تطوّر قدرات القوّات البحرية الصينية وطموحات للوصول الى المياه الزرقاء 

إعداد صبرين العجرودي: قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية 20-03-2024

يعتبر الجيش الصيني من بين أضخم 145 جيشا في العالم، أمّا قوّاته البحرية فقد احتلت المرتبة الأولى عالميا في عام 2023.

 وهو من ثاني أقوى الجيوش في آسيا يسبقه الجيش الروسي، وفي المرتبة الثالثة عالميا وفقا لما أشار إليه موقع “غلوبال فاير بور”.

تعوّل الصين على بحرية المياه الزرقاء بإعتبار أنّها وسيلة وقوّة بحرية قادرة على جعلها تعمل دوليا، بحيث تضمن لها قوّة الردع وتمكّن الدولة من النفوذ الديبلوماسي ضمن المفاوضات الدولية وتعزّز قوّتها الاقتصادية من خلال الحفاظ على مبادلاتها التجارية.

 ويُذكر أنّه من فترة قريبة كانت البحرية الصينية من وجهة نظر المراقبين لا تعدوا أن تكون إلاّ “بحرية المياه الخضراء”، ويعني ذلك أنّ عملها لا يتجاوز المساحات القريبة من شواطئ البلاد.

غير أنّ الأسطول البحري الذي أنشأته من أشهر المتكوّن من 340 سفينة حربية كشف عن رغبة الصين وطموحاتها حول “المياه الزرقاء”.

بداية تغيير السياسة الصينية البحرية

مثّل عام 1996 نقطة التحول الكبيرة في سياسية الصين البحرية، في ذلك العام كانت تايوان تستعد لأوّل عملية انتخابية في تاريخها، حينها قامت البحرية الأمريكية بإرسال أسطولين بحريين مع حاملتي طائرات لتأمين الانتخابات في تايوان، لم تجد الصين وقتها اي طريق للتدخل من خلال بحرية المياه الخضراء.

وكان لبكين إلاّ أن تستعد لتجهيز قوّتها البحرية حيث قامت بحرية جيش التحرير الشعبي بشراء المدمرات من الخارج، تأمين انتقال التقنيات، إنشاء أحواض السفن البحرية، تصميم السفن الحربية للإنتاج الضخم، الاستثمار في أنظمة حظر الوصول إلى المناطق، تطوير قوّات فتاكة لها القدرة على استغلال الثغرات التي ستفتحها أسلحة حظر الوصول.

وبناء على ذلك فقد غيّرت الصين سياستها البحرية إلى ما يطلق عليه “الحرمان البحري” الذي يعتمد على أنظمة حظر الوصول إلى المناطق. وتعرّف هذه الأنظمة على أنّها مجموعة متنوعة من الصواريخ، والدفاعات الجوية، والقدرات الإلكترونية المصمّمةلإحباط عمليات القوات والأصول المعادية.

وتمثّلت أهم محطات الصين في تطوير قدراتها البحرية في خمسة نقاط أساسية، حيث قامت في عام 2003 بتوسيع مخزونها من الصواريخ لردع كل القوّات الأجنبية التي تشكّل تهديدا لأمن سواحلها وفي عام 2010 ناهز عدد الصواريخ الباليستية التقليدية قصيرة المدى 1.000 صاروخ، بالتوازي كانت بكين آنذاك تعمل على تطوير صواريخ دي إف-21 سي المتطوّرة والتي تبلغ قوّة انطلاقها 1.700 كيلومتر، بحيث يمكنه الوصول الى مناطق بعيدة في اليابان والفلبين.

أمّا في عام 2017 فقد ركّزت الصين في صناعاتها على الصواريخ الباليستية قصيرة المدى وأخرى متوسطة المدى قادرة على الوصول لأهداف في جزيرة غوام الواقعة في غرب المحيط الهادئ.

وفي عام 2022 فقد تغيّرت الموازين بالكامل في المحيط الهادئ نتيجة القدرة النارية الصينية الهائلة.

في عام 2023 صنّفت الصين من بين أكثر القوى العالمية التي تمتلك عددا هائلا من السفن الحربية في العالم، حيث ناهز عددها 730 وحدة بحرية في غاية التنوع:

– حاملتا طائرات (بفضلها تحتل المرتبة الثانية عالميا).

– 3 حاملات مروحيات (بفضلها تحتل المرتبة الثالثة عالميا).

– 50 مدمرة (ثاني أضخم قوّة مدمّرات).

– 43 فرقاطة (أضخم قوّة من الفرقطات في العالم).

– 72 كورفيتا (تحتل المرتبة الثانية عالميا )

– 78 غوّاصة تجعل الصين الأقوى عالميا في هذا السلاح 

– 150 سفينة دورية بفضلها تحتل الصينالمرتبة الرابعة عالميا

– 36 كاسحة ألغام بحرية بفضلها تحتل الصين المرتبة الثانية عالميا.

بالتالي تمثّل السفن الدورية أكبر نسبة من حجم الأسطول الصيني بما يقارب 35 بالمائة، بينما تمثّل قوّة الغواصات 18 بالمائة وقوّة الكورفيتات 17 بالمائة تقريبا.

