالفات العالمية
المشهد المتغير في العلاقات الدولية يعكس تحولات أعمق في ميزان القوى، حيث لم تعد الولايات المتحدة اللاعب الوحيد المؤثر في القارة الإفريقية. تحاول أوروبا تعزيز دورها كبديل اقتصادي، في حين تواصل الصين وروسيا توسيع نفوذهما، ما يمنح جنوب أفريقيا مساحة للمناورة وعقد تحالفات أكثر توازنًا.
هذا التحول لا يقتصر فقط على جنوب أفريقيا، بل يمتد ليشمل العديد من الدول النامية التي باتت تبحث عن بدائل أكثر استدامة بعيدًا عن الضغوط الغربية التقليدية. ومع استمرار هذا الاتجاه، قد نشهد في السنوات المقبلة إعادة تشكيل للتحالفات العالمية، حيث تتحول إفريقيا إلى ساحة تنافس دولي جديد بين القوى الكبرى، مما يمنح الدول الإفريقية نفوذًا تفاوضيًا أقوى مما كان عليه في العقود الماضية.