أخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات

تونس والجزائر القضايا العابرة للحدود الوطنية :”التسع معابر والتسع تحديات”

تقديم:

أملا في إحقاق حلم “اتحاد المغرب العربي الكبير ” والذي بقي راسخا في السياسات الحكومية المتبعة و طابها في ذهنية الجماهير المغاربية ذات الهوية الثقافية المشتركة والرقعة الجغرافية الواحدة تسير كل من تونس والجزائر بخطى حثيثة على منوال يقطع هذه المرة مع سياسة البروتوكولات إلى سياسة التقارب والتشارك وإتحاد الرؤى.وقد عكست نتائج الدورة ال22 للجنة الكبرى المشتركة “الجزائرية-التونسية”  الإرادة المشتركة في تحقيق “نقلة نوعية” في العلاقات الجزائرية-التونسية والإرتقاء بنسبة المبادلات البينية والتجارية والاستثمارية والرفع من درجة انسيابيتها.

وتندرج أهداف اللجنة ضمن دعم مسار إرساء شراكة استراتيجية يراد لها أن تكون شاملة بين الجارتين الجزائر وتونس في قطاعات استراتيجية وحيوية هامة منها السياحة والاقتصاد والتبادلات الحدودية وتدعيم الاستثمار الثنائي في المجالات التجارية، الديوانية، الصناعية، الطاقية، الاجتماعية فضلا عن التعاون الأمني والعسكري وفي مجالات النقل والبنية التحتية، التجهيز والتكوين والتعليم العالي والطاقة والطاقة البديلة والمحروقات وغيرها…لكن هذا المناخ الإستثماري لن يخفي التقلبات الأمنية التي تعيشها المنطقة

حيث يبقى ملف التنسيق الأمني والتعاون في مجال الدفاع أحد أهم الملفات المطروحة على طاولة العلاقات الجزائرية التونسية، لاعتبارات تتعلق بطبيعة الحدود المشتركة والنشاط السابق للمجموعات المسلحة، إضافة إلى التداعيات المباشرة للأزمة الليبية وقضايا الساحل والصحراء الإفريقي على استقرار البلدين، حيث ساهمت في انتشار السلاح وتفاقم المشكلات الأمنية المرتبطة به في ظل تصاعد التحديات المرتبطة بالهجرة غير النظامية والجريمة العابرة للحدود والاتجار بالبشر والمخدرات ناهيك عن الحرب الدائرة بمنطقة الشرق الأوسط والساحة الدولية على وجه السواء.

المواقف الإقليمية المشتركة تجاه السياسات الخارجية وسياسة الأقطاب وتبادل وجهات النظر وتحييد الرؤى والتقدم تعد كذلك خطوة مدروسة في نطاق الديناميكيات الإقليمية والدولية دفعا للروابط المتينةودرئا لكل حساسيات معطلة لهذا التوجه الدولي الجديد والحساس في ظل التحديات الراهنة.

على قاعدة المصالح العليا لتونس والجزائر تطرح تحديات أمنية إقليمية مع الجارة الجزائر، لخصوصية الجغرافيا وإلتقاء التسع معابر الرابطة بين القطرين وذلك على المستوى الجيو-أمني كمطية أولى في الحفاظ على استقرار المنطقة ككل.

أولا -أبعاد الشراكة الإستراتيجية الشاملة

– منطقة تبادل تجاري حرة

شهدت المعابر الحدودية التونسية الجزائرية حركية نشيطة فالمعابر الحدودية وهي قرابة 9 معابر من أهمها  معبر أم الطبول وبوشبكة وحيدرة وحزوة وتمغزة وببوش وغار الدماء وملولة. تمثل هذه النقاط الحدودية القريبة فرصة جاذبة للسياحة الوافدة إلى تونس، علاوة على الأسواق الحدودية والتي حققت على المدى الطويل رقما تجاريا وازنا بين البلدين على مستوى تبادل السلع والمحافظة على توفير المنتوجات الإستهلاكية والسلع بما يحقق إكتفاء البلدين كأسواق مكملة.

العلاقات عبر الحدود أصبحت مكونات أساس في التنافس الإقليمي المتزايد مدفوعاً في المقام الأول بدوافع تجارية وجيوسياسية، وهنا يشار إلى أن معبر رأس جدير الحدودي يعتبر أكبر المعابر والمنافذ الحدودية بين تونس وليبيا نظراً لحجم المبادلات التجارية وعدد العابرين منه،  بإعتبار وان دخل المنفذ الحدودي يصل إلى نحو 80 ألف دولار يومياً ويغادره أو يأتي إليه يومياً 8 آلاف مسافر، كما تمر منه أكثر من 100 رحلة سياحية وتجارية، إضافة إلى أنه يستوعب أكثر من 5 آلاف عامل مرتبط.