قوّة بحرية تثير خوف الولايات المتحدة الأمريكية

هناك الكثير من المؤشرات الدقيقة التي تعكس مدى تزايد قوّة البحرية الصينية خاصّة في منطقة الإندوباسيفيك، من أهمّها التدريبات العسكرية البحرية التي تقوم بها الصين مع الدول الصديقة الأخرى، على غرار التدريبات المشتركة بين القوات البحرية الصينية والقوات البحرية الروسية في يوليو 2023 في اليابان والتي شارك فيها أكثر من 10 سفن و 30 طائرة حربية، كانت الغاية منها تأمين الممرات المائية الإستراتيجية في بحر اليابان، وتعزيز قدرات القوات البحرية الروسية والصينية على حد سوى في مجابهة كافّة التحديات عموما في منطقة آسيا والمحيط الهادي.

وقد أجري بين الدولتين في اغسطس من نفس العام مناورات بحرية في المحيط الهادئ، تمّ التركيز خلالها على تدريبات حول عمليات الإنقاذ والتصدي لهجمات جوية.

ويعتبر هذا التعاون الصيني الروسي في المجال العسكري البحري قوّة حقيقية ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في قارة الآسيوية والغرب، خالصّة مع إغلاق المجال أمام تحركاتها البحرية في المنطقة.

 من جهة اخرى تعتبر حاملة طائرة “فوجيان” الورقة الجوية الرابحة على الاطلاق لدى الصين، حيث تفوّقت على كل القدرات الجوية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في غرب المحيط الهادئ وشرق آسيا لصالح قدرات جيش التحرير الشعبي الصيني، بالإضافة لذلك تعتبر حاملة الطائرات الصينية “فوجيان” الأكثر تطورا على الإطلاق مقارنة بحاملاتها الأخرى، حيث أنّ لها القدرة على حمل أسطول كامل من الطائرات (كذاك طائرات دورية، طائرات الإنذار والتحكم).

ومن أبرز النقاط الأخرى الدالة على قوّة الصين البحرية، امتلاكها نوعين من الصواريخ الباليستية المضادة للسفن في البحر، حيث يصل الأوّل الى يتجاوز 1500 كيلومتر أمّا الثاني فقد ناهز 4000 كيلومتر، ممّا جعل الولايات المتحدة الأمريكية في غاية الخوف خاصّة وأنّ هذه التجهيزات المتطوّرة جديرة بقلب المشهد تماما ضدّها بجعل طائرات واشنطن عرضة لهجمات هذه الصواريخ المدعومة بأنظمة مراقبة واستهداف متطوّرة.

مؤشرات حول مزيد التطور الى حدود عام 2050

تشهد البحرية الصينية نموّا هائلا، وتشير مصادر الى أنّه في حالة استمرار نسق النمو بهذا المستوى فسوف يصل عدد حاملات طائرات بحلول عام 2030 الى 5 أو 6 حاملات.

وتركّز الصين أهدافها بدرجة اولى على السيطرة على مياه سلسلة الجزر الأولى، في نفس الوقت لا تعتمد قوّة الصين على عدد السفن أو الحمولات مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق غايتها داخل سلسلة الجزر الأولى.

وبناء على قدراتها الحالية، فإنّ وقوع اي أعمال عدائية لا يشكّل مشلكة بالنسبة للصين حيث تستطيع الاعتماد على تجهيزاتها من الصواريخ الأرضية والطائرات المقاتلة القادمة من البر الرئيسي لها، بحيث ستفتك الصواريخ والطوربيدات والقذائف أي أسطول عدوداخل سلسلة الجزر الأولى.

فكّلما ارتفع عدد مناطق السيطرة الصينية ارتفعت بالتوازي أسلحة حظر الوصول التي ستتمكّن من احباط كافة عمليات الأساطيل الأجنبية في المنطقة.

أمّا في عام 2050 ستكون قوّة الصين البحرية في اوجها، حيث سيرتفع عدد حاملات الطائرات لديها الى حدود 10 طائرات بنفس نسق التجهيز الحالي. أمّا فيما يتعلّق بالقوّات البحرية فستعادل حجم القوّات البحرية الأمريكية وقدرتها بـ 100.000 جندي، وستتمتّع كذلك بنفس الحصانة.

من جهة اخرى، هناك احتمال بأن تتصرّف الصين بحرية اكثر من خلال اختيار حدود سفنها السطحية وحاملات طائراتها وقدراتها البرمائية، وكذلك ستتمكّن من العمل بطول المحيطين الهندي والهادئ، ويمكن أيضا أن تنشئ قواعد عديدة تستطيع من خلالها فرض هيمنتها أكثر وتتمكّن كذلك من نشر قواعدها اللوجستية، وهذا التطوّر الهائل  سيؤدي بدوره الى حرب بحرية محتدمة بين الصين وامريكا يرجّح أن تكون عند الخط الممتد من جوادر الى المالديف ودييغو غارسيا والخط الموازي الممتد من جيبوتي إلى كينيا وموزمبيق.