كما أن  المعابر الحدودية تمثل الشريان التنموي الوحيد الذي نجده بجهة الجنوب التونسي مثلا، نظراً لحجم مبادلات التجارة وعدد المغادرين منه وإليه. علاوة على دوراها في تنمية المناطق الاقتصادية الحدودية والحد من البطالة بتوفير فرص سانحة يحقق دخلا لكل فرد في عائلة على الأقل .

ثانيا – المعابر الحدودية ( التعاون الأمني المشترك في مجال الإرهاب والتهريب )

تسعى الجزائر بأن تصبح  قطب تجاري إقليمي باستغلال المعابر البرية مع دول الجوار، إضافة إلى الطريق العابر للصحراء من الشمال إلى الجنوب الذي من شأنه ربط دول الساحل الأفريقي و كل هذه المشاريع ستعطي دفعاً قوياً للاقتصاد والحركة التجارية ولحركة رؤوس الأموال والمهاجرين والسياحة بين البلدان المغاربية.

بالمقابل  فأن هناك تحديات كبيرة تواجهها المعابر الحدودية من “ناحية أمنية”، بما فيها الإرهاب والتهريب والإتجار غير المشروع للمواد الغذائية والأدوية والبنزين والمخدرات عبر هذه المناطق الحدودية وذلك بحسب ما توضحه بيانات مصالح الأمن في الدول المعنية.يحاول المهربون خلق اقتصاد مواز يدر أموال طائلة بإحتكار ممرات عبور غير رسمية، وهو ما يفرض مستوا عالياً من التعاون الأمني بين البلدان.

العمليات الأمنية–العسكرية  المشتركة بين الدرك الوطني الجزائري وقوات الحرس الوطني والجيش التونسيين لا تنتهي أبدا على الحدود فذلك من صميم التكتيك الأمني الموحد في تدمير البنية التحتية للإرهاب والتهريب الناشطة بالمناطق الجبلية الوعرة او الصحراوية وترتبط بشبكات قوية بتهجير الأفارقة  والبشر  من جنسيات مختلفة كالتشاد، مالي والنيجر، غينيا، وبتهريب السلاح من وإلى ليبيا وكذلك بالنسبة إلى مصالح الجمارك المتمركز على الحدود المشتركة على غرار سوق أهراس و تبسة، الطارف… وهي نقاط عبور مركزية تتسلل من الساحل الافريقي عبر الجزائر وليبيا و منها نحو تونس  ثم بقية الشبكة …

ثالثا- التهميش التنموي رغم القلب النابض للاقتصاد الحدودي ؟

تعتبر المناطق الحدودية على مستوى اقاليم  الشمال الغربي الكاف وجندوبة وصولا الى معتمدية غار الدماء  ثم أقاليم القصرين وتالة وسيدي بوزيد نقاط مركزية في سوق التجارة الحرة فمنها يتوغل المهربون للمنتوجات الجزائرية أو التونسية حتى نحو ليبيا وطبعا فإن الثروات الطائلة التي يجنيها المهربون تبقى بعيدة كل البعد عن المسالك الرسمية وبالتالي لا تدخل ضمن النظام الذي يقوم عليه الإقتصاد الوطني .

فصحيح أن التهريب بالنسبة إلى البعض يمثل فرصة عمل، في منطقة  تحتشد بالفقر والتهميش والبطالة وهذا النشاط يجري على قدم وساق وعلى نطاق واسع إلى درجة أنه خلق اقتصاداً موازياً غير مشروع إلى حد تكوين شراكات .

إذ تعاني العديد من الولايات الواقعة في أقصى شمال شرق البلاد على الحدود مع تونس، من تهميش اجتماعي واقتصادي عميق،لذلك يجب على السياسات الحكومية بحث بدائل تنموية إقتصادية وحلول فعالة بما يخفف من وطأة التجارة الموازية والسوق السوداء على الإقتصاديات الداخلية وفي الأن ذاته محاولة إدماج هذه السوق ضمن العجلة الإقتصادية وإضفاء طابع قانوني حتى لا تبقى خارج النطاق الشرعي بشكل يخفف العبئ على الحكومة المركزية من أزمة البطالة والتنمية كصمام أمان يخفّف بعض الضغوطات الاقتصادية من خلال سياسة “دعه يعمل، دعه يمر” .

يجب على الحكومات أن تدرك أن هذه المناطق  الحدودية حيث باتت تمثل شريان تنموي بإستبدال معادلة التهريب الى معادلة أكثر منفعة للدولة وهي”اقتصاد الأقاليم الحدودي

هناك تحدي أخر مطروح على”المستوى التنموي” المرتبط بمدى قدرة  المعابر الحدودية في استيعاب خطوات المخطط الاستراتيجي الشامل  في احداث التنمية المطلوبة في هذه المناطق الحدودية المهمشة رغم العائدات المالية الهامة والتي تكون ارضيتها الخصبة هي هذه المناطق الحدودية بعينها علما وان طول الشريط الحدودي الجزائري–التونسي يبلغ   1.034 كم  كما يمتد من البحر الأبيض المتوسط من الشمال الى النقطة الثلاثية مع ليبيا في الجنوب.[2] هذا الأمر يستدعي “استراتيجية اعادة نظر كاملة من الجانبين التونسي الجزائري“.

تشير التقديرات الرسمية  الى ان عائدات التهريب تصل إلى ما يقارب 2 مليار دينار تونسي سنوياً، وهي موزعة كالآتي: 750 مليون دينار للمحروقات، 300 مليون دينار للتبغ، 450 مليون دينار أجهزة كهربائية وقطع غيار وإطارات الشاحنات والسيارات وسلع غذائية، 500 مليون دينار أجهزة الكترونية وملابس وأحذية ومواد تجميل وعطور.

دون احتساب مداخيل تهريب السلاح والذهب والنحاس والكحول الفاخرة والسيارات الفارهة المسروقة، لأنه من الصعب جدا تقدير حجمها،وهي أرقام تتطابق تقريباً مع ما وردت في تقرير “البنك الدولي” المعنون: “تقديرات حول التجارة الموازية عبر الحدود التونسيةوالتي تقدر حجم التجارة الموازية ما بين 1.8 و2.4 مليار دينار تونسي موزعة كالآتي: ما بين 0.6 و1 مليار دينار عبر الحدود الليبيةــالتونسية وما بين 1.2 و1.4 مليار دينار عبر الحدود التونسيةــالجزائرية. [3]

الخلاصة:

تبدو العلاقات التونسية الجزائرية جد متشعبة و المتضرر الأكبر  من عقدة “اختناق الحدود هو تونس” لما لا تدرك الدولة أن الجهات أو الأقاليم الحدودية  شبه المستقلة قد أنشأت نظاماً اقتصادياً يحقق ناتج خام يقدر بالناتج الإجمالي لدولة بحالها رغم عدم شرعيته، هذا النظام يتمتع بنفوذ اجتماعي كبير على الفئات الشبابية التي ترسم في مخيلتها حب البقاء وتكوين الثروة .هذا العامل الذي كون لدى الشباب هاجس يسمى “حرق الحدود” وإن أردنا فعلا ترجمة هذا المخيال فمن المحقق أن أكبر الإقتصاديات في العالم لا تعترف بالحدود .

لابد من اعتماد الدولة أسلوب جديد يقطع مع سياسة الماضي وهي  عقلنة البدائل” وتتمثل في:

  • مقاومة التخلف الاقتصادي لدى المنظومة المركزية، حيث أسفر تغاضي مسؤولي  الدولة عن ايجاد مخطط ثنائي تونسي–جزائري، عبر الحدود عن نشوء اقتصادٍ موازٍ، يشكّل اليوم معظم التجارة بين الجزائر وتونس  بل في قيام دويلات مستقلة قائمة الذات للسوق الموازية. يمكن استقطاب هذه المنصة الحدودية واسعة النطاق ضمن المسار الرسمي للدولة  من خلال اتاحة الفرصة نحو انشاء اقتصاد الأقاليم الحدودي بفتح منطقة سوق حرة بتخفيف سطوة الدولة و تفريغ سيولة هذه الأرباح  بما تدره و تجنيه من قاعدة تجارية  افرو – مغاربية ضمن البنوك الوطنية بما يدير عجلة الاقتصاد ويحسن المستوى التنموي في كل اقليم محاذ و يخلصنا من عقدة البطالة مكمن الداء في دافع الهجرة والارهاب والتهريب.
  • فكرة انشاء السوق المغاربية الحرة هي الهاجس الأكبر الذي لم يرى النور بعد فهناك اسباب تفسر بالسياسة الإقليمية الدولية وهي الرقم واحد في عرقلة هذا المسار، الا و ان  التوجه الدبلوماسي والاقتصادي الجزائري وحيث  تتجه البوصلة  نحو الأقطار المغاربية يوجد التحدي الأخطر وهو البوصلة ذات الجناح المبتور…

المصادر المعتمدة في الدراسة  :

  • المرصد الوطني للاقتصاد
  • المعهد الوطني للإحصاء
  • تقرير البنك الدولي المعنون: “تقديرات حول التجارة الموازية عبر الحدود التونسية”
  • بوابة وزارة الداخلية التونسية “مجهودات وحدات الحرس الوطني في التصدّي لظاهرة الهجرة غير النظاميّة”
  • كتاب حقائق العالم لوكالة المخابرات المركزية – الجزائر ، مؤرشف .


[1]– معطيات الديوان الوطني للمعابر الحدودية البرية

[2]– بين الجزائر وتونس ست مراكز مراقبة حدودية: أم الطبول، وببوش – عين دراهم، والحدادة – ساقية سيدي يوسف، وبوشبكة، وبئر العاتر، وحزوة.

[3]– الأرقام تستند الى عمل ميداني أجري من معبر “راس جدير” في أقصى الحدود التونسية لجهة ليبيا وصولاً الى ولاية القصرين الواقعة على الجوار الحدودي التونسي الجزائري

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق